في حوار خاص مع «إيلاف»، حمّل غالب بن الشيخ، رئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام في فرنسا، التوظيف الإسلامي وفشل المدرسة العلمانيَّة، المسؤولية في تعزيز البيئة الحاضنة للتطرف الإسلامي في فرنسا.

باريس: دعت الحكومة الفرنسية ممثلي الديانة الإسلامية في فرنسا إلى التحرك بفعالية أكثر لمكافحة التطرف، وذلك في جلسات الحوار التي عقدت في مقر وزارة الداخلية الفرنسية بحضور 150 ممثلًا عن الديانة الإسلامية، وهي الثانية من نوعها وتأتي في إطار عملية إصلاح الديانة الإسلامية التي شرعت بها الحكومة الفرنسية لتطويق البعد الديني والفكري لظاهرة التطرف، بعدما رصدت أجهزة الأمن 2000 فرنسي تظهر عليهم آثار التطرف، وبعدما التحق أكثر من 600 فرنسي بالتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق، عاد نحو 300 منهم إلى فرنسا.

وأكد وزير الداخلية الفرنسية برنار كازينوف، الذي شارك مع رئيس الوزراء مانويل فالس في جلسات الحوار، أن البعد الديني، وإن لم يكن الدافع الوحيد وراء ظاهرة التطرف، هو العامل الأساس وراء تعبئة جهاديين جدد وتجنيدهم.

وكانت السلطات الفرنسية شرعت في حوار مع ممثلي الديانة الإسلامية والجمعيات الإسلامية، بهدف تطويق الفكر المتطرف في فرنسا عبر مساعدة المنظمات الإسلامية على محاربة التطرف والإرهاب، وتطوير الخطاب الروحي في مواجهة الفكر الجهادي.

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي أن خلية العمل في الوزارة تعمل مع ممثلي الديانة الإسلامية والجمعيات، استطاعت حتى الآن العمل مع 1600 حالة ظهرت عليها آثار التطرف.

تحاور «إيلاف» غالب بن الشيخ، رئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، فيتطرق في حديثه إلى البيئة الحاضنة للفكر المتطرف في المجتمعات الأوروبية، ويرصد عوامل عدة ساهمت بتغذيته، منها سهولة خطاب التنظيمات المتطرفة، إذ تتوجه إلى المسلم فتقول له: «حياتك انهارت في هذه الدنيا وعليك أن تفكر في الآخرة، وعليك أن تستحق أيضًا دخول الجنة، وبالتالي يجب أن تموت شهيدًا». ويرى بن الشيخ أن التصدي للفكر المتطرف ينحصر في ثلاثة عوامل. العامل الأول هو أمني بامتياز، بينما يستدعي العامل الثاني ضرورة وقف بعض الاجراءات التي تتخذها السلطات مثل سحب الجنسية لأنها لا تحقق النتائج المرجوة. أما العامل الثالث، فيكمن في التركيز على التربية وتدبير العقل والتفكير وإعطاء الفرصة لكل المواطنين وشرائح المجتمع الفرنسي لكي يرتقوا إلى مستوى اجتماعي يكفل المساواة بين كافة شرائح المجتمع الفرنسي، ويبعث الأمل في مستقبل جيد للجميع. 

يقر بن الشيخ بأن المدارس العلمانية في فرنسا فشلت في إرساء العدالة والمساواة بين شرائح المجتمع، فهي تجعل الشريحة الإسلامية دخلية على المجتمع.

في ما يأتي نص الحوار:

لماذا أخفقت الحكومة الفرنسية، والدول الأوروبية، في معالجة آفة التطرف، أمنيًا وفكريًا؟ 

اولًا، يجب أن نشير إلى أن أي معضلة لها أسباب، ونحن لا نستطيع أن نختزلها إلا في قراءة واحدة، ومن هنا فإن آفة التطرف لها قراءات عدة: إجتماعية وسياسية وجيو استراتيجية في ما يخص العلاقات الدولية، ونفسية إضافة إلى قراءة لاهوتية للتاريخ الإسلامي، ناهيك عما يقال من أمور تتعلق بالآخرة، وهذا يفسر تشابك العوامل التي أدت من جديد إلى ظهور التطرف في المجتمعات الأوروبية. وفي عودة سريعة في التاريخ إلى ماضي السنوات، نرى أن الحكومات المتتالية وخصوصًا في فرنسا أخطأت مرارًا في القراءة السياسية والإجتماعية للمسألة، ونعلم أنه منذ أكثر من 3 عقود، كان هناك مسيرة من أجل المساواة تنادي بتطبيق شعار الجمهورية 'الحرية والمساواة والأخوة'، لكن لم يتم الإستجابة لمطالب المسيرة، وحينها بدأنا نرى مشاعر الإنكماش والإنطواء والتقوقع، وصار المسلمون في فرنسا عرضةً لآراء وأفكار متزمتة وتوظيف الإسلام والدين لأغراض أخرى أيديولوجية أكثر منها روحية. من جهة أخرى، نرى تقهقرًا كبيرًا في ما يخص الحضارة في ورشات كبرى تتعلق بالفكر الإسلامي، منها الحريات والعيش الكريم والمساواة وإزالة الغطاء القدسي عن العمل داخل الفضاء الإسلامي.

توظيفُ الإسلام عزز التطرف

هل فشلت فرنسا في تطويق ظاهرة التطرف بين شباب فرنسي مسلم من أصول مهاجرة، يُنظرُ إليه في فرنسا على أنه غير فرنسي، وترى فيهم دولُهم الأم شبابًا أجنبيًا؟ 

الفشل ذريع. فشلت جميع الحكومات في هذا الصدد. نرى مثلًا أن اليمين برئاسة نيكولا ساركوزي تدخل بشكل سافر في ما يخص الحياة الإسلامية داخل فرنسا، وأنا أشهد أن ساركوزي عين مسؤولين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ثم جرت إنتخابات كرست هذا التعيين. من جهة أخرى، علينا أن نعترف بهشاشة وعدم كفاءة المسؤولين الذين يسهرون على الجمعيات الإسلامية في فرنسا. نرى أن مسجد باريس أو المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بعيدٌ كليًا عن شؤون وشجون المسلمين في فرنسا. تدعي هذه الجمعيات أنها تمثل المسلمين، وهي في الأصل تيار يتبع الإخوان المسلمين كأيديولوجيا، وبالتالي الحوار مع هؤلاء لم يعط أكله، والمعالجة الأمنية للقضايا الإسلامية لم تكن ناجعة هي الأخرى... بالتالي، بات ضروريًا أن نرى كيف نعالج الموضوع من جوانبه العديدة، منها الإجتماعي والأمني والسياسي.

أما زال للهيئات الممثلة للمسلمين في فرنسا تأثيرٌ في المسلمين كي تضطلع بالدور المنوط بها في محاربة الفكر المتطرف؟ 

لست أدري ولست متاكدًا. أستطيع أن أقول: ليس هناك ذئابٌ وحيدة تقوم بأعمال عنيفة في أوروبا، بالتأكيد هناك خلايا وشبكات. لست مقتنعًا بأن هذه الجمعيات لها أيُ باع أو أيُ صبغة أو سلطة على هؤلاء المتطرفين. 

بيئة حاضنة 

وجد الفكر المتطرف بيئة حاصنة عند المسلمين في الدول الأوروبية. خير مثال صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيس في اعتداءات باريس الدامية. اختبأ في حي مولنبييك البليجيكي لأشهر على الرغم من كل الإجراءات الأمنية للقبض عليه. 

طبعًا هناك بيئة حاضنة، لأن خطاب التنظيمات المتطرفة سهل، وهو أن حياتك انهارت تمامًا في هذه الدنيا وعليك أن تفكر في الآخرة، وعليك أن تستحق أيضا دخول الجنة وبالتالي يجب أن تتبع ما أُمليه عليك، وهو أن تموت شهيدًا. أود أن أشير إلى أن بعض الجمعيات كرست الخطاب حول العمليات الإنتحارية التي بوركت كأنها عمليات إستشهاد ومقاومة ضد الإمبريالية والإحتلال الإسرائيلي. الخطاب والأساليب التي جاءت بها فكرة المقاومة سهلت عملية انغماس عديمي التركيز في فكر التطرف. 

كيف يمكن إقناع المسلمين في فرنسا وأوروبا بنبذ الفكر المتطرف والتمسك بشعارات حقوق الإنسان والحرية؟

هذا ممكن عبر ثلاثة أصعدة: الصعيد الأمني، وعلى الحكومات أن تكفل أمن المواطنين؛ والكف عن اتباع إجراءات غير ملائمة كسحب الجنسية وما غيرها، لأنها لن تأتي بالنتائج المرجوة؛ والتربية وتدبير العقل والتفكير وإعطاء الفرصة لكل المواطنين وشرائح المجتمع الفرنسي لكي يرقوا إلى مستوى إجتماعي يكفل المساواة بين كافة شرائح المجتمع الفرنسي، ويبعث الأمل في مستقبل جيد لكافة شرائح المجتمع. 

المدارس العلمانية فشلت 

هل نجحت المدارس العلمانية الفرنسية في إرساء عدالة إجتماعية في صفوف الفرنسيين، أم ساهمت في دفع بعض الشباب إلى متاهة التطرف؟ 

المدرسة العلمانية هي ذات سرعتين في فرنسا، للخاصة والعامة، تجعل البرامج الدراسية من الشريحة الإسلامية داخل فرنسا دخيلة على المجتمع خصوصًا أن للبعد الحضاري أهميته، إضافة إلى عدم الإكتراث وإهمال الحيز الحضاري حول البحر الأبيض المتوسط، وعدم الكلام او الحديث عن أهمية مساهمة العرب في الحضارة. على المدارس الفرنسية أن تعطي المجتمع الفرنسي فكرة عن تمثيل هذا المجتمع، مثلًا لا يوجد عرب ومسلمون بين عمداء الجامعات، ولا في السلك الديباوماسي او رئاسة أركان الجيش الفرنسي.

غالبية المسلمين الفرنسيين من أصول مغربية أو جزائرية. شاهدنا تعويلًا كبيرا على المغرب والجزائر في تكوين الأئمة في فرنسا، كيف يساهم ذلك في الحد من التطرف في فرنسا؟

يُخطىءُ من يظن أن تكوين الأئمة الفرنسيين في المغرب او الجزائر سيأتي بإنعكاسات إيجابية. انا كمواطن فرنسي أطالب بتكوين الأئمة على الأراضي الفرنسية لأنه لا بد للإمام أن يلم بتاريخ فرنسا وببعدها الثقافي والحضاري وبكل التراث الإسلامي، وعليه أن يجيد الفرنسية، وأن يدعو المؤمنين والمسلمين الذين يأتون إلى المساجد ليكلمهم عن مزايا الموسيقى، ليس كما قال أحد الأئمة في فرنسا إن من يسمع الموسيقى يُمسخ قردًا أو خنزيرًا. على الأئمة أن يهتموا بالمقومات الحضارية والقيم الإجتماعية وأهمية الفنون، ولهذا أنا لست مقتنعًا أن تكوين الأئمة خارج فرنسا سيكون مجديًا. 

أترون آثارًا سلبية حتى في حال مجيء أئمة من المغرب إلى فرنسا لتكوين أثمة فرنسيين؟

ممكن، لكن هذا غير كاف، لأن في فرنسا استثناءات. في شرق البلاد ما يسمى كونكوردا. هناك فرصة لتكوين أئمة بمال الفرنسيين في فرنسا عبر برنامج يتماشى مع متطلبات المجتمع الفرنسي. أعتقد مرة أخرى أننا لسنا بجاجة أن نستورد أئمة من خارج التراب الفرنسي.

هل الإجراءات التي تنادون بها لمواجهة التطرف ثقافية وأمنية وسياسة وإجتماعية؟

نعم، وأضيف إعادة النظر في الفكر اللاهوتي الإسلامي كي نخرج من فكرة الإصلاح، وإعادة النظر في ما يخص الفكر والتنوير والأنسنة. علينا أن نهتم بالإنسان، بحرية التعبير والمساواة بين المواطنين، وإزالة هالة القداسة عن العنف، وأن يكون هناك نظرة جدية واكاديمية إلى كل ما يتعلق بالوحي والتاريخ الإسلامي. هذا عمل أكاديمي جبار علينا القيام به. 

لا بد من حملة إعلامية 

بعد اعتداءات باريس وبروكسيل، يقض التطرف مضاجع الحكومات الأوروبية. كيف يمكن لفرنسا، ولأوروبا عامة، أن تفرض نفسها مجددًا حامية المجتمعات وأن تعيد من ضل طريقه من التطرف إلى الإعتدال؟ هل هذا ممكن؟

بالتأكيد. هناك حاضنة في مولنبييك ببلجيكا، وفي بعض الأحياء في ضواحي المدن الفرنسية، لكن الأغلبية الساحقة لمسلمي فرنسا ترفض العنف. أرى أن رؤساء الجمعيات الإسلامية مقصرون في ما يخص التنديد بالعنف، لا يكفي أن نفتح أبواب المساجد مرة في السنة. لا بد من حملة إعلامية تتكلم عن مزايا الرفق والتعاضد والرحمة والمحبة والمودة في الدين الإسلامي. هذا لا نتكلم عنه في فرنسا، كما لا نتكلم عن التراث الإسلامي الذي يتعلق بالأنسنة الذي أراها المخرج من كل هذا.