لم تصادق دول عربية على اتفاقية القضاء على التمييز، إلا أنها خطت باتجاه تمكين المرأة فيها. هذا كان محور نقاش الندوة التي عقدت في مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي بالتعاون مع اليونسكو.
 
لندن: تصدرت قضية حقوق المرأة والمساواة اهتمامات المجتمع الدولي خلال السنوات القليلة الماضية. كما أعطت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" مساواة المرأة والرجل أولوية في عملها، معتبرة أن هذه المساواة ليست حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان فحسب، بل ركيزة لأزمة لبناء مجتمعات يسودها السلام أيضًا. 
 
إزالة تحفظات 
في هذا السياق، تواجه البلدان العربية تحديات تتمثل في تنميط دور المرأة في المجتمع. وحققت البلدان العربية إنجازات لا يمكن تجاهلها في التصدي لهذه التحديات. وفي حين أن هناك حاجة إلى التغيير في مجالات معينة للانسجام مع بنود المعاهدات الدولية الرئيسة، فلا شك في أن تطورات كبيرة تحققت في وضع المرأة العربية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا خلال السنوات الماضية.
 
يمثل الاعتراف بما تحقق من إنجازات خطوة مهمة نحو مساواة المرأة واحترام حقوقها في العالم العربي. ولهذا الغرض تحديدًا عقد مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي بالتعاون مع اليونسكو ندوة خلال أعمال الدورة الحادية والثلاثين لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان من 29 شباط/فبراير الى 24 آذار/مارس، تركزت نقاشاتها على التقدم الذي شهده العالم العربي في مجال حقوق المرأة وتمكينها، وخاصة من حيث توفير فرص التعليم والمشاركة السياسية والاقتصادية الفاعلة. 
 
ولاحظ المشاركون في الندوة أن البلدان العربية اتخذت موقفًا ايجابيًا من المعاهدات الدولية لقضايا المساواة بين الجنسين، وان البلدان العربية كلها تقريبًا صادقت على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة وان بلدانًا عديدة أزالت تحفظاتها على اساس "عوامل دينية وثقافية". 
 
تشريعات عربية
كما أكدت البلدان العربية اهتمامها باعطاء قضايا المرأة اولوية من خلال مشاركتها الفاعلة في متابعة تنفيذ اعلان بكين ومنهاج العمل اللذين أقرهما المؤتمر العالمي الرابع للمرأة. لكن غالبية الدول العربية لم تصادق حتى الآن على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.
 
على مستوى التشريعات الوطنية، تحققت انجازات مهمة نحو تحسين وضع المرأة والقضاء على التمييز ضدها وحماية حقوقها. وابدت الحكومات إرادة أكبر لمعالجة العنف على اساس النوع الاجتماعي واعتمدت اشكالاً قانونية لمكافحة العنف ضد المرأة.
 
واقر البرلمان اللبناني في نيسان/ابريل 2014 قانون حماية المرأة وسائر افراد الأسرة من العنف الأسري. ونوّه المشاركون في الندوة بخطوات مماثلة اتُخذت في تونس والجزائر والمغرب.
 
حق الاقتراع
وتحققت تطورات على القدر نفسه من الأهمية في مجال الحقوق. إذ نالت المرأة حق الاقتراع في عمان عام 2003 وفي الكويت وقطر عام 2005 وفي الامارات عام 2006 وفي العربية السعودية عام 2011، فيما شاركت المرأة السعودية للمرة الاولى في الانتخابات البلدية عام 2015. 
 
ونالت المرأة في الكويت حق الترشيح في الانتخابات البرلمانية منذ عام 2006 في حين شهدت البحرين تعيين قاضيات للمرة الاولى في عام 2006 وفي الامارات عام 2008. وبادرت بلدان مثل مصر وتونس والجزائر الى تعديل دساتيرها لضمان حقوق المرأة وحمايتها ضد التمييز.
 
وانتهجت البلدان العربية سياسة ايجابية في واحد من أهم المجالات لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وهو التعليم. ولاحظ المشاركون في الندوة التقدم الكبير الذي تحقق في مجال تعليم الاناث. ففي دول الخليج ارتفعت نسبة النساء اللواتي يعرفن القراءة والكتابة من 56 في المئة عام 2000 الى 69 في المئة عام 2010. كما ترتفع نسبة الاناث على مستوى التعليم العالي. وتشكل الطالبات في جميع دول الخليج اكثر من 50 في المئة من الجسم الطلابي، وتوجد في الامارات وقطر أعلى نسبة لعدد الطالبات الجامعيات بالمقارنة مع عدد الطلاب.
 
مناصب رسمية
كما انعكس هذا الاتجاه الايجابي في تعليم الاناث على مستوى مساهمة المرأة وتمثيلها في الحياة السياسية والاقتصادية. وبحسب ارقام الاتحاد البرلماني الدولي لعام 2015، فإن المنطقة العربية واصلت تقدمها بزيادة عدد النساء في المناصب الرسمية، حيث ارتفعت حصة النساء من المناصب الوزارية الى 9.5 في المئة أو نحو وزيرة من بين كل عشرة وزراء. وعلى مستوى التمثيل البرلماني تشكل النساء أكثر من 30 في المئة من مجموع النواب في بلدين عربيين هما تونس والجزائر. 
 
كما واصلت البلدان العربية تقدمها في ردم الفجوة بين الجنسين في مجال التعليم. وتبين ارقام اليونسكو أن عدد الفتيات المسجلات ارتفع من 87 فتاة مقابل كل 100 فتى في عام 1999، الى 95 فتاة في عام 2012.
 
وعلى مستوى مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية تضاعفت مشاركتها في القوى العاملة مرتين في السعودية وقطر والكويت والبحرين خلال الفترة الواقعة بين 1980 و2000، وتضاعفت نحو ثلاث مرات في الامارات وعمان. 
 
عاملات متزايدات
ولاحظ المشاركون في الندوة تزايد دور المرأة العربية في الاقتصاد وصنع القرارات الاقتصادية. واكدت منظمة العمل الدولية تقلص الفجوة بين تشغيل المرأة والرجل بدرجة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الواقعة بين 2002 و2007 بالمقارنة مع اوروبا الوسطى والغربية. الأكثر من ذلك أن عدد النساء العاملات في القطاع العام مرتفع نسبيًا، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي. ففي مصر تشكل النساء ثلاثة ارباع العاملين في القطاع العام وفي العربية السعودية نحو نصف العاملين، وفي المغرب يتساوى عدد الرجال وعدد النساء العاملين في القطاع العام.
 
وخلصت الندوة الى انه رغم هذا التقدم، فإن تقدم وضع المرأة العربية ما زال يصطدم بعقبات وتحديات كبيرة، ولا بد من الاستمرار في تحسين هذا الوضع وصولاً الى المساواة بين الجنسين. 
 
معوقات اجتماعية
ولفت المشاركون بصورة متكررة الى المفارقة المتمثلة في ارتفاع مستوى المؤهلات الأكاديمية للنساء العربيات من جهة، وتدني مشاركتهن في صنع القرار والقوى العاملة من الجهة الأخرى. بل ان البطالة بين الشباب هي الأعلى في البلدان العربية، حيث بلغت ذروتها خلال الفترة الواقعة بين 2008 و2014، ومن المرجح أن تتأثر الشابات العربيات اساسًا بانعدام فرص العمل.
 
ورغم الجهود الملموسة لتحسين قوانين العمل ومكافحة التمييز ضد المرأة في اماكن العمل، فإن القيود التي يفرضها نظام الوصاية في بعض بلدان المنطقة تحد من قدرة المرأة على العمل خارج البيت، وما زالت الفجوة في اجور المرأة والرجل لمصلحة الأخير موجودة في اسواق عديدة، لا سيما في القطاع الخاص. وما يعطل تنفيذ القوانين وجود مواقف في المجتمع ما زالت تعمل ضد المرأة، ولا تبدي حماسة لزيادة مشاركتها في الحياة الاجتماعية.