إيلاف من لندن: كان لحضور تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، في قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة، أصداء واسعة عربيًا ودوليًا، إذ تستمر ماي في سعيها إلى البحث عن شركاء اقتصاديين بديلًا من السوق الاوروبية الموحدة التي فقدتها بخروجها من الاتحاد الأوروبي، وهي أول رئيس حكومة بريطانية يشارك في قمة خليجية.

ثمة من رأى في حضورها خطوة مهمة في تعزيز العلاقات البريطانية بمجلس التعاون الخليجي. لكن، أما زال مجلس التعاون كيانًا اقتصاديًا وسياسيًا مؤثرًا؟ هذا أحد الأسئلة التي طرحها الإعلامي حسن زيتوني إذ استضاف عثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها، على قناة آر تي الروسية.

سابقة دستورية

كان العمير واضحًا وصريحًا في تناوله دلالة المشاركة البريطانية في قمة المنامة، فاستهل حديثه بالقول إن علاقة بريطانيا معروفة بالخليج، وهي علاقة مقيمة ومستمرة منذ مئات السنين، "وللعلاقات البريطانية الخليجية مكانة مختلفة عن العلاقات بين بريطانيا ودول أوروبية أخرى، حتى مع أميركا، لأن البريطانيين يملكون معرفة عميقة بالخليج، وهم شاركوا في بنائه، وساعدوا الكثير من الدول فيه".

ورأى العمير أن وجود مسؤول بريطاني في قمة خليجية ليس جديدًا، "والجدة في الموضوع هي الظرف البريطاني الحالي، فبريطانيا تمر الآن في ظروف دستورية بالغة التعقيد وبالغة الخطورة في الوقت نفسه، في ما يتعلق بتدخل المحكمة العليا الآن وحكمها مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ضده، فهذا التدخل سابقة في تاريخ بريطانيا، سابقة دستورية في بلد ليس فيه دستور، وسيكون كذلك سببًا في تغيير الكثير من المفاهيم السياسية البريطانية، وتضاف إلى ذلك الحال التي تعيشها أوروبا كلها، وهي حالة تذكرنا بجمهورية فايمار في ألمانيا قبل أن تبدأ الشعبوية وأن يأتى النازيون".

وأعرب العمير لمضيفه عن عدم تشاؤمه من أن تؤدي الحركات الحاصلة في أميركا وإيطاليا وفرنسا، أو في بريطانيا، إلى حروب أو مشكلات عميقة، "لكننا سنعيش تغييرًا كبيرًا، وبريطانيا جزء من هذه المعادلة"، نافيًا أن يكون البريطانيون في مأزق دفع برئيسة الوزراء البريطانية إلى التوجه نحو المنامة، "فهذا &قرار اتخذه الشعب البريطاني بأغلبية 52 في المئة، وهذه هي اللعبة الديمقراطية، وقد نكون مع القرار أو ضده، لكن في النهاية الشعب البريطاني هو من قرر أن يتخذ هذه الخطوات التي تؤدي إلى الانفصال عن أوروبا، وهو يعرف نتائجها".&

ووافق أن ماي تبحث عن أسواق جديدة، والدليل زيارتها الأخيرة إلى الهند، أما بالنسبة إلى الخليج، فكانت مواقف الحكومة البريطانية ملموسة، مع بعض الصعوبات التي اعترتها، خصوصًا حين كانت تقف الحكومة مواقف مجاملة لحزب الأحرار.

ما زال الخليج قويًا

أصر زيتوني على سؤال ضيفه ناشر "إيلاف" إن كانت دول الخليج شريكًا اقتصاديًا مهمًا لبريطانيا، فأكد له العمير ذلك. قال: "معظم الصادرات البريطانية تلقى التجاوب الكبير في دول الخليج، والتعاون العسكري كبير جدًا، فالسعودية تتعامل مع بريطانيا في المجال العسكري، كما الكويت وقطر والامارات وعمان، وكذلك في المجال الاقتصادي والسياحة ونقل التكنولوجيا البريطانية، إضافة إلى سهولة التعامل مع بريطانيا باعتبار اللغة والتاريخ القديم جدًا".

لكن، أما زال مجلس التعاون الخليجي كيانًا اقتصاديًا مهمًا؟ قال العمير في المقابلة على القناة الروسية: "كإعلامي، ما من شك في أن الانخفاض في أسعار النفط تسبب بمراجعة الكثير من الحسابات في الخليج، وهذا سيؤدي إلى غياب الكثير من المشروعات العملاقة، لكن الخليج ما زال قويًا في اقتصاده، فالسعودية تملك اقتصادًا قويًا جدًا قياسًا بالاقتصادات الأخرى في العالم النامي، وإمكانات التعاون معها كبيرة... صحيح أنه ستكون هناك مراجعة كبيرة لموضوع قيمة الأسعار وطريقة الدفع، لكن في النهاية ما زال الخليج يمثل قوة اقتصادية، وما زالت فيه وفرة مالية وشركات كبرى وبنوك كبرى، وهذا غير موجود في دول كثيرة بما فيها دول أوروبا التي، بسبب أزماتها، قررت بريطانيا الهروب بنفسها من الاتحاد الأوروبي".

&

&

يمكن التفاهم مع إيران

قرأ العمير الخريطة الخليجية قراءة العارف. لفت نظر مضيفه إلى أن إيران لا تحكمها مؤسسات تقليدية ولا يحكمها رئيسها حسن روحاني، بل يحكمها الحرس الثوري، "ولهذا الحرس الثوري عقيدة مثله في ذلك مثل داعش، والمطلوب هو كيف يتحول الحرس الثوري إلى دولة، وهذا التغيير شأن إيراني، فلا يجوز أن يتدخل أحد في شؤون دولة عظيمة مثل إيران التي يُمكن التفاهم معها، على الرغم من كل ما حصل يمكن التفاهم معها مثلما حدث في الاتفاق الروسي - الإيراني - السعودي، وهذا دليل على إمكانية إعادة المشكلات المذهبية أو التوسع الإيراني إلى الوراء، والبدء في تعاون إقليمي حقيقي لإبعاد المنطقة عن التوتر".

استعرض العمير تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية التي وصفها بالـ "جيدة جدًا" في أواخر أيام الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، وفي بداية عهد الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز. فحينئذٍ، أبدى السعوديون الكثير من المرونة وحسن التعامل «وبدأوا يفتحون الموضوعات الاقتصادية والاستثمارات والتعاون الإقليمي، للأسف وجدوا أنهم يتفاهمون مع أشخاص معينين، لكنّ أشخاصًا آخرين يديرون البلاد، فالكرة الآن في ملعب إيران، وأعتقد أن الخليج ليس قادرًا على مجابهة إيران لأنه لا يريد أن يقاتل إيران، وإيران كذلك ليست قادرة على مجابهة الخليج، فالطرفان لا يملكان القدرة على المجابهة من دون قوى خارجية، فإذا دخلت القوى الخارجية فسيكون الشعبان خاسرين، والجاران خاسرين».

ولكن، هل هناك دور خارجي؟ علّق العمير: "أعتقد أن أمراضنا الكثيرة لا تحتاج إلى أن نزيدها أمراضًا، فمن كثر ما فينا من أمراض لا نحتاج إلى عدو خارجي، ونحن نتحمل مسؤولية ما نراه الآن من خلافات مذهبية وجانبية، لكننا نرمي المسؤولية على العدو الخارجي لنرتاح، وهذا الرمي مشهور منذ ثمانية أو تسعة قرون"، منوهًا بأن الخلاف السني-الشيعي موجود من 1400 سنة، أي ليس خلافًا جديدًا، "ينتقل من منطقة إلى منطقة ومن زمن إلى زمن، وتحصل المذابح، الخلاف الآن ودائمًا في تقديري هو خلاف سياسي، وما دام الخلاف سياسيًا فيمكن حله".

إرهاب وحقوق إنسان

حدثه زيتوني عن الإرهاب والتطرف والطائفية، متسائلًا إن كانت تمثل خطرًا على دول الخليج، فذكّره العمير بأن الإرهاب يهدد العالم كله لا الخليج وحده، "والحقيقة أن الذين وراء الإرهاب هم الذين يساعدونه بطريقة أو بأخرى، أو يحاولون أن يتعاونوا معه، لاعتقادهم أنه سيضرب دولًا تعاديهم، لكنه في النهاية سيرتد عليهم، فلا أستطيع أن أتهم دولةً بأنها تقف وراء الإرهاب، لكنّ هناك دولاً كثيرة تتعاون مع الإرهاب عبر أجهزتها الأمنية، وتنفي ذلك في العلن، وعليها أن تعلم أن الإرهاب سيؤدي إلى الإرهاب".

وفي الحديث عن الحرب في اليمن، تجاوز العمير سؤالًا عن صواب قرار الحرب أو خطئه، ليقول إن اليمن دولة تربطها علاقة وطيدة بالسعودية منذ عشرات السنين، وإن التزامات السعودية تجاه اليمن كبيرة جدًا، في السلم وفي الحرب، وهي خزان بشري للسعودية. أضاف: "ليس في الحرب خطأ، فأنت تأتي إلى الحرب لأنك مضطر، ولأسباب تتعلق بعدو، أو بمحاولةٍ لتهديد أمنك وسلامتك، وأعتقد أن الدفاع عن الحدود أمر مبرر دائمًا، ونحن نتمنى السلام لليمن، وممكن أن يكون هناك سلام في اليمن".

عاد زيتوني إلى توجه ماي خليجيًا، وقال إنها وضعت الصفقات التجارية فوق اعتبارات أخرى كانتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول الخليجية، فردّ العمير أن هذا رأي صحيفة إندبندنت، "وهي تقف دائمًا ضد الخليج، حتى هذا رأي نواب بريطانيين، وبريطانيا عظمى في الديمقراطية والرأي الآخر، وهناك أعداء للسعودية وهناك من هم مع السعودية، لكن أغلبية الشعب البريطاني وأغلبية أعضاء البرلمان البريطاني يرون أن العلاقات مع السعودية أساسية ومهمة واستراتيجية".

أضاف العمير: "كلنا مع حقوق الإنسان، لكن أميركا مثلًا من الدول المتهمة بأنها تنتهك حقوق الإنسان، وهناك دول كثيرة تتعامل مع بريطانيا ومع أميركا تنتهك حقوق الإنسان، نحن ضد أي محاولة لانتهاك حقوق الإنسان لكن لبعض الدول مبررات في معاملة بعض مواطنيها معاملة غير طبيعية بسبب وجود تهديد خارجي، ولا أعتقد أن هذه القضية ستكون قضية أساسية في العلاقات البريطانية الخليجية".

فليتحفظوا.. فهذا جيد!

انحاز الحديث مع العمير على قناة آر تي الروسية إلى الطفرة التقنية اليوم. قال ناشر "إيلاف" إنه فخور بالتطور الذي حصل في وسائل الاتصال الاجتماعي، "وعندنا الآن انفجار كبير، نعيش في ثورة تكنولوجية تؤدي إلى التدمير كما الثورات الإنسانية، الجميل فيها أنها تزيل من أمامها كل الأشياء التقليدية التي كنا نفكر فيها، وما كنت أقوله قبل 16 سنة تحقق، وأكثر مما كنت أتوقع، وستتحقق أشياء كثيرة".

أضاف: "لجوء الشباب الخليجي إلى وسائل الاتصال الإجتماعي جيد، وأنا دائمًا أتواصل معهم، وفخور بأن معظم الشباب في القنوات العربية وفي مواقع الاتصال الاجتماعي مرّ في "إيلاف"، ونواجه الآن أمرًا آخر هو كيف نتعامل مع هذه الأجهزة؟ كيف نحولها إلى الصالح العام؟ بمعنى آخر كيف يمكن أن نهتم بالمحتوى؟".

لكن، هل يريد الشباب الخليجي التغيير؟ أجاب العمير: "أي جيل في أي دولة مجبر على أن يكون مع التطور الدولي، مع التطور التكنولوجي، وليس أمامه إلا ذلك، لكن نريد من شباب هذا الجيل أن يعرفوا كيف يتجهون، كل واحد الآن قادر على أن يضع جهازًا ويطلق مؤسسة إعلامية، ويقول أنا أحسن في سنابشات وغيرها، لكن المطلوب أن يكون هناك محتوى، ومادة مبنية على معرفة وعلى علم، إنما الخوف من سيطرة العوام".

ماذا عن تحفظات الجهات الدينية على هذا التغيير؟ التحفظ جائز، "وما داموا قد تحفظوا فهذا أمر جيد، والأهم أنهم لا يستطيعون أن يغيروه، التحفظ حق من حقوقهم، ومن طبيعة الحوار أن يكون هناك معارضون، لكنهم لا يستطيعون أن يوقفوا هذا النهر الدافق من التقدم والمعرفة والتكنولوجيا"، متحدثًا عن رجال الدين.

أضاف العمير: "يجب أن يكون التغيير منسجمًا مع طبيعة الشعب. في تونس، كان الشعب قابلًا للتغيير، واندمج في النهاية مع بعض، وحافظ التونسيون على البنية الصلبة للبلاد، بينما كان التغيير في ليبيا مدمرًا للبلاد والعباد، وصار الناس يترحمون على معمر القذافي".

ودعا العمير إلى الاهتمام الآن بالدول التي ما زالت سليمة، غير الدول التي أصابها سرطان العنف والإرهاب، "فالتغيير موجود، وإذا ذهبت إلى دول الخليج الآن ستجد أنها غير ما كانت عليه قبل 3 سنوات، وليست قيادة المرأة الأهم، بل الأهم أن تنال كل حريتها، كما حلّت التكنولوجيا المشكلة، فستأتي سيارات بلا سائق، وعليهم الآن أن يبدأوا بنسج تحريم للسيارة بلا سائق".

الخليج متضرر من الإرهاب

في إطار الثورة التقنية، أثار زيتوني مسألة الهجمات الإلكترونية التي تستهدف آر تي الروسية، فردّها العمير إلى الموقف الروسي في المنطقة. قال: "روسيا دولة كبرى ومهمة لها تاريخ وثقافة، ومرتبطة ارتباطًا كبيرًا بالشرق الأوسط، لكنها لم تقدم ما يُشعر الناس بأنها دولة مساهمة في السلام، فمحاربة 80 في المئة من الشعب السوري لا يصبّ في صالح السلم والتقدم في العالم، ولا أفهم أبدًا أن دولة عظمى مثل روسيا تتجه إلى إلغاء صوت الأغلبية الشعبية في سوريا، بل يجب عليها أن تكون المرجعية للأطراف كلها، لا أن تكون مع طرف ضد آخر، ولا أن نرى هذه المآسي الكبرى التي يشيب لها الولدان في حلب، من دون مبرر، فكلنا نحارب الإرهاب"، مؤكدًا أن لا دولة اعترفت بمساندة الإرهاب، "فدول الخليج هي أكثر الدول التي تضررت من الإرهاب، وداعش لم ينفذ عملية واحدة في إيران، ولا في روسيا،&باستثناء متطرفي الشيشان وهؤلاء وضعهم داخلي مختلف، دول الخليج هي الوحيدة المتضررة من الارهاب، أكثر من غيرها، وواجبها القومي والانساني تجاه شعب مثل الشعب السوري أن تقول كفوا عن سفك الدماء فحسب".​