فجأة.. تم نصب المشانق في ساحة التحرير وسط بغداد، والتي يتظاهر فيها المحتجون على الاوضاع العراقية السيئة، وهو ما اثار الكثير من الهواجس عند العراقيين، لا سيما أن الرسالة كانت واضحة، مما دعا البعض الى طرح تساؤلات مثل: الى اين تتجه بغداد؟ وأي طبول تقرع؟


عبد الجبار العتابي من بغداد: أثار مشهد نصب اعواد المشانق في ساحة التحرير ببغداد ردود&فعل متباينة عند العراقيين، الذين استعادوا صورًا قديمة اعادتهم اليها الذاكرة، أي الى المظاهر التي كانت تتبعها الحكومات المتعاقبة، والتي شعارها الكبير الواضح (ماكو (لا توجد) مؤامرة تصير، والحبال موجودة)، لاسيما ان قرعاً للطبول رافقها، مما اثار الرعب في نفوس البعض، فيما رأى البعض انها ضرورية لتحذير السياسيين الى مصيرهم إن لم يتوافقوا مع الشعب ويحققوا مطالبه، بينما اكدت مفوضية حقوق الانسان عن رفضها لمظاهر العنف والترهيب.

أكد بعض المعتصمين في ساحة التحرير أن نصب هذه المشانق هو للتعبير عن أن مصير الفاسدين والطائفيين سيكون معلقًا في هذه المشانق.

أكد المتظاهر محمد سالم الربيعي لـ"إيلاف": "لم يعجبني مشهد نصب المشانق في ساحة التحرير، ولكنني اجد انها ضرورية خاصة مع الطغمة السياسية الفاسدة التي لا تأبه بالشعب ولا بتظاهراتنا المستمرة منذ اكثر من ثمانية اشهر، فكانوا يتقاسمون الغنائم بشكل علني ومن دون أي حياء".

يضيف: "نحن متظاهرون سلميون، لكنّ السياسيين لا يريدوننا أن نكون سلميين فهم يسخرون منّا ويستهزؤون بتظاهراتنا واعتصاماتنا، لذلك كانت هذه المشانق تحذيرًا لهم من عدم الاستماع الى مطالبنا".

ضد المشهد

رفضت الناشطة النسوية فاطمة علي نصب المشانق، وقالت: "انا ضد أي نوع من انواع العنف ومنه هذا المشهد المرعب الذي يعيد الينا حقبة الدكتاتورية البغيضة، انا ارفض ان يكون في العراق الجديد هذه المظاهر التي تسيء الى الديمقراطية، والى الشعب العراقي المتحضر بأي شكل من الاشكال".

تضيف: "حتى لو كان السياسيون الفاسدون يستحقون الشنق والاعدام فلا يجب أن نعبر عنه بهذه الطريقة، بل ان نترك للقانون ذلك، فلا نريد ان تكون دولتنا دولة عصابات ولا ميليشيات، فنحن نصبو الى أن تكون دولتنا مدنية وتبتعد عن عسكرة الشعب والعنف لأن المجتمعات المتحضرة هي المجتمعات المسالمة".

وتابعت: "اتمنى ان لا يتكرر المشهد، وأن تخلو تظاهراتنا السلمية من هكذا مشاهد مرعبة".

مشانق لـ(وثيقة الشرف)

اما المحتج عبد الكريم جاسم، فقد اكد ان هذه المشانق نصبت لمن وقّع على (وثيقة الشرف) لأنهم اكدوا مبدأ المحاصصة.

وقال: "لم نكن نريد ان تصل بنا الامور الى هذا الحد لاننا لا نريد أن نكرر تجارب حزب البعث الفاشي ومشانقه التي سبق لها أن اقيمت هنا في ساحة التحرير، ولكن اعتقد انها تحمل التحذير لمن يتلاعب بالشعب وقوته وحياته وقد وصل الحد بالسياسيين العراقيين الى أن يقفوا بالضد من الشعب من خلال توقيعهم وثيقة (اللاشرف) التي ارادوا بها تقاسم السلطة وخيرات العراق في ما بينهم بحجة الشراكة".

واضاف: "اعتقد أن هذه المشانق نصبت لما تسمى وثيقة الشرف التي كانت اسوأ رد على الجماهير المعتصمة والمتظاهرة، فوالله انهم اساؤوا للشعب وللعراق بها، لذلك لابد لهذه الوثيقة سيئة الصيت ان تكون رقبتها في هذه المشانق لتعدم الى الابد".

نزوع نحو الانتقام

الى ذلك، اكد الاعلامي حسام السراي خشيته من هذا النهج.

وقال: "مع نصب أعواد المشانق في ساحة التحرير، وبما أنّنا فعلاً نملك في تاريخنا سير حمورابي وآشور بانيبال، وما إلى ذلك ممّا نتفاخر به كثيراً ليل نهار، لكنّنا نملك أيضاً سيرة لا تنسى من السحل والتمثيل بالجثث منذ تأسيس الجمهورية الأولى 1958، في هذا المشهد (المشانق) الذي أزيل اليوم من الساحة نزوع اجتماعيّ نحو الثأر والانتقام من ظلم الحاكم وسوء إدارته، وإن كانت مبرراته ودوافعه واضحة لمن عانى الـ 13 عاماً الماضية".

واضاف: "فمثلما كنت أخشى فورة سائقي سيّارات الأجرة الذين كان عندهم المالكي إلهاً مبجلاً لا يجوز ذكره بسوء، اليوم أخشى من نهج يفكّر بالسحل طريقاً لإصلاح الأمور، الذي لن نضع نقطة البداية فيه إلا بالمطالبة الفوريّة بقضاء مستقل يبعدنا عن ثارات لا نهاية لها، فيما لو عبرنا فعلاً نحو تغيير حقيقي ومحاسبة لكبار المسؤولين".

مشانق سلمية

الكاتب احمد عبد السادة يقول: "كل من يعرف تاريخ العراق يعرف جيداً بأن المشانق التي نصبت اليوم في ساحة التحرير ليست مجرد مشانق رمزية، بل هي علامات وإشارات لصورة المستقبل العراقي إذا ما ترك لجام الحصان السياسي بيد جهة واحدة ترى أن من حقها إقصاء المختلف وإخصاء القانون وتخويف الشركاء في الوطن، وتكسير صندوق الاقتراع وحرق نتائجه!

واضاف: "هذه المشانق هي صورة العنف الداخلي "الحقيقي" و"الواقعي" الذي تحاول أن تخفيه الشعارات "السلمية" المزيفة، هي صورة الرعب الذي لا بد أن يصيب الآخر المختلف فيدفعه إما إلى التدثر بالصمت أو الانسحاب من المشهد أو الانخراط بصفوف القوي القاهر والعنيف!"

وتابع: "هي صورة لا بد أن تستحضر - بشكل أو بآخر - مشهد المشانق التي نصبها حزب البعث في ساحة التحرير في سنة 1969 لإعدام من أسماهم "الجواسيس اليهود" قبل أن يلتهم لاحقاً هذا الحزب كل شركائه ويتبنى سياسة "الحزب الواحد"!

لا لمظاهر العنف والترهيب

الى ذلك، اكدت عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان الدكتورة اثمار الشطري رفضها لأي تعبير بمظاهر العنف والترهيب.

وقالت: "نعم المطالب المشروعة يجب أن يكون التعبير عنها بمظاهر مشروعة وسلمية ايضًا، ولا تعطي أو تعبر عن مظاهر عنف أو ترهيب مهما كانت طبيعة واسباب تلك التظاهرات أو الاعتصامات أو أي وسيلة أخرى للتعبير عن الرأي، وبالتالي نجد ان هذا الجانب يحتاج الى تعزيز وعي وتثقيف بالنسبة للمواطنين".

واضافت: "كنا قد سجلنا تقدمًا ايجابيًا ملحوظًا يسجل للمتظاهرين والمعتصمين خلال الفترة السابقة، ونحن كمختصين لاحظنا واشرنا ذلك، وقلنا نحن نعتز ونفتخر بهذا الوعي الايجابي في انتقاء وسائل سلمية في التعبير. وبالتالي نحن لا نريد أن نسجل تراجع في ذلك الوعي، كما قلت مهما كانت الاسباب والمطالب، ما دمنا نتحدث عن ممارسات ديمقراطية سلمية متحضرة في التعبير عن الرأي".