في العام 1956 أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، والتي نتج منها العدوان الثلاثي على مصر لاستعادة السيطرة على القناة واسقاط عبد الناصر، الى أن أصبحت تعد حرب السويس عودة إلى ماض أمبريالي آفل، وما زال العالم يعيش في ظل تداعياتها

عبد الاله مجيد: في مثل هذا اليوم قبل 60 عاماً وبالتحديد في 26 يوليو 1956 أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، وبعد ثلاثة أشهر، وفي 30 اكتوبر بدأت بريطانيا وفرنسا، بالتواطؤ سراً مع اسرائيل ، العدوان الثلاثي على مصر لاستعادة السيطرة على القناة وإسقاط عبد الناصر.

وباء الغزو الذي عارضته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك، في اتفاق نادر بين القوتين العظيمتين، بفشل ذريع وتوقف بعد ستة أيام، وما زالت دروس هذا الفشل تقوم بدور حاسم في سياسة الحرب والسلام اليوم. 

وعلى غرار حرب العراق، تسببت حرب السويس بانقسامات حادة في المجتمع البريطاني وانهت الحياة السياسية لرئيس الوزراء وقتذاك أنتوني أيدن. وحين توفي أيدن في عام 1977 كُتب في نعيه أنه "آخر رئيس وزراء بريطاني كان يعتقد أن بريطانيا قوة عظمى وأول من واجه أزمة أثبتت أنها ليست قوة عظمى".

من الأسباب الرئيسة لفشل حرب السويس، إلى جانب الموقف السوفيتي ، كان الضغط الأميركي على بريطانيا وخاصة رفض واشنطن دعم الجنيه الاسترليني الذي كان انذاك عملة ذات سعر ثابت. ولكن هارولد ماكميلان الذي تسلم رئاسة الحكومة بعد استقالة ايدن سارع الى ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة.

قوة فرنسا

أما العلاقات مع فرنسا فإنها تكبدت أضراراً اشد فداحة لأن الفرنسيين أرادوا تجاهل الضغط الأميركي ومواصلة حرب السويس حتى النهاية بدعوى أن قناة السويس مصلحة أوروبية تحديداً وأن الولايات المتحدة كانت ستتخذ موقفاً مغايراً لو جرى تأميم قناة بنما القريبة منها.

وكتب المستشار الألماني كونراد أديناور الى رئيس الوزراء الفرنسي قائلا “إن فرنسا وإنكلترا لن تكونا ابداً قوتين تضاهيان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، ولا ألمانيا ستكون قوة كهذه. وليس أمامهما إلا طريق واحد للقيام بدور حاسم في العالم هو الاتحاد لبناء أوروبا". وختم اديناور بالقول “إن أوروبا ستتيح لكم ان تثأروا". 

وأصبح الجنرال شارل ديغول الذي كان يراقب الوضع عن كثب ، رئيس فرنسا في عام 1958. وجعلته أزمة السويس ينظر بريبة أعمق الى "انكلترا الغدارة" التي كانت بنظره حصان طروادة أميركا في أوروبا. وكان تأثير أزمة السويس على "الوفاق الودي" بين فرنسا وانكلترا أفدح ضررا بكثير من تأثيره على العلاقات الأنغلو ـ أميركية.

 الامبريالية البريطانية

كانت أزمة السويس آخر صرخة يائسة للإمبريالية البريطانية ودبلوماسية المدافع، ولكنها تثير قضية كبيرة ما زالت بلا حل هي الحفاظ على النظام الدولي في حقبة ما بعد الإمبريالية، وفي القرن التاسع عشر كان تأمين النظام الدولي يتحقق من خلال مؤتمرات قمة غير رسمية للقوى الاوروبية الكبرى التي كانت تسيطر على القسم الأعظم من العالم ، وأسهم ذلك في الحفاظ على السلام من 1815 الى 1914 حين اندلعت الحرب العالمية الأولى. وبعد عام 1918 نشأت صيغة دولية جديدة محل التحالفات الأوروبية السابقة هي عصبة الأمم ثم منظمة الأمم المتحدة.

وظن كثيرون أن ازمة السويس أثبتت إمكانية الحفاظ على النظام الدولي من خلال الأمم المتحدة التي نددت بالعدوان الثلاثي. ولكن في حين أن الأمم المتحدة تحركت ضد بريطانيا وفرنسا وهما بلدان يحكمهما نظام ديمقراطي فإنها لم تتمكن من التحرك ضد الاتحاد السوفيتي حين قمع الانتفاضة الشعبية في المجر. وأرسلت الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام على الحدود المصرية مع اسرائيل ولكنها لم تتمكن من منع حرب الأيام الستة في يونيو 1967.

حكام العالم الثالث

وبحسب فيرنون بوغدانور أستاذ الإدارة الحكومية في كلية كنغ في لندن فإن أيدن كان أول رئيس وزراء بريطاني أدرك أن الخطر الحقيقي على النظام الدولي لم يأت من قوة ضعيفة وحذرة تخشى الخوض في مغامرات مثل الاتحاد السوفيتي المأزوم داخلياً ، بقدر ما يأتي من حكام العالم الثالث الدكتاتوريين واصفاً عبد الناصر بأنه حلقة في سلسلة من الحكام الدكتاتوريين العرب بينهم صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد.

وازداد البحث عن طريقة للتعامل مع هذه الأخطار التي تهدد النظام الدولي تعقيدا بظهور الحركات الإسلامية المتطرفة. فالتدخل في السويس عام 1956 باء بالفشل وكذلك غزو العراق عام 2003. وفي هذه الأثناء تقدم مأساة سوريا مثالا ساطعاً على ثمن عدم التدخل.

كثيرا ما تُعد حرب السويس عودة إلى ماض أمبريالي آفل ولكنها أصبحت مؤشرا إلى العالم الذي نعيش فيه ، وما زال هو يعيش في ظل تداعياتها.

اعدت إيلاف المادة عن صحيفة الديلي تلغراف البريطانية 

المادة الاصل هنا