يمشي العالم على حد السيف في محاربته التطرف وخطاب الكراهية، لأن هذه الحرب ربما تتحول بسهولة إلى سلاح بيد السلطة تعزز به الرقابة على الاعلام وتكميم الأفواه الحرة. هذا كان المحور الأساس في ندوة «إيلاف» عقدت في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وارتكزت على حرية التعبير.

خاص بـ"إيلاف" من جنيف: هل يجب أن تؤدي الأمم المتحدة دورًا أساسيًا في مكافحة خطاب الكراهية والتطرف العنيف والاسلاموفوبيا في الاعلام؟ هذا كان السؤال الرئيس في ندوة خاصة، جمعت أكاديميين ودبلوماسيين، أقامتها «إيلاف» في قصر الأمم بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، في 22 يونيو الجاري، بالتعاون مع مكتب اتصال يونسكو بجنيف.

التوازن الصحيح

أقيمت هذه الندوة على هامش الدورة الثانية والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد التقرير الخاص الذي رفعه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون عن «التطرف العنيف». وكان بين المدعوين الصحافي والكاتب الإيراني الأصل أمير طاهري، فحاول في أثناء الندوة تقديم ردوده على الخطط التي تناولتها الندوة، والتي بحسب تعبيره «تحتوي على كلمات لها وقع عسكري، تدق في رأسي ناقوس الخطر، ككلمات معركة، حملة عسكرية، خطة تدخل، نظام، انتظام، حماية، وغيرها، كما هناك جمل وتعابير تختلف معانيها من متلقٍ إلى آخر، أو تلغي مكوناتها معناها، مثل تعبير التطرف العنيف، التي تعني أن المتطرف يمكن ألا يكون عنيفًا، وأن العنيف يمكن ألا يكون متطرفًا، من دون أن تصرّح فعليًا كيف يمكن أن تكون مصطلحًا مفهوميًا في ذاتها».

أضاف طاهري: «هاكم جملة أخرى، التوازن الصحيح، وهو التعبير الذي يصرّ الأمين العام على أن ننحته ونعتمده في الاعلام. لكن، هل هناك توازن غير صحيح؟ أو هل يمكن أن تكون منزلة بين المنزلتين، بمعنى 5 دقائق لهتلر، و5 دقائق لليهود؟».

&

لقراء النص باللغة الانكليزية
ELAPH CO-SPOSNORS UNESCO PANEL ON FREEDOM OF EXPRESSION

&

تكميم الأفواه

تناول طاهري مسألة وقف «خطاب الكراهية»، فقال إن الكره، كما الحب تمامًا، مسألة يصعب تعريفها فعليًا، كما أن الأمم المتحدة لم تقدم لها تعريفًا، «لذا في إمكان أيّ كان أن يتوسلها حجةً لتكميم الأفواه، وقمع حرية التعبير».

أضاف طاهري: «في هذه القاعة، تلاحقني أشباح سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، حين حاول حلف مؤلف من الكتلة السوفياتية وقوى من العالم الثالث أن يستخدم يونسكو وسيلة لتحقيق غايته في التحكم بالاعلام العالمي، وكثيرًا ما شككت في نيات المنظمات الدولية التي ما فتئت تحاول شرعنة خطة واحدة تلائم الجميع، يمكن استخدامها لضبط حرية التعبير وتنظيمها».

وتابع: «في تلك الأيام الصعبة، سمّي التحرك في ذلك الاتجاه "العالم الجديد لنظام المعلومات والاتصالات" The New World Information and Communication Order - NWICO الذي كان تابعًا للسوفيات وحلفائهم في أيام الحرب الباردة. عرض مهندسو هذه الخطة أن يصدروا تصاريح يونسكو الاعلامية للصحافيين حول العالم، وفرض القوانين الملزمة. وبكلمات أخرى، أرادوا تسييجنا بحجة حمايتنا. لكن الجهد المكرس لحماية حرية الصحافة قاد إلى هزيمة NWICO النكراء، وإلى انتصار الكلمة الحرة في العالم أجمع».

تصريح بالرقابة

تابع طاهري كلامه في الندوة، فقال: «اليوم، سيكون كل من يحاول إحياء هذا الوحش عرضة للطرد من هذه القاعة، وعلينا أن نصمد بقوة في وجه أي محاولة للتحكم بالاعلام، من خلال الأمم المتحدة أو يونسكو. كما أن أغلبية أعضاء الأمم المتحدة ويونسكو دول لا يمكننا وصفها بأنها من أبرز مريدي حرية التعبير، في أقل تقدير. وأن نطلب من هذه الدول أن تنظم عالم الاعلام من أجل الحد من خطاب الكراهية ومنع الاسلاموفوبيا هو بمنزلة منحها تصريحًا لتعزيز سياسة الرقيب التي تمارسها».

أضاف: «لعقود خلت، فشلت الأمم المتحدة في إثبات تعريف حقيقي لكلمة سلام أو كلمة إرهاب، وستفشل أيضًا في تعريف كلمة كراهية، وستعجز بالتالي عن تنظيم الاعلام، تحت شعار مكافحة خطاب الكراهية. وأكثر ما يمكن الأمم المتحدة ويونسكو أن تفعلاه هو إرساء أسس بيروقراطية جديدة، وليس "مكتب مكافحة خطاب الكراهية والاسلاموفوبيا" The Office of Combating Hate Speech and Islamophobia - UNOCHSI إلا مثالاً على ذلك، إذ سنجد أحد الطغاة الذين يتزعمون رابطة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يعين قريبًا له على رأس هذا المكتب، بينما يتبع أتباع هذا الطاغية المبادئ التوجيهية المرسومة لتعزيز الرقابة على الاعلام، تحت رعاية أسطورية من المجتمع الدولي».

تدفق حر للمعلومات

استمر طاهري في الكلام، فقال: «في وقت تعرضت فيه حرية التعبير لهجوم من طرف مجموعات عدة متعددة الانتماءات، آخر ما نريده هو بصمة قبول أممية على استمارة الرقابة. وما نحتاج إليه الآن هو تدفق حر للمعلومات التي لا يمكن إخضاعها لقوانين البيروقراطية وأنظمتها. وخلافًا للاستبداد ’النظيف‘ عنفيًا، تبقى الحرية فوضوية قليلًا، يصعب التحكم بها. إن لخطة الأمين العام نبرة رومنسية في سعيها إلى إدارة حرية التعبير، بأسلوب لا يهين أحدًا، وبقلم لا يُدسّ في الحبر المسموم. إلا أن الحرية ليست رومنسية، بل هي ثمرة مقاربة ركيكة لواقع وجوديّ يأخذ في الحسبان كل أخطائنا الإنسانية».

أضاف: «الأفضل أن تهتم الأمم المتحدة ويونسكو بأمورهما الخاصة. وإن كانتا تريدان أن تفعلا خيرًا فعليهما أن تتيحا مكانًا وفرصةً وموارد لأغلبية البشرية التي تمارس اليوم حقها الطبيعي في التعبير، وأن تكونا صوت الذين لا صوت لهم، وأن تطالبا الدول الأعضاء فيهما بأن تتوقف عن سجن الصحافيين، وأن تضعا مؤشرًا للحرية الصحافية من أجل فضح الأنظمة التي تعتمد كم الأفواه أداة للحكم».

حقيقتان

وختم طاهري قائلًا إن حقيقتين اثنتين تشجعانه على الاعتقاد أن هذه الندوة لن تدعم أي خطة لإعادة إحياء NWICO &ولو بقناع مختلف، «الحقيقة الأولى مفادها أن فنلندا مشاركة في رعاية هذه الندوة، ولم ننسَ أن فنلندا ومعها دول الشمال الأوروبي وبريطانيا كانت من أهم داعمي قضيتنا ومساعينا إلى تعزيز حرية التعبير في وجه تهديدات NWICO منذ أكثر من عقدين من الزمان، والحقيقة الثانية مفادها أن "إيلاف" تشارك في رعاية هذه الندوة أيضًا، وهي الصحيفة الالكترونية العربية الأقدم، والتي تطفئ اليوم شمعاتها الخمسة عشرة رائدةً في رفع لواء حرية الرأي في منطقة من العالم يسيطر عليها الظلام. وها هو عثمان العمير، مؤسس "إيلاف" وناشرها ورئيس تحريرها موجود بيننا اليوم ليشدد على هذه الرسالة».
&
أضاف: «أي كلام عن تنظيم حرية التعبير يضعنا على رأس جبل زلق، يؤدي بنا إلى رقابة تكمم حرية الرأي والقول، وهي حق إنساني أساس. ورسالتي إليكم جميعًا، بلسان كل الصحافيين في كل هذا العالم، رسالة بسيطة: لا تحاولوا أن تحاصرونا».