خاص بـ"إيلاف" من لندن: يتابع علي النعيمي سرد الحوادث التي شكّلت عصره في الساحة النفطية العالمية، بعدما أثبتها في كتابه الصادر "من الصحراء: رحلتي من بدوي متنقل الى مركز النفط العالمي".

غزو الكويت

في الفصل الحادي عشر من كتابه "من الصحراء"، يتذكر على النعيمي تفصيلات كانت مستورة من أزمة الكويت. فهو كان في مؤتمر في مدينة أسبن بولاية كولارادو الأميركية حين وصله نبأ اجتياح قوات صدام حسين الكويت في 2 أغسطس 1990، فقابل مارغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك، وطمأنته أن احتلال الكويت لن يبقى ولن يستمر. 

إيلاف تقرأ الكتاب الحدث «من الصحراء» (2)
النعيمي رجل التحديات ومعاصر الأزمات

يقول: "أول مرة أشعر أنه منذ الحرب العالمية الثانية باتت حقول النفط والمنشآت النفطية السعودية مهددة".

اتخذت الدول الصناعية الكبرى قرارًا بعدم شراء النفط من العراق أو من الكويت، فحرم هذا القرار السوق من 4.8 ملايين برميل يوميًا وارتفعت، فارتفع سعر البرميل من 16 إلى 35 دولارًا.

بحسب مذكرات النعيمي، بدأت التجهيزات والتعبئة لتحرير الكويت تأخذ طابعًا عاجلًا. وفي 6 اغسطس، وصل نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى الرياض وعقد لقاء عاجلًا مع الملك فهد وولي العهد الملك عبدالله، "وخلال شهر من الزمان، تمت تعبئة 200 ألف جندي على الحدود العراقية. وبحلول بداية 1991 وصلت القوة العسكرية للحلفاء إلى 700 ألف عسكري و540 ألفًا منها جاءت من الولايات المتحدة".

في إطار الجهد العسكري الضخم، يقول النعيمي: "قمنا بإعادة تأهيل 146 بئر نفط، و12 محطة لعزل الغاز الطبيعي. ارتفع انتاجنا النفطي من 5.4 ملايين إلى 8.5 ملايين برميل يوميًا. وكما كان متوقعًا، هاجمت القوات العراقية منطقة خفجي الحدودية وتم دحر الهجوم.

بدأ هجوم الحلفاء الأرضي ضد جحافل صدام حسين في 24 فبراير 1991. هُزم صدام وحرّرت الكويت.

 


إيلاف تقرأ الكتاب الحدث «من الصحراء» (١)
هكذا صرفت أرامكو الوزير علي النعيمي

مستقبل واعد بالخير

في الفصل الثاني عشر، يقول: "بينما كنا نبحث عن فرص للنمو والازدهار لصناعتنا النفطية نرى أن الصين تجلس من دون أن يأبه بها أحد. وبدأنا بسلسلة زيارات للصين ابتداء من 1989. كانت لدينا رغبة شديدة في بناء علاقات عمل ومشاريع مع الصينيين، وكذلك مع كوريا الجنوبية". 

تشتري كوريا النفط السعودي منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي 26 نوفمبر 1990، تم الاتفاق على بناء مصفاة بترول مشتركة مع شركة سانغ يونغ للتكرير. فهذه واحدة من شركات الطاقة الاكثر ربحية في كوريا. هذا المشروع كان مجرد وضع الخطوة السعودية الأولى داخل باب المنزل الكوري. وتطورت وتعمقت علاقاتنا مع كوريا مع مرور الأعوام. 

كانت السعودية المصدر الأكبر للنفط لكوريا، حيث بلغت الصادارت 820 ألف برميل يوميًا. وفي كوريا، التقى النعيمي وزير خارجية كوريا بان كي مون، الذي سيصبح مستقبلا الأمين العام للأمم المتحدة.

 


لا يمكنها خفض الإنتاج وحدها
علي النعيمي: طريق أوبك مفروشة بالمصاعب

منحت جامعة سيئول الوطنية شهادة فخرية للنعيمي. لكن كانت هناك مفاجئة أخرى بانتظاره. يتذكر: "بعد أن حصلنا على حصة في مجمع أونسان للمصافي زرت الموقع تلبية لدعوة من الحكومة الكورية ووجدت أن شارعًا يحمل اسمي (شارع علي النعيمي) باللغة الانجليزية، حيث أطلقت الجهات المعنية بترقيم وتسمية الشوارع في كوريا الجنوبية اسم وزير البترول السعودي علي النعيمي على أحد الشوارع الهامة والقريبة من مصفاة النفط الكورية، ويأتي ذلك تقديرًا لدور المملكة وحضورها الدولي في عالم الاقتصاد والنفط، هذا فضلاً عن مكانتها العالمية بين دول العالم".

بمناسبة صدور كتابه الأخير
علي النعيمي في ضيافة معهد تشاتهام هاوس

يقارن النعيمي بين طريقة التعامل في كوريا واليابان. يقول: "اكتشفت أن في اليابان كلمة نعم تعني اننا نسمعك ولا تعني الموافقة". ويروي لنا قصة المساومة في شرائه عقد من الماس في هونغ كونغ، ومن خلال التفاوض هبط السعر المطلوب من 35 ألف دولار لخمسة آلاف دولار فقط. لا نعرف اذا اشترى العقد أم لم يشتره، حيث قال لرجل المبيعات لو كان الألماس حقيقيًا لما هبط السعر إلى خمس السعر الرسمي.

محمد علي وأنجال النعيمي

التقت نجلته الصغيرة ندى الملاكم المشهور محمد علي الذي كان يقيم في الفندق نفسه، وكم كان محمد علي مبتهجًا عندما قال له النعيمي إن نجله يدعى محمد، واباه علي، لذلك فان اسمه ايضا محمد علي وقام الملاكم الاسطوري بتقبيل الطفل محمد النعيمي. 

 


علي النعيمي الخارج من أوبك: كنت مخطئًا
لقطات مثيرة من كتاب «من الصحراء»‎

العمل الدؤوب والجهود الكبيرة التي بذلت من اجل فتح الصين للنفط السعودي والمشاريع والاستثمارت حققت النجاح في 2007 حيث تم توقيع اتفاقات بين الشركة التابعة "أرامكو السعودية الصينية" مع شركائنا الصينيين شركة تشاينا بتروكميكل كوربورويشن للبتروكيماويات ساينوبك الصينية. الآن تزود السعودية تقريبًا 70 في المئة من النفط الخام لآسيا.

وقت الراحة

ارسل النعيمي رسالة إلى وزير البترول هاشم ناظر في عام 1993 يطلب السماح له بالتقاعد بعد عامين. وضع ناظر الرسالة أمام الملك فهد الذي رفض الطلب. بعد زيارة ثانية للفيليبين في حزيران 1993، ذهب النعيمي إلى ألاسكا ليشارك برحلة لصيد سمك بدعوة وترتيب شركة بيكتيل التي تقوم بمشاريع بناء ضخمة في الخليج، ويقول النعيمي: "كنت أتشوق لرحلة صيد السمك والاسترخاء". وتبين في ما بعد أن هذا أمر غير وارد.

علي النعيمي يقول ما لم يستطع قوله سابقًا
شيخ أوبك يتذكر: لا أثق بالروس

يستطرد النعيمي: "بينما كنت في رحلتي لصيد سمك السالمون في آلاسكا للمتعة والاسترخاء فاصطاد وأعيد السمكة إلى الماء بعد صيدها، وفي أثناء سيري في مطار صغير، تأهبا لرحلة لموقع صيد السمك، سمعت نداء على نظام الاتصال الصوتي يطلب مني الاتصال برقم هاتف في جدة، تجاهلت المكالمة وواصلت الرحلة إلى موقع الصيد في طائرة صغيرة. اكتشفت في اليوم التالي أن المكالمة كانت من الشيخ ابراهيم العنقري، مستشار خاص للملك فهد. قلت له ماذا تريد يا شيخ ابراهيم انا مشغول في صيد السمك في ولاية ألسكا الأميركية".

اجاب: "تم تعيينك وزيرًا للبترول والثروة المعدنية، الرجاء العودة إلى المملكة الاربعاء وسيتم الاعلان عن ذلك التعيين رسميًا". واختار النعيمي عبدالله جمعة ليخلفه كرئيس تنفيذي لأرامكو. يقول النعيمي: "حاولت دائمًا أن افعل ما هو صحيح لأرامكو او المملكة وليس لنفسي".

كارثة أوبك ومؤتمر جاكرتا

لعدة سنوات، كان معدل سعر النفط 18 دولارًا للبرميل، لكن الأسعار لمست 21 دولارًا في أكتوبر 1997 فترة قصيرة فقط قبل أن يتراجع السعر بسبب ارتفاع التخمة في السوق وتناقص الطلب. وبحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، بلغ انتاج أوبك اليومي 25.84 مليون برميل يوميًا في عام 1997 وارتفع إلى 28.53 مليون برميل يوميًا عام 1998.

في اجتماع اوبك في جاكرتا في نوفمبر 1997، كانت "أوبك بحالة من الفوضى والانقسامات واتخذت اوبك قرارًا كارثيًا، برفع الإنتاج وانهار السعر إلى 6 دولارات للبرميل. في عام 1998، هبطت ايرادات السعودية من النفط بنسبة 30 في المئة وارتفعت مديونية الحكومة إلى 100 في المئة من اجمالي الانتاج المحلي. وفي مارس 1999 تحدث ولي العهد الأمير عبدالله مع الرئيس الايراني محمد خاتمي واتفقا على ايقاف انهيار الأسعار، وفي 8 مارس عقد اجتماعًا مع وزير البترول الايراني بيجان زنغنة وتبع ذلك بلقاءات مع وزراء بترول الكويت وقطر وعمان وتم التزام الخطوات اللازمة لتخفيض الانتاج.

 


رحلة من عالم البدو الرحل إلى قلب القرار النفطي العالمي
مقتطفات من كتاب علي النعيمي

يقول النعيمي: "اتفاق 12 مارس 1999 ألزم أوبك ودولا منتجة للنفط خارج اوبك، كالنرويج والمكسيك وعمان، لتخفيض الانتاج بما يعادل 2.1 مليون برميل يوميًا".

وبحلول مارس 2000 انتعشت الأسعار وارتفعت إلى 25 دولارًا للبرميل بينما كان المعدل 18 دولارًا لعام 1999. وفي صيف عام 2000 رفعت السعودية انتاجها لتبريد حدة ارتفاع الاسعار التي وصلت إلى 30 دولارًا للبرميل. 

يختم النعيمي هذا الفصل بقوله: "أول 5 سنوات كوزير للنفط كانت تجربة بالنار ولكنني نجيت من الحريق. الأمر الأهم أن السعودية فرضت ذاتها كالمنتج النفطي القيادي ليس فقط في اوبك بل حول العالم. 

يقول النعيمي في نهاية الفصل "وكنت واثقًا أن التحالفات والتفاهمات التي قمنا بتأسيسها اثناء الأزمة ستخدمنا جيدا عندما نواصل تخطيطنا للمستقبل". ربما أن هذا كان مجرد تمنيات فقط.

حياته حافلة بالانجازات والتحديات
علي النعيمي... من البادية إلى حقول النفط

معجزة شيبة

حقل شيبة أحد معجزات أرامكو التي حولت الصحراء إلى مدينة عصرية. فشيبة كانت الامتحان العسير بحسب رأي النعيمي. وهي تقع في صحراء الربع الخالي، المنطقة السعودية الصعبة مناخيًا وبيئيًا.

يفتخر النعيمي بتحقيق مغامرة تطوير حقول شيبة الصعبة جدًا، جغرافيًا وجيولوجيًا، فطواقم أرامكو استطاعت مواجهة التحديات البيئية القاسية وأنجزت هذا المشروع رغم كل التحديات التقنية.

تم بناء خط انابيب فوق الأرض طوله 645 كم من شيبة إلى بقيق وكلف المشروع 1.7 مليار دولار أي 800 مليون دولار أقل من الميزانية المخصصة للمشروع البالغة 2.5 مليار دولار. تم تشييد البنية التحتية الكاملة: مساكن لألف موظف، وتعبيد الطرق، ومطار. وما يدعو للفخر أن هذا انجاز سعودي بامتياز حيث أن اكثر من 90% من الفنيين والتقنيين والعاملين هم سعوديون. 

ليست أهمية شيبة في انها معجزة فحسب، بل إن نوعية النفط الخام الذي يستخرج من حقول شيبة ذات جودة عالية من النفط الخفيف للغاية وعليه طلب شديد من قبل المصافي لسهولة التكرير ومزجه مع أنواع اخرى. وينتج الحقل 500 ألف برميل يوميًا من الخام الخفيف.

من بدوي إلى صاحب منصب نفطي عالمي
النعيمي يلخص تجربته في كتاب يصدر في ديسمبر