اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية اليوم سلطات مدينة كركوك العراقية الشمالية بطرد السكان العرب وتهديم منازلهم في عمليات انتقامية من هجوم شنه تنظيم داعش على المدينة مؤخرًا، فيما وصل اليها يان كوبيش رئيس بعثة "يونامي" في العراق، حيث عقد اجتماعًا مع محافظ كركوك نجم الدين كريم لمناقشة عمليات التهجير هذه والاوضاع الامنية في المحافظة.

إيلاف من لندن: قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها الاربعاء، اطلعت "إيلاف" على نصه، إن السلطات الكردية في كركوك (255 كم شمال شرق بغداد)، التي يقطنها خليط من التركمان والاكراد والعرب طردت سكانًا ونازحين عربًا في أحدث حملة تهجير، بعد أن هاجم تنظيم داعش المدينة في 21 من الشهر الماضي.

وأضافت أن عمليات التهجير للعرب هذه تمت فيما لم تجرِ أي عمليات تهجير مماثلة للسكان الأكراد في المدينة.. وأشارت إلى أنّه بما أن ضحايا عمليات الهدم والطرد هم من العرب فقط، "وفي غياب أي تفسير من السلطات لأسباب استهدافهم، فإن الأعمال التي تقوم بها حكومة إقليم كردستان تبدو تمييزية".

واليوم وصل إلى كركوك لبحث الامر يان كوبيش رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق "يونامي"، وعقد فور وصوله اجتماعًا مع محافظ كركوك نجم الدين كريم لمناقشة عمليات التهجير هذه والاوضاع في المحافظة بشكل عام، وفي مقدمتها ازمة النازحين والتطورات الامنية التي شهدتها كركوك مؤخرًا.

معروف أن محافظ كركوك هو قيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني.

انتهاك للحقوق لن يؤدي إلى التماسك السياسي

وقالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط: "بما أن قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان تعمل على حماية المدنيين من داعش، فعليها ضمان أنّ تدابيرها الأمنية لا تُهدّد المدنيين ولا تقوّض حقوقهم. وشددت على ان طرد العائلات من منازلها وتركها في الشوارع أو طردها إلى مناطق غير آمنة في البلاد يُعدّ انتهاكًا لحقوقها، ولا يُساعد أبدًا على تحقيق التماسك السياسي في العراق".

وأوضحت المنظمة انه في 17 أكتوبر الماضي بدأت حكومة العراق المركزية وحكومة إقليم كردستان&بدعم من تحالف دولي، عمليات عسكرية لاسترجاع مدينة الموصل الشمالية ثاني اكبر مدن العراق، بعد أن سيطر عليها داعش في يونيو عام 2014. كما حاصرت القوات المحاربة لداعش مدينة الحويجة، على مسافة 120 كلم جنوب شرق الموصل، التي سيطر عليها داعش في الشهر نفسه، وبدأت عمليات لاسترجاعها.

وقد ردّ مقاتلو داعش بمهاجمة مراكز ومباني الشرطة في كركوك، 150 كلم جنوب شرق الموصل، في 21 أكتوبر فقتلوا حوالي 100 شخص من المدنيين ورجال الامن، حيث احتاجت القوات الكردية المسلحة إلى 24 ساعة تقريبًا لصدّ هجوم داعش.

طرد النازحين العرب وتهديم بيوتهم

واضافت انه في صباح 23 أكتوبر أصدرت "اللجنة الأمنية في محافظة كركوك" أمرًا لجميع النازحين الذين يعيشون في كركوك، خارج المخيمات، بإخلاء مساكنهم قبل الساعة 8 من صباح اليوم التالي. ذكر الأمر، الذي نُشر على الانترنت، أن على النازحين الراغبين في البقاء في كركوك الانتقال إلى أحد مخيمات النازحين، وأن كل من يُخالف ذلك سيُطرد، وسيتعرض منزله للهدم - معظم المنازل مبنية من الطوب وشُيّدت بشكل ذاتي. رغم أن هذا البيان سُحب بعد ساعات، إلا أن السلطات استمرت في تنفيذه على ما يبدو.

وابلغ نشطاء حقوقيون في كركوك هيومن رايتس ووتش أن السلطات أجبرت 250 عائلة على الأقل على النزوح في 23 أكتوبر و75 عائلة أخرى على الأقل في اليوم التالي، أغلبها من حي "واحد حزيران" جنوب كركوك. كما قالوا إن السلطات هدمت 100 منزل على الأقل في الفترة نفسها، فيما أعطى ساكنان محليان شهدا عمليات الهدم تقديرات مماثلة.

وأشارت إلى أنّه في 25 أكتوبر ،&قال 4 سكان عرب من حي (واحد حزيران) لـ هيومن رايتس ووتش هاتفيًا، إن قوات "الأسايش" و"البشمركة" الكردية وصلت إلى الحي الساعة 9 صباحاً ذلك اليوم، ومعها جرافة واحدة و3 حفارات على الأقل، وبدأت في هدم المنازل.&

وقال أحدهم (56 عامًا) إنه وُلد في بغداد وعاش في كركوك لأكثر من 40 سنة. وقال آخر (53 عاماً) إنه من قرة تبه، 14 كلم غرب كركوك، وعاش في كركوك لأكثر من 20 سنة. قالا إنهما كانا يتوقعان ذلك لأنهما شهدا عمليات هدم في اليومين السابقين، ولكن لم يصلهما إشعار رسمي بضرورة المغادرة.

صور تؤكد تهديم منازل العرب

ومن جانبه، اكد مواطن عربي آخر عاش في كركوك منذ مدة طويلة إنه سمع قوات الأمن تأمر عائلات نازحة من الحويجة وتعيش في 5 منازل بمغادرة كركوك، ولكنه لا يعلم بوجهتهم بعد أن هُدمت منازلهم.

وقالت هيومن رايتس ووتش انها راجعت ووثقت &3 مقاطع فيديو صوّرها أحد سكان الحي – منزله لم يُهدم – في 25 أكتوبر تُظهر ما بدت أنها عشرات المنازل وقد تحولت إلى أنقاض لكنه لا يُعلم بوقوع أي إصابات أو وفيات بسبب عمليات الهدم هذه.&

ويبعد الحي أكثر من 25 كلم عن خط المواجهة في عملية استرجاع الموصل والحويجة الدائرة الآن، ولم يتضرر من هجوم داعش على كركوك في 21 أكتوبر، وقال سكان من كركوك وباحثو هيومن رايتس ووتش الذين زاروا الحي في وقت سابق من عام 2016 إنه لم تكن توجد أي مبانٍ عسكرية، وإن الحي كان في معظمه منطقة سكنية.

وكانت الأمم المتحدة قد عبرت من جهتها مؤخراً عن قلقها الشديد اليوم من إجبار السلطات الكردية 250 عائلة نازحة من العرب السنة على مغادرة كركوك بعد هجوم داعش على المدينة الخاضعة لسيطرة الأكراد ووصفت الخطوة بأنها "عقاب جماعي".&

وقالت ليز جراند، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق، إن هذا الإجراء جاء قبل أيام من نزوح جماعي متوقع في مدينة الموصل بشمال العراق حيث تشن القوات العراقية هجومًا ضد الدولة الإسلامية داعش بدعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومن جهته، طالب المجلس العربي في محافظة كركوك مجلس المحافظة بعقد جلسة طارئة لمناقشة قضية هدم منازل في قريتين عربيتين شمال غربي كركوك. ودعا المجلس في بيان الحكومة المحلية وإدارة كركوك والأجهزة الأمنية "مراعاة الجانب الإنساني في التعامل مع تداعيات الهجوم الإرهابي بمهنية وعدم اللجوء إلى أسلوب العقوبة الجماعية".

ومدينة كركوك هي مركز محافظة كركوك وخامس اكبر مدينة في العراق من حيث عدد السكان البالغ حوالي مليون نسمة، وتعتبر إحدى أهم المدن التي تمتلك حقول النفط ويعود تاريخها إلى 5 آلاف سنة.

وكانت القوات الكردية استغلت الفوضى التي حصلت بعد سقوط النظام السابق وانهيار الدولة عام 2003 بفرض سيطرة البيشمركة على المحافظة والقيام بحملات شعواء لمحاربة العسكريين والموظفين والعمال العرب بحجة محاربة حزب البعث ودفعهم لترك المدينة هم وعوائلهم. وفي الوقت نفسه، قامت بجلب اكراد ومنحهم وثائق مزورة على أنهم من سكان كركوك والقيام بتشكيل حزام سكني أمني حول المحافظة من خلال توزيع 100 ألف قطعة سكنية على عائلات كردية وتكوين أحياء كردية جديدة تحيط بالاحياء التركمانية والعربية من كل ناحية.