يحتدم الجدل في تونس حول قرار منع ارتداء النقاب خشية من تسلل الإرهابيين تحت ستاره، لكن شريحة أخرى ترى في المنع قمعًا للحرية الشخصية.

تونس: طفت مسألة منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، على السطح من جديد، وأثارت جدلاً واسعاً، في تونس، في الأوساط الحقوقية والسياسية، واعتبر البعض أنّ هذا المشروع يتناقض مع مضامين الدستور التي تؤكد على احترام الحرية الشخصية، بينما يؤكد البعض الآخر أنّ الوضع الأمني يقتضي منع ارتداء النقاب لأنه يمكن استعماله في مغالطة رجال الأمن، والقيام بعمليات إرهابية.

وقد تقدّم مجموعة نواب من (كتلة الحرة) المنشقة عن حزب "نداء تونس" بمشروع قانوني، لمجلس نواب الشعب (البرلمان) يقضي بمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة.&

وأكد وزير الشؤون الدينية الدكتور محمد خليل أنه "مع الحرية الشخصية للأفراد"، مضيفاً "عندما تضرّ هذه الحرية بالرأي العام فمن حقّ السلطة التدخل لحفظ النظام العام". وأوضح الناطق الرسمي باسم حزب نداء تونس عبد العزيز القطّي، أنّ حزبه "يدعم المبادرة التشريعية لكتلة الحرة لمنع النقاب الذي يجب أن يمنع في الفضاء العامّ".

وأكد القطّي أنّ حزبه سبق أن تعهّد بسنّ مثل هذا القانون خلال الحملة الانتخابية في 2014.

واجب وطنيّ

وشدّد النائب في البرلمان عن كتلة الحرّة الصحبي بن فرج، على أنّ وزملاءَه "يقومون بواجب وطني من خلال التقدم بمشروع قانون منع ارتداء النقاب، بغاية المصادقة عليه، حتى لا نصل يوماً إلى منقبة تفجّر نفسها وتقتل أبرياء.".

وأوضح بن فرج في تصريح لـ"إيلاف"، أنّ كتلة الحرّة تقدمت بهذا المشروع" إيماناً منها بأنّ إخفاء معالم الوجه تمثل خطراً حقيقياً، خاصة ونحن نعيش حالة حرب على الإرهاب في تونس."، مؤكداً أنّ "عدداً من المنقبات تورّطن في عمليات إرهابية، في إحدى مراحلها، على المستوى اللوجستي، أو نقل المعلومات إلى الإرهابيين عن مواقع رجال الأمن".

وأشار النائب الصحبي بن فرج أنّ "العملية الأمنية الأخيرة في مدينة بنقردان شهدت تورّط انخراط بعض المنقبات في الانضمام إلى صفوف الإرهابيين، وهو ما يؤكد ضرورة التحرك لوقف هذا الخطر الداهم الذي يعيش معنا".

لكن المحامي فتحي العيوني أكد أنّه، وإلى حدّ الآن "لم تسجّل أي عملية إرهابية، قامت بها منقّبة، وذلك من خلال بلاغات وزارة الداخلية التي توضّح ملابسات العمليات الإرهابية".

وقال بن فرج إنّه سبق أن تمّ طرح هذا المشروع، الذي عاد إلى السطح من جديد بعد الأحداث الخطيرة، وأكد أنّه "من الضروري حظر ارتداء الحجاب لحماية التونسيين".

الحرية مقيّدة

وردّاً على من اعتبر النائب بن فرج أنّ في هذا المنع تضييقاً على الحريات الشخصية، قال بن فرج: "لسنا الأوائل في منع ارتداء النقاب، وقد سبقتنا إلى ذلك عديد الدول الديمقراطية، التي تحترم حقوق الإنسان والحريات الشخصية، مثل فرنسا."، مؤكداً أنّ مؤسسات أوروبية لحقوق الإنسان أيّدت المنع.

وأشار إلى أنّ المصلحة العامة تقتضي عملية المنع لحماية تونس من أخطار داهمة، وبالتالي فالحرية الشخصية هي بالضرورة "مقيّدة".

من جانبه، لم يغفل الأمين العام لحزب التحالف الديمقراطي محمد الحامدي في حديثه لـ"إيلاف"، عن احترامه للحريات الشخصية ودفاعه المستميت عنها، لكنه أصرّ على ضرورة "التحالف بين جميع الأحزاب السياسية خدمة للأمن القومي، خاصة وأنّ تونس تعاني من خطر الإرهاب منذ سنوات".

وفي آخر استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة سيغما كونساي، عبّر 93% من التونسيين عن رفضهم للنقاب.

وقال مدير "سيغما كونساي" حسن الزرقوني إنّ سبر الآراء أُنجز خلال الفترة المتراوحة بين أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) وأواسط ديسمبر (كانون الأول)، الماضيين بمساعدة مؤسسة "كونراد أدناور" الألمانية. وتمّ إجراء سبر الآراء نفسه في خمس دول من شمال أفريقيا، وهي المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر.

عقوبة سجنية

يمنع مشروع القانون الذي تقدمت به كتلة الحرّة في فصله الأول "الظهور بالفضاءات العمومية في زي يخفي الوجه"، و"لا تسري مقتضيات الفصل الأول من هذا القانون إذا كان ارتداء الزي الذي يخفي الوجه واقعاً بمقتضى نصوص قانونية أو ترتيبية أو إذا كان مبرراً بأسباب صحية أو دواعٍ مهنية أو مناخية، أو كان من مستلزمات ممارسة أنشطة رياضية أو إقامة احتفالات أو تظاهرات فنية أو تقليدية".

و"يعاقب كل من يخالف أحكام الفصل الأول من هذا القانون بالسجن لمدة خمسة عشر يومًا، وبخطية قدرها أربعة دنانير وثمانمئة مليم أو بإحدى العقوبتين"، وفي صورة تكرار المخالفة "يكون العقاب بأقصى العقوبات المقررة بهذا الفصل".

ويهدف مشروع القانون إلى "تطوير المنظومة العقابية في مجال مكافحة الجريمة وإلى حماية الأمن العام و تجسيد أحكام الدستور"، وفق تصريح مقترحي المشروع.

وأوضح الأمين العام الجديد لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، أنه "يحترم الحرية الشخصية، اعتباراً إلى أنّ الدستور يقرّها"، مشيراً إلى أنّه "ليس من الواجب أن ترتدي المرأة النقاب".

وشدّد الشواشي، في تصريحه لــ"إيلاف" على أنّنا "أمام عدوّ لا ندري في أي صورة يمكن أن يظهر لنا، وبالتالي لا بدّ من محاربته بكل الوسائل المتاحة، وأولها منع ارتداء النقاب في الفضاءات العمومية".

وأكد مفتي الجمهورية السابق حمدة سعيد، أنّ "المذاهب الإسلامية الأربعة وخصوصاً المذهب المالكي، يرى أنّ النقاب يوجد شرعاً "بين السنة والاستحباب" وأنّ "النصوص الصحيحة ترّجح الحجاب على النقاب".

وأضاف أنه "يجوز لوليّ الأمر شرعاً أن يقيّد نطاق المباح إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة للأمة ومنها حفظ النفس من كل ما يتهدّدها من مخاطر".

قضية مفتعلة

واعتبر المحامي فتحي العيوني أنّ المعالجة لموضوع الإرهاب بمنع ارتداء النقاب "قضية مفتعلة"، مشيراً إلى أنّ "كل الفضاءات العمومية حالياً مراقبة بكاميرات خاصة، ولا يمكن بالتالي تجاوزها"، مضيفاً أنّ "من يريد التنكّر يمكن أن يظهر في زيّ أمني أو عسكري أو غيره، وبالتالي لا يقتصر الأمر على من ترتدي النقاب دون غيرها".

وقال الأستاذ العيوني في إفادته: "إنّ القضية مردودة على من ابتكرها، فهو لا يريد إلا دغدغة الإسلاميين، وافتعال مسألة خلافية حدّدها الدستور الذي ضمن الحريات الفردية والعامة، وأكّدها في فصل واضح لا لبس فيه".

وأكد أنّ مسألة منع ارتداء النقاب" قضية سياسية بامتياز بغلاف قانوني".

وقال: "إنّ كتلة الحرّة المنشقّة عن كتلة حزب نداء تونس تعمل على التموقع في الخارطة السياسية، وذلك من خلال استفزاز أطراف سياسية بعينها، وخلق جدل، تونس الآن في غنى عنه.".

محاربة الإرهاب

واعتبر العيوني أنّ الإرهاب "لا يحارب بمصادرة حرية المنقبات، وإنما بالعدل، واحترام حقوق الإنسان، ومحاربة الفقر والبطالة والتهميش، وبزيادة الدعم المادي والمعنوي لقواتنا المسلحة والأمنية".

من ناحيته، يرى الأمين العام لحزب التحالف الديمقراطي محمد الحامدي "ضرورة احترام الحريات الشخصية، وفي ذلك احترام للدستور، ولكن دون أن يؤثر ذلك على الأمن القومي التونسي ومحاربة الإرهاب بكل الوسائل المتاحة".

وكانت وزارة التربية في تونس قد منعت رسميًّا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 ارتداء النقاب بكافة المؤسسات التربوية، كما تم إيقاف مدرسات منقبات عن العمل بعد إصرارهن على عدم كشف وجههن داخل مكان العمل.&

وشهدت ظاهرة ارتداء الحجاب والنقاب في تونس إقبالاً كبيراً من الفتيات بعد ثورة 14 يناير 2011، وألغت "المنشور 108" الذي يمنع ما سمّي بـ"الزي الطائفي" داخل المؤسسات التابعة للدولة، منذ 1981.