حلب:&ينتظر الآلاف من المدنيين والمقاتلين السبت وسط برد قارس وظروف انسانية مأسوية استئناف عملية اجلائهم من مدينة حلب غداة تعليقها، في وقت ندد الرئيس الاميركي باراك اوباما بـ"الفظائع" التي ترتكب داخل المدينة.

وأكد المسؤول عن ملف التفاوض من جانب الفصائل المعارضة لوكالة فرانس برس التوصل الى اتفاق لاستئناف عمليات الاجلاء السبت، في حين قال مسؤول عسكري سوري ان الاتفاق "لم يتبلور بعد" غداة تعليق تنفيذه امس.

امضى الآلاف من السكان وبينهم عدد كبير من الاطفال ليلتهم في الشوارع او داخل المنازل المهجورة الفارغة من اي اثاث، حيث افترشوا الارض في ظل تدني الحرارة الى ست درجات تحت الصفر، وفق ما افاد مراسل لفرانس برس.

وقال ان السكان يعانون من ارهاق وتعب شديدين عدا عن الجوع والعطش، ويقتات معظمهم على التمر ولا يجدون حتى مياها ملوثة للشرب.

وبحسب الامم المتحدة، لا يزال نحو 40 الف مدني عالقين في حلب وما بين 1500 الى خمسة آلاف مقاتل مع عائلاتهم.

وكان عدد كبير من السكان توجهوا الجمعة الى حي العامرية للخروج ضمن الحافلات، وعمد كثيرون الى احراق مقتنيانهم واتلاف ما كان متوفرا في منازلهم من اغراض وطعام ومؤونة، باعتبار انهم لن يعودوا، ليفاجأوا اثر ذلك بتعليق تنفيذ الاتفاق.

ومنذ الخميس، تم اجلاء نحو 8500 شخص بينهم ثلاثة آلاف مقاتل من مناطق سيطرة الفصائل في حلب، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، بينهم 500 حالة بين جريح ومريض على الاقل.

وتمت عملية الاجلاء بموجب اتفاق تم التوصل اليه برعاية روسية تركية، بعد سيطرة قوات النظام خلال شهر على معظم الاحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.

وكان من المفترض ان تستمر عملية الاجلاء اياما عدة، الا انه جرى تعليقها الجمعة بعدما اتهم الجيش السوري المقاتلين بخرق الاتفاق.&

وقال مصدر عسكري سوري لفرانس برس الجمعة ان تعليق الاجلاء جاء اثر اقدام المسلحين على "اطلاق نار، ومحاولة اخذ مخطوفين (معهم من حلب الشرقية) ومحاولة تهريب اسلحة متوسطة في حقائب".

وينص الاتفاق الاساسي على خروج المسلحين مع أسلحتهم الخفيفة فقط.

في الساعات المقبلة

بحسب المرصد السوري، فإن تعليق الاتفاق جاء ايضا إثر منع الفصائل خروج الجرحى والحالات المرضية من بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين في محافظة ادلب (شمال غرب) المجاورة.

وتضمن الاتفاق وفق الاعلام السوري الرسمي، إجلاء جرحى ومرضى من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين يحاصرهما مقاتلو المعارضة.

وشهدت الليلة الماضية مفاوضات بين الاطراف المعنية تمهيدا لاستئناف عملية الاجلاء من حلب، مع محاولة كل طرف تحقيق "مكاسب" اضافية.

وقال الفاروق ابو بكر من حركة أحرار الشام المكلف بالتفاوض عن الفصائل المعارضة لفرانس برس السبت "تم التوصل لاتفاق بين الثوار وروسيا وإيران بشأن حلب، ونعمل على استئناف عملية الاجلاء اليوم ان شاء الله".

واضاف انه بموجب الاتفاق "سيخرج كل اهل حلب والمسلحين" من المربع الاخير تحت سيطرة الفصائل، مقابل خروج عدد لم يحدده من بلدتي الفوعة وكفريا وميدينتي مضايا والزبداني في ريف دمشق.

في المقابل، قال مصدر عسكري سوري لفرانس برس السبت ان "الامور لم تتبلور بعد" مشيرا في الوقت ذاته الى "مسار ايجابي" في ما يتعلق بعملية الاجلاء من الفوعة وكفريا.

ويسري على مضايا والزبداني والفوعة وكفريا اتفاق تم التوصل اليه في سبتمبر 2015 بين الحكومة السورية والفصائل المقاتلة باشراف الامم المتحدة يتضمن وقفا لاطلاق النار. وينص على وجوب ان تحصل &عمليات الاجلاء منها وادخال المساعدات بشكل متزامن.

وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لفرانس برس انه يتوقع ان "تُستأنف السبت عملية الاجلاء من حلب في الساعات المقبلة تزامنا مع نقل حالات طبية وجرحى وعائلاتهم وايتام وحالات لم شمل من بلدتي الفوعة وكفريا ضمن قائمة تضم اربعة آلاف اسم".

واوضح ان ادخال الزبداني ومضايا في الاتفاق "يأتي ارضاء للمقاتلين باعتبار ان المدينتين مرتبطتان بالاتفاق السابق مع الفوعة وكفريا".

واوضح أحمد الدبيس، المسؤول عن وحدة من الاطباء والمتطوعين تتولى تنسيق عمليات الاجلاء لفرانس برس "وصلتنا تطمينات من جهات عدة بان الاخلاء سيتم خلال 24 ساعة" لافتا الى ان سيارات الاسعاف ما زالت في "الخطوط الخلفية" بعد سحبها امس.

تقارير مقلقة للغاية

اجبر مقاتلون موالون للنظام قافلة تضم 800 شخص صباح الجمعة على العودة ادراجها بعد انطلاقها من نقطة التجمع في حي العامرية، وفق المرصد السوري. وبحسب مراسل فرانس برس، سادت حالة من الخوف والذعر في حي العامرية اثر عودة القافلة.

واتهمت الفصائل المعارضة مقاتلين موالين من حزب الله اللبناني باعتراض هذه القافلة والاعتداء على عدد من ركابها، متحدثة عن حصول اطلاق نار قبل ان تعود ادراجها.

واعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر التي تتولى الاشراف على عملية الاجلاء، انها تنظر في انباء عن اطلاق نار قبل عودة القافلة ادراجها.

وقال المتحدث باسم اللجنة بافل كشيشيك لفرانس برس ليل الجمعة السبت "نحن على علم بالانباء الاخيرة المقلقة للغاية حول حادثة اطلاق نار خلال عمليات الاجلاء من شرق حلب". واضاف "نعمل حاليا على استيضاح ما جرى فعليا".

وفي سياق متصل، دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما الى نشر "مراقبين محايدين" في حلب للاشراف على جهود اجلاء المدنيين المحاصرين.

وقال في مؤتمره الصحافي بمناسبة نهاية العام "العالم موحد ضد الهجوم الوحشي الذي شنه النظام السوري وحليفاه الروسي والايراني على مدينة حلب"، معتبرا ان "ايديهم ملطخة بهذه الدماء وهذه الفظائع".

واضاف "لا نزال نتلقى اشارات عن اعدام مدنيين.. مسؤولية هذه الاعمال الوحشية تقع على طرف واحد: نظام الاسد وحليفتاه روسيا وايران"، مشددا على انه لا يمكن للرئيس السوري بشار "ان يكسب شرعيته على وقع المجازر".

وتواجه الفصائل المعارضة التي طمحت الى الاطاحة بنظام الاسد، احتمال الهزيمة الكاملة في سوريا بعد خسارتها حلب، المدينة التي شهدت شوارعها تظاهرات ضخمة في العام 2011 ضد النظام قبل ان تتحول الى جبهة مقسومة بين شطرين، واحد تحت سيطرة النظام في الغرب وآخرى تحت سيطرة المعارضة في الشرق.