رأى السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ساعد على استئناف الجهود السياسية وعودة الاطراف الى التفاوض، واكد أن الاتفاق الروسي الاميركي الاخير فشل بسبب خرقه من قبل واشنطن وحلفائها من المعارضة المسلحة.

إيلاف من بيروت: رد السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين الاتهامات الاميركية لروسيا والنظام السوري بقصف المستشفيات والمناطق المدنية بأنه لطالما فعلت واشنطن ذلك في العراق وليبيا ويوغسلافيا واماكن اخرى، معتبرًا ان الاعلام منحاز ويركز على طرف دون آخر. 

وأعرب زاسيبكين عن اعتقاده بأن العمليات العسكرية في سوريا حاليًا لن تتجاوز الخطوط الحمراء القائمة، مؤكدًا بأن التصعيد الحاصل مرده الى دواعي حملات انتخابات الرئاسة في اميركا، نافيًا تأييد بلاده للمرشح الجمهوري دونالد ترامب.

أجرت «إيلاف» حوارًا خاصًا مع السفير الروسي في لبنان. هذا نصه: 

السفير الروسي في لبنان والزميلة نهلة صفا

مضى عام تقريبًا على التدخل العسكري الروسي في الحرب في سوريا، ونحن اليوم نشهد ما يجري في حلب من تدمير ممنهج ومن اعمال قتل للمدنيين بشكل عشوائي، كيف تقوّم الدور الروسي في سوريا؟ ألا ترى أنه كلما زادت روسيا من تدخلها في هذا الصراع، كلما رأينا أن امكانيات التقدم في الحل السياسي تبتعد، لا بل تصبح مستحيلة؟

بالنسبة لفرص التسوية السياسية، أرى أنه مع بداية المشاركة العسكرية الروسية في سوريا، اصبح من الممكن استئناف الجهود السياسية، ولقد استطعنا على الرغم من الجمود خلال الفترة الماضية ان نعود مرة اخرى الى التفاوض ما بين الاطراف، وتم تشكيل مجموعة الدعم الدولية لسوريا، واستطعنا اتخاذ بعض القرارات المهمة منها خريطة الطريق ومنها ايضا الاتفاق الروسي الاميركي الاخير وتثبيت مبدأ الهدنة والمفاوضات في جنيف والخ، فلذلك بالعكس بالنسبة للجهود السياسية اصبحت المحاولات أقوى وافعل.

اما بالنسبة لاهمية تدخلنا ككل، فهو مهم في المجالات كافة، خصوصًا في المجال الميداني، لاسيما في مكافحة الارهاب، خصوصًا وان المبادرة كانت قبل ذلك بأيدي الارهابيين، وكان هنالك خطر مباشر على سوريا كدولة، فنحن من خلال الجهود الروسية المنسقة مع الجيش النظامي السوري استطعنا ان نغير جوهريًا الاوضاع الميدانية، وعبر عدة عمليات ناجحة في العديد من المحافظات السورية خلال السنة الماضية والسنة الحالية، تم تحقيق العديد من الاهداف منها تحرير الاراضي والمدن والقرى وانتشار تجربة المصالحات الميدانية، ولكن بطبيعة الحال لم يتحقق هدف القضاء على الارهاب بشكل كامل، لان ذلك يتطلب توحيد جهود جميع الاطراف الاساسية، بما في ذلك الروس والاميركيون وكل التحالفات الخاصة بالطرفين.

لقد توصلنا الى اتفاق مع الاميركيين، ولكن كان يتم تنفيذ هذا الاتفاق من جانب واحد هو الروسي والسوري وليس من الجانب الاميركي وحلفائه، تم افشال هذا الاتفاق ولكن نحن لا نزال نصر على تطبيقه.

الخلاف الروسي الأميركي 

هناك تعثر مستمر في امكانية فرض هدنة انسانية لفترة طويلة، والروس متهمون من قبل واشنطن بأنهم يرتكبون والنظام السوري جرائم حرب في سوريا، اما كان بالامكان تضييق هامش الخلاف بينكم وبين الاميركيين؟

عندما تقع الحرب، سيكون هناك ضحايا من الناس الابرياء والمدنيين من كل الاطراف، وفي حلب ونتيجة للقصف من جانب الارهابيين الذين يؤيدهم الاميركيون، هناك ضحايا كثر، ولكن لمعالجة الموضوع، يجب ان يكون هناك وقف لسفك الدماء في كل مدينة حلب وعلى الاراضي السورية ككل وهذا هو الهدف الاول للجهود الروسية خلال كل هذه الفترة، وهو المبدأ الاساسي لفكرة الهدنة وللاتفاق ما بين روسيا واميركا، والذي لم يتم الالتزام به من قبل الاميركيين وحلفائهم من المعارضة المسلحة، ولكن وسائل الاعلام وبعض الاحزاب السياسية او الجماهير في دول المنطقة، يعربون عن التضامن مع ضحايا القصف لجهة واحدة وليس للجميع، ويجري التركيز على طرف واهمال ضحايا الطرف الأخر، وهذا لا يجوز، فهناك شهداء للجيش السوري، وهذا الاسلوب في اتهام النظام ليس الاول من نوعه في التاريخ المعاصر، فنحن شاهدناه في يوغسلافيا وفي العراق وفي ليبيا وغيرها من الدول وصولاً الى سوريا، وللاسف لا احد يتذكر ضحايا العدوان الاميركي في العراق او لعمليات الناتو في ليبيا وبلغراد، هناك عشرات الآلاف من القتلى نتيجة هذه الاعمال العدوانية، وبالنسبة لسوريا، كان هناك ارسال لمقاتلين من عشرات الدول الى هذا البلد لقتل الناس وهم ارهابيون، اما الجيش النظامي السوري فهو يحارب كأي جيش آخر لتحرير اراضيه، وكما هو معروف، اميركا اقدمت على قصف المستشفيات في العديد من الدول، ولكن كما قلت سابقًا، وسائل الاعلام لا تركز على اميركا، بينما هنا تركز على الجيش السوري، فجزء من الحقيقة في ظروف الحرب تتحول الى اكذوبة، ومن الواضح ان الذين يقولون ذلك ليس لديهم هدف انقاذ الناس بل شيء آخر، وهو اسقاط النظام السوري وتأمين رحيل الرئيس بشار الاسد، وهذا يندرج ايضا في اطار الهجوم الغربي ضد روسيا في كل الاتجاهات وهذا الهجوم، من مسألة حقوق الانسان الى توسع الناتو الى النزاعات في المنطقة، نحن نحمل تبعاته للغرب الذي يريد اسقاط الانظمة الشرعية في عدد من الدول واقامة الانقلابات وممارسة العدوان، فهذا هو الواقع اليوم.

هل تعتقد أنه يمكن التوصل في وقت قريب الى اعادة تنشيط التفاهم الاميركي الروسي والدخول من جديد في هدنة طويلة ووقف للطلعات الجوية؟

نحن نعمل لتحقيق هدف معين، وفي هذه الظروف نحن لا نرى أي طريق آخر الا استئناف الجهود السياسية والوصول الى هدف وقف سفك الدماء ووقف الاعمال العدائية بأسرع وقت ممكن، ولكن كما قلت هناك قصف بالدرجة الاولى من قبل الارهابيين، واذا عدنا الى الوراء، وتحديدًا الى التاسع من سبتمبر حيث تم التوقيع على الاتفاق الروسي الاميركي، نرى انه من الثاني عشر من سبتمبر كان يجب تحقيق تطبيق لهذا الاتفاق الذي يشمل انسحاب القوات عن طريق الكاستيللو واقامة نقطة مراقبة هناك ومن ثم تشكيل غرفة العمليات المشتركة الروسية الاميركية لمتابعة كل الخروقات، ولكن خلال كل هذه الفترة، قامت مجموعات المعارضة المسلحة بالهجمات اكثر من ثلاثمئة مرة ضد الجيش السوري، وفي نفس الوقت، قاموا باعادة تجميع لقواتهم وحصلوا على السلاح الجديد، ولذلك هذا الاتفاق الذي كان يجب ان يكون متوازنًا، كان لمصلحة طرف واحد، واريد ان اشير الى مسألة أن شبكات التواصل الاجتماعي مليئة الآن بالاخبار والآراء، وهناك للاسف الشديد تزوير للحقائق بشكل مستمر، فمثلا هناك صور لضحايا من مناطق اخرى، من اوقات أخرى، ومن مصادر عدوان أخرى، لذلك نحن نعرف ان كل هذا هو جزء من الحرب الاعلامية ضدنا، ونحن جاهزون لتحمل اعباء هذه الاكاذيب، انما الموقف المبدئي لنا انه يجب معالجة الموضوع بالكامل وهذا هو الطريق الوحيد لانقاذ حياة البشر.

حسب المعطيات والوقائع، حشدت روسيا خلال سبتمبر الفائت المزيد من شبكات الصواريخ والسفن الحربية قبالة الشواطئ السورية، ويقال انكم تتحسبون من ضربات عسكرية اميركية محتملة ضد النظام السوري في بعض المناطق، واعلنتم انكم ستتصدون لمثل هكذا ضربات، هل يمكننا القول إننا امام بوادر أو مؤشرات لحرب عالمية جديدة؟

هذا السؤال هو الآن في اذهان جميع الناس في كل الدول، وهو امر اكثر ما يبحث على مستوى المجتمع الدولي حاليًا، وهو في غاية الاهمية، لان البشرية لا تريد ان تدمر، ولكن في روسيا، هناك آراء مختلفة للخبراء حول هذا الموضوع، فنحن نعرف ان الاميركيين هم اناس براغماتيون، والمعروف ان هناك دائما خطوطًا حمراء، والتجاوز لهذه الخطوط هو ممنوع وخاصة من قبل الخبراء العسكريين، ولا يجوز لاي طرف من الاطراف، ولكن رفع سقف التصريحات من ناحية أخرى والهستيرية في الكلام، وهذا التطور السلبي يؤدي تلقائيًا الى زيادة المخاطر. انا شخصيا اعتقد ان الخطوط الحمراء لا تزال قائمة، وكل هذا التصعيد يمكن ان يكون مرده الى اعتبارات حملات الانتخابات الرئاسية الاميركية والى اسباب أخرى عديدة، ولكن الشيء الاهم في كل هذه الصورة ان ما يحدث في سوريا أو في منطقة الشرق الاوسط ككل، هو اصلا مرده الى المطالبة بالاصلاحات في الدول، ان في تونس أو سوريا او مصر والخ، ولكن موضوع الاصلاحات هذا هو موضوع داخلي، انما للاسف الشديد كل طرف من الاطراف يستغله لاعتبارات ذاتية، وصار هناك تكبير له وتغيير للاهداف، لأن الاصلاحات في الاساس تبحث من خلال حوار وطني، كذلك جرى استغلال الشباب من خلال فيسبوك بهدف زعزعة الاوضاع، وبعد ذلك ادخلوا الجانب الطائفي حتى وصلوا الى اتهام النظام السوري بكل الجرائم ومن ثم البحث في توجيه الضربات العسكرية له، ولكن روسيا تقف ضد كل ذلك وضد الارهاب الذي جاء من الخارج، وهذا الموقف الروسي يتجسد سياسيًا وعسكريًا، واليوم تزوير الحقائق ادى الى اطلاق الاتهامات بأن الروس هم يستقدمون القوى العسكرية، ولكن نحن اتينا لهدف الحفاظ على الدولة السورية ومكافحة الارهاب، بينما ما يحدث الآن يتخطى كل ذلك وهو يتعلق بدول أخرى كدول الخليج ولبنان، فكل شعوب واهالي هذه الدول يجب ان يفكروا بما ستكون النتيجة لو أن الارهاب استولى على الحكم في الدول العربية وما هو مصير الشعوب والطوائف والعيش المشترك, هذا هو السؤال الاهم، فبدلاً من توجيه الاتهامات لروسيا، يجب الاعتراف انه بفضل الجهود العسكرية الروسية بالتنسيق مع الجيش السوري، اصبح هناك ردع للارهابيين، ولم يستطيعوا الاستيلاء على السلطة.

فبركة الارهاب كان يتهم بها النظام ايضًا، والمعطيات تشير الى أن التشدد والعنف، اللذين مارسهما نظام الرئيس بشار الاسد تجاه طائفة أو مجموعات بشرية معينة، هما اللذان ولّدا بحد ذاته هذا الارهاب.

كل نظام يحاول الدفاع عن نفسه في سوريا او غيرها، وهناك قوى تريد اسقاطه، نحن نقف في حل المشاكل الداخلية مع الحوار الداخلي وليس مع الصدام، وخاصة ان هذا الصدام تؤيده الاطراف الخارجية لاهداف اخرى وليس لأهداف تخص الشعب، فليبيا مثلا دولة مدمرة وحتى ليس هناك من دولة الآن، وفي العراق المشاكل مستمرة نتيجة العدوان الاميركي، فلذلك ليس بالامر البسيط ما يحدث في سوريا في ظل هذا التدخل في شؤونها الداخلية، ولكن انا ارى ان الاطراف السورية يجب ان تحدد مسؤولية كل طرف منها عمّا يحدث، ونحن سياسيًا نتصل مع جميع الاطراف سواء كانوا من النظام أو المعارضة، وهناك عدد من المنظمات نتواصل معها ونعتبرها وطنية، والمبدأ الاساسي بالنسبة لنا انه لا يمكن تحديد المعارضة فقط بفصيل معين، الآن الواقع غير ذلك، ويجب ان يكون التمثيل شاملاً ومتوازنًا، كذلك على المجتمع الدولي ان يساعد سوريا، ومن هنا كان بيان جنيف الذي يتضمن ثوابت لسوريا المستقبلية، مثل الدولة العلمانية وتأمين الحقوق المتساوية لكل المكونات في المجتمع، وهذا يعني ان محاولات تدمير مبدأ العيش المشترك وتفوق طائفة على طائفة اخرى هو مرفوض تمامًا، وهذا موقف يتبناه المجتمع الدولي حيال كيفية رؤية مستقبل سوريا، وفي ما خص تعاملنا مع المعارضة، نحن نرى انه يجب التمسك بهذه الثوابت، وشيء آخر انه اذا كان هناك رأي يقول بأن المرحلة الانتقالية تعني تسليم السلطة من النظام الى المعارضة، فنحن نعتقد بأن هذا غير منطقي، لان النظام بكل بساطة لا يسلم السلطة للآخرين، ثم نحن نسأل ما هي حقوق هؤلاء في الحصول على السلطة، فقط لانهم اصدقاء لاميركا ولأطراف اقليمية، هم يريدون فرض رأي الاقلية السياسية على النظام وعلى الشعب كله، ولذلك نحن نقف الى جانب خريطة الطريق وصولاً الى الانتخابات النزيهة تحت رعاية الامم المتحدة وبمتابعة من مجموعة دعم سوريا وبمشاركة الجميع من اميركيين واوروبيين، ثم لماذا لا يسمحون بالوصول الى هذا الهدف, لانهم ببساطة يريدون شيئًا آخر، واخشى ما اخشاه أن تكون وراء كل ذلك مشاريع لتفكيك الدول واقامة الكانتونات الطائفية، والتي نحن ضدها على الاطلاق ويبدو انه يجري العمل عليها منذ سنوات. انا ارى ان العمل الذي يجري الآن بصورة عملية هو التحضير لمشروع القاعدة، والذي يدعو الى سيطرة الافكار التكفيرية التي هي ضد الجميع، فهذا المشروع تدميري ولا يجوز الاستمرار بمحاولات اللعب بورقته.

الصراعات الإقليمية

كيف تقيّم علاقات روسيا حاليا مع دول الخليج العربي, وتحديدًا مع المملكة العربية السعودية، في ظل هذه المساعدة الواضحة من قبل روسيا للنظام السوري، كيف تتوازن العلاقات في هذا الواقع؟ 

نحن تقليديًا والآن بشكل خاص نعتمد على مبدأ ان نتحاور مع الجميع، وهناك امور استثنائية فقط تعرقل هذا الحوار مثلما حدث مثلا عند اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، مع العلم انه بالنسبة لهذه المسألة ايضا فلقد استطعنا بعد فترة ان نعيد العلاقات مع تركيا، وبالنسبة لدول الخليج، فرغم هذا الخلاف حول سوريا، نحن نعمل على تطوير التعاون في ما بيننا والاستمرار في الحوار السياسي حول كل المواضيع، لان القطيعة هي دائما أسوأ، نحن مع محاولات ايجاد القواسم المشتركة على الرغم من التباينات في وجهات النظر، وانا اظن ان اجواء العلاقات بيننا وبين المملكة العربية السعودية هي اجواء ايجابية، فنحن نعمل على اهداف مشتركة كالامن والاستقرار في المنطقة، واذا كان هناك خلاف بيننا حول سوريا، فنحن نتمنى ان نتجاوز هذا الخلاف ولن نترك اية فرصة للوصول الى القواسم المشتركة, واريد ان اشير هنا انه خلال كل فترة النزاع السوري، صحيح اننا نتعامل مع النظام كممثل للدولة السورية، ولكن بالنسبة للمستقبل نرى ان الشعب السوري هو الذي يقرر من يريد من خلال الانتخابات، وألفت انه في كل مراحل محاولات وقف سفك الدماء وترتيب الحوار الوطني كان النظام السوري متجاوبًا معنا ودائما اكثر مرونة، فمثلا في السابق كان ينظر الى كافة المجموعات المسلحة بانها غير شرعية وارهابية، وفيما بعد وافق على التمييز بين هؤلاء, وهذا يعتبر تقدمًا في موقف النظام، لذلك نتمنى ان يكون هناك تقدم في مواقف الاطراف الأخرى، كذلك لا بد من الاشارة وبارتياح الى انه وخلال الفترة الاخيرة، لم يعد هناك اصرار في الموقف الاميركي وبدرجة معينة الموقف الخليجي، على موضوع رحيل بشار الاسد الآن، وهذا ايضًا يعتبر نوعًا من التقدم، واذا اردنا ان نجيب على سؤال، هل يبقى الرئيس بشار الاسد رئيساً بعد عشر سنوات، فهذا بصراحة بالنسبة لنا سؤال غير مطروح، وكل له رأيه حول هذا الامر، ولكن في نهاية الامر الشعب السوري هو الذي يقرر، وهذا لا يمنع الاتفاق حول خطوات التسوية الآن ومراحلها، لذلك نحن نركز حاليا على ضرورة تطبيق الاتفاق الروسي الاميركي وعلى بدء مفاوضات بدون شروط مسبقة، ومن يطالب برحيل الرئيس الاسد كشرط مسبق يكون هو من يعطل.

في ما يتعلق بحرب اليمن، هل من دور روسي معين في لجم الصراع اليمني وفي تقريب وجهات النظر بين الاطراف المتصارعة؟

بالنسبة لليمن وغيرها من الدول كليبيا والعراق، لدينا مبدأ اساسي بأنه يجب ايجاد الحلول عبر الحوار الوطني من دون التدخل الخارجي، واذا كانت روسيا قادرة على المشاركة في سوريا مثلا، لكن في النزاعات الاخرى ممكن أن يكون لدينا دور اقل لاسباب موضوعية، ونحن نسمع الآن أنه بسبب فعالية المشاركة العسكرية الروسية في سوريا، فلتكن مشاركتنا ايضا في اليمن وليبيا والعراق, لكن بالنسبة لنا كل شيء له حدود، ونحن نكتفي بأن يكون لدينا دور ايجابي في اليمن.

وبالنسبة للعراق، هل الموقف نفسه ينطبق عليه؟ 

نعم، نفس الامر ينطبق على العراق ونحن كنا من اوائل الذين ايدوا النظام العراقي خلال الاحداث الاخيرة وفي مجال مكافحة الارهاب، ونفس الامر ايضًا بالنسبة لليبيا، وبالنسبة للمرحلة القادمة، نحن سنواصل التعاطي حسب امكانياتنا ونراقب تطور الاوضاع، ولكن ما يجب اخذه في الاعتبار، انه في العراق كان العدوان الاميركي في البداية ثم في ليبيا كانت عمليات حلف الناتو، لذلك يجب الاعتراف وتحديد من يجب ان يلعب دورًا أنشط في ايجاد الحلول وتحمل المسؤولية عمّا اقترف من اخطاء في هذه الدول.

رئاسة الجمهورية اللبنانية

لنعد الى لبنان، لقد شهدنا مؤخرًا زيارة للرئيس سعد الحريري الى روسيا، حيث التقى وزير الخارجية الروسي في اطار المسعى الذي يقوم به لانقاذ ملف الاستحقاق الرئاسي، ولكن حسب ما رشح من معلومات لم تقدم روسيا أي شيء جديد لسعد الحريري في هذا الاطار، ما هي حقيقة الموقف الروسي تجاه الملف الرئاسي اللبناني؟ ولماذا لا تعمل روسيا باتجاه اقناع حلفائها في لبنان لتسهيل عملية انتخاب الرئيس؟

الموقف التقليدي الروسي مبني على عدة ثوابت في ما يخص لبنان ككل، وموضوع الرئاسة بالتحديد، فنحن نعمل ضمن مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان، ومنذ زمن قال الوزير لافروف انه ليس لدينا مرشح بالنسبة للانتخابات الرئاسية، فنحن نؤيد انتخاب الرئيس، ولكن من يكون، هذا شأن لبناني، وانا شخصيًا توصلت الى قناعة خلال الفترة الاخيرة ان الاجواء الاقليمية لا تشجع وهي غير مؤهلة لتحقيق هدف انتخاب الرئيس اللبناني تقليديًا، كما كان يحصل في لبنان سابقًا، لان الدور الاساسي والحاسم والجوهري حاليًا هو للاطراف الخارجية، ولكن ما هو مطروح الآن هو العكس، انه يجب ان يكون هناك اولا اتفاق لبناني، ومن ثم يأتي تأييد الاطراف الخارجية لسيناريو أي مرشح معين، هذا هو المتغير الآن بالمقارنة مع ما كان يحدث في السابق في التاريخ المعاصر، وانطلاقًا من ذلك نحن نؤيد تحرك الرئيس الحريري الآن ونقيمه ايجابيًا، ولا سيما بعد فترة الجمود في الاشهر الاخيرة التي احاطت بموضوع انتخاب الرئيس، وهذا التحرك نرى فيه محاولة لكسر الجليد والوصول الى نتيجة، ولكن في ما خص مسألة البحث في الاسماء، نحن نرى ان هذا الامر لا ينفع، وكما يبدو هناك مشاورات معمقة للوصول الى تفاهمات معينة قبل عملية الانتخاب، لان المسألة ليست في الاسماء فقط، ونحن ننتظر حصيلة هذه المشاورات، وبالنسبة لتحرك الحريري اظن ان رأي موسكو وموقفها مفيد، ولكن انا لا اريد ان اقارن الموقف الروسي بمواقف الآخرين، ولكني اصر ان روسيا هي مع كل مقترح يتم التوافق عليه.

ولكن يمكنكم كحلفاء لحزب الله "المونة" عليه للنزول الى المجلس النيابي وانتخاب ميشال عون الذي يعلنه كمرشح له في الاساس، وهذا مقصد تحرك الحريري

يجب ان نأخذ في الاعتبار كل الخصوصيات للوضع اللبناني، فمسألة التوجه الى المجلس النيابي مسألة بسيطة، ولكن المطروح ان يكون هناك تفاهم اولا بين كل الاطراف وان يكون هناك قرار لبناني موحد، ونحن عندها ومن منطلق وزن روسيا نقول اننا مع هذا القرار وهذا التفاهم، اما الآن فمن السابق لاوانه ان نعلن موقفنا.

في مرحلة ماضية قيل انه طرح اسم ميشال عون امام الرئيس بوتين ولكنه لم يبدِ تحمسًا له، وفهم من ذلك انكم مع الرئيس التوافقي، بماذا تعلق على هذه المعلومة؟

انا لا اعرف شيئًا عن هذه المعلومة، وبرأيي أن هذا شيء غريب وغير صحيح.

دعم ترامب

في ختام هذا الحوار ماذا يمكن ان تقول ككلمة أخيرة؟

في الختام اريد أن اشير الى شيء مهم بالنسبة لروسيا أن ما يحدث الآن في سوريا او في الشرق الاوسط هو جزء مما يحدث عالميًا، ولدينا في العلاقات مع الاميركيين والغرب عموما اجندة طويلة تشمل قضايا الامن الاستراتيجي وموضوع الاسلحة الى النزاعات الاقليمية وحقوق الانسان والخ، وللاسف الشديد هناك هجوم غربي في كل المجالات ضد روسيا وكأن هذا نهج استراتيجي، ولكن نحن خلال السنوات الاخيرة تعودنا على بذل الجهود كي نعيش في ظروف جديدة، نحن نعتمد على قدراتنا الذاتية، فمثلا ما يسمى العقوبات شجعت النشاط الروسي لإنعاش الاقتصاد لدينا، واجراء تغييرات في المجالات المالية والاقتصادية ولعودة روسيا كدولة منتجة، فلقد كانت لهذه العقوبات تداعيات سلبية وخاصة في المرحلة الاولى، لان الاقتصاد الروسي كان لا يزال مرتبطًا بصورة وثيقة بالاقتصاد الغربي والعالمي، لقد اتخذنا اجراءات كي يكون لدينا نوع من الاستقلال ولتأمين النشاط الاقتصادي من المصادر الروسية، ولقد حققنا نجاحات في الزراعة وفي تطوير الانتاج الصناعي والتكنولوجيا والخ، لقد بذلنا اهتمامًا اكبر كي لا يكون اعتمادنا فقط على البترول، وعلاقاتنا الثنائية مع الدول الاوروبية لا بأس بها، ولكن في الاجمال في ما خص علاقتنا بالناتو وبالدول الاوروبية، هناك صعوبات كبيرة وخاصة عندما يتخذون القرارات بشكل مشترك، فهناك عدة دول مثل جمهوريات البلطيق وبولونيا هي دائما تعرقل وتتخذ في كل مجال مواقف ضد روسيا، والامر الثاني هو النزاع في اوكرانيا، فهناك دائما تحميل للمسؤولية على روسيا على الرغم من انه مثلما هناك في سوريا الامور اللوجستية بالنسبة للتسوية المعروفة، كذلك في اوكرانيا الامور اللوجستية معروفة للوصول الى تسوية وهي اتفاق مينسك الذي يشترط بدرجة اولى التفاوض ما بين سلطات كييف والسلطات الاوكرانية مع ممثلي المناطق الشرقية, وهذا هو المفتاح للوصول الى التسوية، ولكن سلطات كييف ترفض ذلك، فهم غير معنيين بالتفاوض مع المناطق الشرقية، وللاسف الاوروبيون والاميركيون هم يحرضون ويشجعون الجانب الاوكراني دائمًا، فالنزاع الاوكراني الآن يعرقل كثيرًا العلاقات مع اوروبا، ولكن نحن مقتنعون انه في المستقبل لا بد من العودة الى المناخ الايجابي. واخيرا، في ما خص الانتخابات الاميركية، نحن دائما نحاول قدر الامكان الا نعلق عليها، لانه تقليديًا لا نعرف من سيفوز وما سيكون عليه النهج السياسي الجديد.

ولكن من الواضح انكم تؤيدون المرشح ترامب

هذه المرة، الامر يختلف بسبب أن روسيا اصبحت مادة اساسية في النقاش بين المرشحين كلينتون وترامب، ولكن هذا ليس بمبادرة منا بل بمبادرة من السيدة كلينتون على وجه الخصوص التي تهاجم روسيا، وترامب يتخذ موقفًا مختلفًا.

ولكن يقال إن الرئيس بوتين قد موّل حملة ترامب شخصيًا

هناك تراكم في الاكاذيب في كل ما يحدث، وانا اظن انه ليس هناك أي شيء حقيقي مما يقال على الاطلاق، كل ذلك افتراءات ومن دواعي الحملات الانتخابية، فالذي يعرف الحقائق الروسية هو بطبيعة الحال غير واثق بأي شيء يحدث في الولايات المتحدة، نحن لا نهتم على الاطلاق بما يجري داخل اميركا لانه لا ينفعنا، ويجب ان نسأل دائمًا انه من سيستفيد من كل ذلك.. ولكن، المهم شيئان، اولا، هذا الخلاف ما بين كلينتون وترامب يعكس في العمق برأيي الخلاف داخل الاوساط الاميركية الحاكمة وذات النفوذ لجهة الاستمرار في نفس النهج أو حتى التشدد الذي رأيناه في السنوات الاخيرة، والذي ادى الى ما يحدث اليوم في الشرق الاوسط وفي مناطق أخرى كأوكرانيا، أو الاتجاه الى الاهتمام اكثر حيال الاوضاع الداخلية الاميركية، وعدم التوسع خارجيًا وتحقيق المطامع والهيمنة، فالنهج الاميركي المستمر اليوم هو نهج المحافظين الجدد عمليًا، والذي تحدث عن مشروع الشرق الاوسط الكبير ومشروع تفكيك الدول، وشيء آخر انه ربما بعد الانتخابات الاميركية، يصار الى تعديلات أو تغيير في النهج السياسي، لذلك فمن السابق لاوانه أن نحدد أي شيء بالنسبة للمرحلة القادمة على المستوى الاميركي.