&في الحلقة الثانية من قراءة "إيلاف" لمذكرات علي النعيمي سرد لطريقه المفروش بالنجاح إلى رأس الهرم في أرامكو، ومعاصرته أزمتين إقليميتين كبيرتين لعبت فيهما السعودية دورين مهمين: حرب 1973 على إسرائيل وحظر النفط، وثورة 1979 على الشاه لعبة المُنتِج الترجيحي.

خاص بـ"إيلاف" من لندن: يتابع علي النعيمي، وزير البترول والمعادن السعودي السابق، وأهم المؤثرين في منظمة أوبك النفطية، سرد مذكراته في كتابه "من الصحراء: رحلتي من بدوي متنقل الى مركز النفط العالمي"، متحدثًا في الفصل السادس من الكتاب عن مغامرة جديدة عايش تفاصيلها في ولايتي أريزونا ونيو مكسيكو، حين كان يؤدي هناك مهمة تطبيقيةً ميدانيةً تتعلق بالمسح الجيولوجي للمياه الجوفية في الولايتين.

الزواج والماجيستير

كان البرنامج ذاك تحت اشراف الأستاذ ستانلي ديفيز الذي أسدى النعيمي نصائح تتعلق بطموحه في إكمال دراسته والحصول على ماجستير في العلوم الجيولوجية. وقُبل النعيمي فعلًا في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا.&

يروي النعيمي حكاية بسيطة لكن مضحكة: ذهب إلى مطعم مكسيكي في مدينة ألبوكيركي في نيو مكسيكو. هناك، ظنت نادلة مكسيكية أنه مكسيكي بسبب ملامحه العربية، فقدمت له لائحة مأكولات باللغة الاسبانية. وعندما طلب لائحة بالانجليزية ظنت انه يمزح وتجاهلت طلبه واضطر أن يطلب مساعدة آخرين ليأكل.

بعد التخرج من جامعة ليهاي في ولاية بنسلفانيا، وقبل بداية عامه الثاني في برنامح الماجستير في الجيولوجيا في جامعة ستانفورد، تقدم النعيمي لخطبة فتاة من عائلة معروفة، وتزوج شريكة حياته التي سافرت معه إلى الولايات المتحدة. في 23 يوليو 1963، ولدت ابنته الأولى ريم. وبعد شهرين، &كان يتم فرحته بالحصول على الماجستير.

عاد إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة ليودع الأصدقاء، واستقل الطائرة من المطار الذي سمي تيمنًا بجون كينيدي بعد اغتياله. هذا الاغتيال الذي هز العالم، والذي يقول فيه النعيمي: "عندما أنظر إلى تلك الحادثة الأليمة، تبدو لي تحذيرًا مسبقًا من أن عالمنا صار مكانًا خطرًا".&

&

أبو رامي وأوبك

في الفصل السابع من مذكراته، يقول إنه كان بعدُ في التاسعة والعشرين عندما تبوّأ أرفع منصب يمكن ان يتبوأه سعودي في دائرة الانتاج والاكتشاف في عام 1964، &"ولفترة قصيرة، شغلت منصبًا في قسم الموارد المائية في وزارة الزراعة، وعلى الرغم من أهمية المنصب والراتب، قررت العودة إلى أرامكو بعد&اشهر قليلة".&

في أرامكو، لم تكن الأمور سهلة. شكا النعيمي من البيروقراطية التي تعيق تنفيذ القرارات أو تؤخرها، ملاحظًا أن عوامل خارجية كانت تؤثر في اتخاذ القرارات في ارامكو ذاتها.&

في ذلك الحين، مر العام النفطي بنقطة تحول كبيرة، لا تزال تؤثر في السوق النفطية في يومنا هذا: تأسيس السعودية وفنزويلا والكويت وايران والعراق منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك". حفّز هذا التطور أرامكو على انتهاج علاقة جيدة وبناءة مع الحكومة السعودية واتخاذ خطوات إيجابية كتدريب عدد أكبر من السعوديين على جميع المستويات.&

بحسب مذكرات النعيمي، ظهر فجاة اسم معروف ومألوف هو اسم أحمد زكي يماني، الذي خلف عبدالله الطريقي وزيرًا للبترول والمعادن في عام 1962. يتحدث عن علاقة عمل تربطه باليماني، ويذكر أنه قابل اليماني والطريقي في مؤتمر نفطي في القاهرة في عام 1965.

وفي عام 1966، ولد رامي، بكر علي النعيمي، وصار أبو رامي كما هي العادة في المجتمعات العربية. عرض عليه منصب في مدينة بقيق (65 كم عن الظهران)، وهي مفترق طرق أو مجمع شبكة خطوط أنابيب تربط حقول النفط الكبيرة. في عام 1969، عيّن النعيمي مديرًا مشرفًا في بقيق. وفي 1970، ولدت ابنته الثانية ندى. يقول: "هذه ايام حلوة في المنزل مع العائلة، ولكنها مليئة بالاحباط في العمل".&

أتت التغييرات المزلزلة في سبعينيات القرن الماضي، مع مبادرة سورية ومصر بالهجوم على إسرائيل في اكتوبر 1973. رفعت "أوبك" أسعار النفط إلى مستويات عالية جديدة. وعندما قدمت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية واليابان العون لاسرائيل، أعلنت "أوبك" حظر التصدير لتلك الدول. وعندما أعلن الملك فيصل قرار الحظر خلق هذا بعض الارتباك في أرامكو التي يديرها أميركيون ايضًا، فلم تكن أرامكو سعودية بالكامل بعد، وكانت مشاركة السعودية في أرامكو لا تتعدى 25 في المئة فقط.

في خريف 1974، رُقّي النعيمي إلى منصب مدير المنطقة الشمالية لإنتاج النفط وصار مسؤولًا عن أكبر 15 حقلاً نفطيًا.&

مرحلة الخطط الخمسية

في الفصل الثامن، يقول النعيمي: "نشاطنا ازداد واتسع، حتى قبل أن ترتفع اسعار النفط ثلاثة اضعاف بسبب حظر التصدير. ارتفع طلب الولايات المتحدة واوروبا واليابان على النفط بشكل ملحوظ في أوائل السبعينيات".&

في الأول من مايو 1975، عُيّن النعيمي نائبًا لرئيس أرامكو. في هذه المرحلة، كان الاقتصاد السعودي قد انتقل إلى مرحلة جديدة بعد إطلاق الملك فيصل في عام 1970 الخطة الخمسية الأولى بمساعدة خبراء من جامعة ستانفورد، ما رفع دخل المملكة من النفط أول مرة لما يزيد على مليار دولار.&

وضعت الخطة الخمسية الثانية حيز التنفيذ في مارس 1975، وكان حجر أساسها مشروع الغاز الكبير وتكلفته بين 12 و14 مليار دولار، وهذا أكبر مشروع طاقة في تاريخ المملكة. من المحزن أن الملك فيصل لم يعش ليشاهد ثمار الخطة الخمسية الثانية بعدما اغتاله أمير منحرف عقليًا.&

في أواسط ديسمبر 1975، هاجم إرهابيون بقيادة كارلوس مقر "أوبك" في فيينا وأحتجزوا احمد زكي يماني وخمسة وزراء نفط عرب رهائن إلى جانب آخرين.&

أدار النعيمي مكتب أرامكو في مدينة لاهاي الهولندية 6 اشهر، وعاد بعدها للمملكة ليعيّن أحد كبار نواب رئيس ارامكو في&يوليو 1978. يقول النعيمي: "كنت مستعدًا لمواجهة أي مهمات صعبة وتحديات في مجال العمل".&

لم يتوقف النعيمي عن الدراسة، فسافر في عام 1974 إلى نيويورك لمتابعة دورة دراسية في الادارة المتقدمة في جامعة كولومبيا، ثم ذهب في دورة ثانية إلى الجامعة نفسها بعد خمسة أعوام.

&

زمن الأزمات

في الفصل التاسع، يروي النهيمي حوادث حصلت بين عامي 1977 و1983، فالأزمات توالت: أزمة في ايران حيث توقف ضخ النفط الايراني في 25 ديسمبر 1978 وسط احتجاجات شعبية ضد الشاه الذي هرب في 16 يناير 1979، ليستلم الحكم آية الله الخميني، ثم عودة إنتاج النفط تدريجًا في ربيع 1979. حينئذٍ، عوضت السعودية نقص الامداد، فارتفع الانتاج السعودي إلى 10.50 ملايين برميل يوميًا.

يتذكر النعيمي أن الوزير أحمد زكي يماني كان يعارض استعمال النفط سلاحًا لأسباب عدة، منها تشجيع الدول المستوردة للنفط في الاقتصاد في استعمال الطاقة، والبحث عن طاقة بديلة.

اشتعلت الحرب بين العراق وايران في خريف 1980، وبقي سعر النفط فوق 40 دولارًا للبرميل. وتبعت كوارث أخرى كاقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 63 اميركيًا رهائن، ثم الهجوم على الحرم المكي في أثناء موسم الحج في 20 نوفمبر 1979.

في عام 1980، تم انتخاب النعيمي عضوًا في مجلس ادارة أرامكو التي انتقلت ملكيتها إلى الحكومة السعودية بنسبة 100 في المئة.&

تطرق علي النعيمي لتطور آخر: تعيين نساء في مناصب مختلفة في أرامكو في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، أمثال نائلة موصلي، أول مهندسة بترول سعودية.

انتخب مجلس الادارة النعميي رئيسًا لأرامكو في نوفمبر 1983، وبدأ العمل في هذا المنصب رسميًا في يناير 1984. قال يماني إن النعيمي استحق هذا المنصب بسبب كفاءته.&

القرار الخطأ

في الفصل العاشر، يروي النعيمي أن أواسط الثمانينيات كانت صعبة جدًا، إذ انهارت اسعار النفط في عام 1986، وتصاعد انتاج النفط في دول خارج اوبك، في ألاسكا وبحر الشمال والمكسيك.&

يعتقد أن موافقة السعودية لعب دور المنتج الترجيحي في أوبك كانت قرارًا خاطئًا، &"فهذا القرار كلف المملكة ثمنًا باهظًا، وفي النهاية خسر وزير البترول منصبه، فكلما ازداد الانتاج السعودي انهار السعر والعكس صحيح، وهذا مكلف وباهظ بالنسبة إلى السعودية". وأدت الأزمة النفطية في الثمانينيات إلى تجميد المشروعات وإيقاف أنشطة عدة.

اجتمعت اوبك في جنيف في&يوليو واغسطس 1986 لبحث تطبيق نظام الحصص. يروي النعيمي: "كانت السعودية تريد سعرًا لا يقل عن 18 دولارًا للبرميل، وشعر البعض أن الوزير يماني لم يكن قويًا بما فيه الكفاية في دفاعه عن الموقف السعودي في المحافل الدولية، ولم يعكس وجهة نظر الملك بحزم".&

في العام نفسه، يعين الملك هشام ناظر وزيرًا للبترول محل أحمد زكي يماني، فيصير ناظر الرئيس العام لأرامكو، والنعيمي الرئيس التنفيذي. وفي&نوفمبر 1988، وافق مجلس الوزراء على تأسيس أرامكو السعودية بعد التشاور مع هشام ناظر.

في أغسطس 1988، انتهت الحرب العراقية الايرانية بلا غالب ولا مغلوب. فرحنا بعودة الاستقرار للمنطقة... ويختتم علي النعيمي الفصل العاشر بالقول: "كم كنا مخطئين".&

&

&