طرحت الأكاديمية السعودية نجاة السعيد فكرة متقدمة لتطوير الحياة الإسلامية، من خلال تحديث التصميم الداخلي للمساجد، كي تضم المصلّين من الجنسين. فهل تجد هذه الفكرة طريقها إلى التطبيق، أم يصدّها المحافظون؟.

إيلاف من بيروت: لم تسترسل نجاة السعيد بالتعريف عن نفسها حين قابلتها "إيلاف"، بل أوجزت سيرتها في سطور قليلة، فقالت: "أنا مواطنة سعودية وأستاذة جامعية، أدرس الإعلام في جامعة زايد في دبي، تلقيت دراستي في مرحلتي البكالوريوس والماجستير في الولايات المتحدة، وحزت الدكتوراه في بريطانيا".

من خلال دراستها وأبحاثها، وجدت السعيد أن أفضل طريقة لتحديث هذه المنطقة وتطويرها هي تطوير أساليب إقامة الشعائر الدينية وتحديث المؤسسات الدينية، "فهذه المنطقة مرتبطة كثيرًا بالدين الإسلامي، ومهما ألَّفنا كتبًا كأكاديميين وكتّاب لتحديث وتمدين هذه المنطقة، ومهما سلّطنا الأضواء على موضوع الحداثة والتنمية الاجتماعية، من خلال الإعلام، فذلك كله لن يجدي نفعًا، إن لم ينبع التغيير من داخل الدين نفسه، وفي طريقة إقامة الشعائر الدينية".

بالنسبة إليها، هذه طبيعة مجتمعات هذه المنطقة، وهذه أفضل طريقة في التأثير فيها، داعية إلى أن يواكب أسلوب وسلوك إقامة الشعائر الدينية ما يتلقاه الفرد في المعاهد العلمية والأكاديمية، "فلا يمكن بناء مجتمع متحضر ومستنير، إذا ما كان يكتب أكاديميًا وإعلاميًا في جهة وما يمارس دينيًا في جهة أخرى".

انطلاقًا من هذا التصور، طرحت على صفحتها في فايسبوك فكرة تحديث التصميم الداخلي للمساجد، بتوسيعها، وتنظيمها، وإضافة المقاعد إليها لتتسع للرجال والنساء في آن معًا. وهذا كان دافع "إيلاف" إلى لقائها، وسؤالها في ما قد يؤسّس له رأيها هذا من جدال تنويري.

الرحابة وأسباب أخرى
هل من مانع ديني يقف حائلًا أمام تغيير المنطق الذي يحكم التصميم الداخلي للمساجد؟

دينيًا، لا يوجد ما يمنع تغيير التصميم الداخلي للمساجد، كما هو موجود في العالم الإسلامي اليوم، فالتصاميم مختلفة من مسجد إلى آخر. فكما صار ابتكار وتحديث في الساحات الخارجية للحرم المكي، بسبب التوسعة، لمَ لا يكون التغيير أيضًا في تصميم المساجد من الداخل. فالساحات الخارجية للحرم محاطة بناطحات سحاب من أحدث طراز، من ينظر إليها من الأعلى، يجدها أشبه بمانهاتن نيويورك. وفي حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَه".

هل غياب الرحابة الداخلية وحده ما يمنع حضور النساء والرجال معًا في المسجد؟

ممكن أن يكون غياب الرحابة أحد أسباب عدم حضور النساء والرجال معًا في المساجد، لكنه في نظري الاعتياد والتقيّد بالعادات والتقاليد، هذا ما يمنع حضور النساء والرجال معًا في المساجد. لكن الإسلام لم يمنع الاختلاط، بدليل أن مناسك الحج والعمرة مختلطة، والصلاة في الحرم المكي مختلطة، فلم الفصل في المساجد الأخرى. البداية في أي مشروع كهذا صعبة من الناحية التقليدية، لكن من الناحية الدينية لا مانع. المحصلة الأساس التي يجب أن نسعى إليها هي تنوير المجتمع بأسلوب حضاري لتعاليم الدين الإسلامي، الذي يحث على المساواة وعلى الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة في المعاملة، لا انفصال كل واحد عن الآخر، كأنهما من كوكبين مختلفين.

فليشبه المسجد الكنيسة!

هلا رسمت لنا صورة واضحة وتفصيلية للمسجد الذي في بالك؟

رسمت هذه الصورة، وكانت في ذهني منذ زمن. هي عبارة عن مسجد بمساحة واسعة، تكون فيه مقاعد يجلس عليها من يأتي المسجد لقراءة القرآن والاستماع إلى الخطب. هذه المقاعد منقسمة قسمين متوازيين: جهة للنساء، وجهة للرجال. وهناك منصة للخطيب في المحراب، وإضاءة هادئة لخلق نوع من الروحانية والهدوء النفسي. في وسط المسجد أمام المقاعد، يكون مدرج مرتفع قليلًا بمساحة واسعة للصلاة، منقسم إلى قسمين: للرجال والنساء.

ألا يمكن أن تثير المقاعد حفيظة الإسلاميين، وحتى المؤمنين العاديين، بأن فيها تشبّهًا بالكنائس التي تمتلئ بالمقاعد؟
كل شيء في بدايته صعب، لكن لا أفهم لماذا سيعترض الإسلاميون والمحافظون على المقاعد في المساجد، وهم لم يعترضوا على بناء ناطحات سحاب بطراز غربي حول الحرم المكي، ولم يعتبروا ذلك تغييرًا في معالم العمارة الإسلامية وتحولًا إلى العمارة الغربية. إن الاعتراض على وجود مقاعد في المساجد كي لا تشبه الكنائس غير منطقي، فغالبية رجال الدين المعتدلين تحث على التسامح والتقارب بين الأديان، فما المانع إذًا أن تشبه المساجد الكنائس؟. أليس هذا شكل من أشكال التسامح والتقارب بين الأديان؟. الكل يجلس على الكراسي والمقاعد، ولم أسمع يومًا أن الجلوس عليها حرام أو مكروه، وهذا بنظري مظهر حضاري وصحي للأقدام والركب والظهر. وعلى هذه المساجد أن تكون فيها تعاليم توضح آداب الدخول إلى المسجد من حيث المظهر الذي يتطلب النظافة وتهذيب السلوك وطريقة الوضوء، فلا يمتلئ المسجد بالمياه. 

قبول تجاوز توقعي

من تظنين سيقف إلى جانبك في هذه الدعوة إلى تغيير الشكل التقليدي للمسجد؟
تفاجأت حقيقة عندما نشرت هذا المنشور على صفحتي في فايسبوك، إذ وجدت ترحيبًا واسعًا بالفكرة، تجاوز توقعي. أتوقع أن يقف معي أي مهتم بالعمارة والتجديد. جددنا الكثير من مظاهر حياتنا، فبيوتنا تختلف عمّا كانت عليه في السابق، وحتى الأبنية والفنادق والأسواق... كله اختلف عمّا كان عليه في السابق، وصار على أحدث طراز. فلم التجديد في بناء المساجد صعب ومستحيل؟. 

هل تتوقعين أن يثير الأمر سجالًا كأي قضية أخرى تحتمل الحداثة في التفكير؟

من الممكن أن يثير الأمر في البداية سجالًا. لكن، لو تم بناء مسجد على هذا الطراز في أي دولة عربية أو إسلامية، أنا متأكدة من أن الفكرة ستنتشر، لأن ليس فيها ما يخلّ بالدين. بالعكس، المظهر حضاري جدًا، ويعطي صورة راقية عن المسلمين.

متى يمكن تحرير الإسلام من أفكار وقوالب تضرّ به أكثر مما تحفظه؟

نزل الإسلام في منطقة صحراوية، يمتاز أهلها بالتحفظ، وصعوبة التغيير ومواكبة الحضارة، لذلك بقي الدين الإسلامي الوحيد مقارنة بالأديان السماوية الأخرى، الذي لم يواكب الحداثة، وليس هو السبب، بل معتنقوه. حتى يتغير طبع أهل هذه المنطقة بالتدرج، علينا أن نبدأ بالطريقة التي تؤدّى بها الشعائر. 
فمع احترامي، أجد المسلمين يمتازون بالأصوات العالية، وعدم النظام والترتيب، والرجال والنساء غير معتادين على الاجتماع معًا في أماكن العبادة. للأسف، نجد نظرة غالبية المسلمين إلى المرأة نظرة جسدية جنسية، بعيدة عن الروحية والعقلية، وبناء مساجد بهذا الشكل واللقاء في بيئة روحانية على نحو مستمر يهذّب العلاقة بين الجنسين، وبالتالي يكون وقعه إيجابيًا وحضاريًا على المجتمع كله. كما إن الاعتياد على الجلوس على المقاعد بنظام وعلى الدعاء بصوت منخفض في إضاءة هادئة يهذب سلوك المسلمين بالتدريج. 

المرأة الإمام

ما موقفك من أن تؤمّ امرأة الصلاة؟

شاهدنا نساءً يأممن ويخطبن في مساجد في أوروبا وأميركا، آخرهنّ الأكاديمية اليمنية إلهام مانع، التي ألقت خطبة في مسجد في سويسرا، كما سمعنا عن السيدة أمينة ودود أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة فيرجينيا كومونولث الأميركية، وهي أول امرأة تؤمّ رجالًا ونساء في صلاة الجمعة. أثار هذا الموضوع سجالًا واسع النطاق، لكن في نظري، قبل أن نصل إلى هذه المرحلة، على مجتمعاتنا العربية المسلمة أن تتقبل فكرة امرأة تفتي، وفكرة برنامج ديني تقدمه امرأة، يسألها المشاهدون عن أمور الدين. 

إلى الآن، هذا حكر على الرجال، الذين يحتكرون التفاسير والكتب والبرامج الدينية والإفتاء. فكيف سيتقبل المجتمع أن تؤمّ المسلمين امرأة إذا منعها من الإفتاء وتقديم البرامج الدينية؟، لنبدأ أولًا بدار إفتاء للنساء، وبكتب دينية تؤلّفها نساء، وببرنامج ديني تقدمه امرأة، قبل أن نحثها على الإمامة في المساجد. أتمنى أن أرى مثلًا برنامجًا على فضائية عربية تقدمه امرأة ضليعة في الشريعة الإسلامية، كالدكتورة سهيلة زين العابدين، على سبيل المثال لا الحصر.