تستخدم البشرية حتى الآن مركبات السليكون لإنتاج خلايا السولار، لكنّ العلماء الاميركيين من معهد ماساتشوسيتس يطرحون الآن إمكانية صناعتها من مادة خضراء مستمدة من ورق الشجر.

إيلاف من برلين: تعتبر المادة الخضراء في النباتات الوسط الأساسي المسؤول عن عملية التركيب الضوئي، التي تطلق الأوكسجين كناتج عرضى لها. لكن البشر، الذين يستهلكون البيئة بلا حساب، يأتون على 24% من المادة الخضراء التي تغطي سطح الكوكب. وعلى هذا الأساس، فإن انتاج الكهرباء من أوراق الأشجار المتساقطة يمكن أن يسهم في انقاذ المادة الخضراء على الأرض.

وذكرت مصادر معهد ماساتشوسيتس للطاقة في كامبرج أن المستقبل يعد باستخدام العشب المقصوص لإنتاج الكهرباء. وواقع الحال أن المعهد أنتج كهربائية ضئيلة من المادة الخضراء حتى الآن، لكنها طريقة واعدة باتجاه إنتاج طاقة أكبر في المستقبل.

إذ نجح العالم الفيزياوي اندرياس ميرشن، المتخصص في تحويل المادة البيولوجية إلى طاقة، في عزل جزيئة خضراء من النباتات يطلق عليها اسم "فوتوسيستيم-1" من المادة الخضراء في النباتات. ويفترض أن تكون هذه الوحدة سر عملية التركيب الضوئي التي تجريها النباتات وتنتج فيها الطاقة من ضوء الشمس.&

خطوة أولى

وكان العالم شوغوانغ زهانغ، من نفس المعهد، قد سبق ميرشن في عزل هذه الوحدة البيولوجية قبل فترة، لكن الأخير تمكن من بعث الاستقرار في تركيبتها ومن ثم إستخدامها لإنتاج الكهرباء. وكما في المادة الخضراء في النباتات، تحول "فوتوسيستيم-1 ضوء الشمس إلى مواد بيولوجية تستفيد منها النباتات، ويكون الناتج العرضي لها تيارًا كهربائيًا صغيرًا، وهو هدف كل من ميرشن وزهانغ.

قبل نحو سنة تمكن زهانغ من إنتاج تيار كهربائي صغير من فوتو سيستيم-1، لكنه لم يستطع تقصيه إلا بواسطة أجهزة كهربائية غاية في الدقة. ويفترض أن زميله ميرشن نجح الآن في تقوية هذا التيار 10 آلاف مرة. وما يبدو إنجازاً كبيراً هو في الحقيقة خطوة أولى، لأن هذا التيار يبقى صغيراً على الاستعمال. وقدر ميرشن نسبة إنتاج التيار الكهربائي من الشمس بهذه الطريقة بـ0,1% في حين أن معظم ألواح السولار اليوم ترتفع نسبة إنتاج &الكهرباء فيها إلى 20% من ضوء الشمس الساقط عليها.

أشجار نانوية

بينما عكف زهانغ يركز على زيادة قدرة إنتاج الكهرباء من فوتوسيستيم-1 وتكبير هذه الوحدة، ركز ميرشن على تكثير أعدادها. ويقول انه صنع غابة أشجار نانوية من مادة اوكسيد الخارصين، وكساها بطبقة رغوية من أوكسيد التيتان، ثم عمل على ملء الثقوب في الرغوة بوحدات فوتوسيستيم-1. وعملت غابة أوكسيد الخارصين كموصل ينقل الكهربائية المنتجة إلى سلك كهربائي.

بدورها، عملت جزيئات مادة أوكسيد التيتان النانوية، التي تستخدم في الدهون الواقية من أشعة الشمس على الشواطىء، على استقبال أشعة الشمس فوق البنفسجية، التي تموت وحدات &فوتوسيستيم-1 بدونها.

وذكر ميرشن ان غابات فوتوسيستيم-1 النانوية قادرة على التعويض عن المادة الخضراء في النباتات. وليس على العلماء في المستقبل الخشية من احتمال توقف هذه الوحدات عن العمل بفعل ما يتراكم عليها من غبار وأوساخ، لأنها تنظف نفسها بنفسها، كما تفعل الكثير من النباتات الطبيعية. وبرأيه أن الطبيعة تكيفت خلال مليارات السنين، ومن خلال مليارات من الخبرات الطبيعية، كيف تنظف نفسها، وان غابات وحدات فوتوسيستيم-1 النانوية ستتعلم ذلك.

عمل زهانغ، ومن بعده زميله ميرشن، على كسب وحدات فوتوسيستيم-1 من المادة الخضراء في النباتات بواسطة عملية الفصل المركزي (سنترفيوج)، لكنهم يبحثون الآن عن"أغشية" طبيعية لفصل هذه الوحدات. وهي طريقة أقل كلفة، وأكثر حفاظاً على وظيفة التركيب الضوئي في وحدات الطاقة الصغيرة.

ويعتقد ميرشن أن الخطوة الأولى في المستقبل ستكون إنتاج وحدات تكفي لإضاءة مصباح كهربائي بيئي يكون بديلاً في العالم عن فوانيس الكيروسين التي تلوث البيئة. ويمكن بعدها الانتقال إلى إنتاج الكهرباء من وحدات فوتوسيستيم-1 بطاقة أكبر. فالكهرباء، من وجهة نظره، الطريق للخروج من الفقر والانتقال من عالم الظلام إلى الحداثة.

استهلاك

على صلة بالموضوع، توصل العلماء النمساويون من جامعة كلاغنفورت، في دراسة نشرت حديثاً، إلى أن التطور الزراعي والسكاني البشري يقضي على ربع المادة الخضراء المسؤولة عن عملية "النتح" النباتية، أي تحرير الأوكسجين نهاراً و تحرير ثاني أوكسيد الكربون مساء، والمسؤولة عن كامل عملية التوازن البيئي على الأرض. وبنى العلماء النمساويون، بالتعاون مع علماء جامعة بوتسدام الألمانية، استنتاجاتهم العلمية على معلومات إحصائية عن عملية التغيّرات الطبيعية والسكانية في 161 دولة من دول الأرض. وتشكل هذه البلدان نحو97% من سطح الأرض الذي تعيش عليه النباتات. ونشر الباحثون نتائج أبحاثهم في مجلةPNAS &العلمية المعروفة.

وذكر البروفيسور هيلموت هابرل، من معهد الدراسات الاقتصادية الاجتماعية في جامعة كلاغنفورت، أن البشر يستهلكون 15,6 مليار طن من الكربون الموجود في النباتات سنوياً، أي ما يعادل 24% من المادة الخضراء في كوكب الأرض. ويستهلك سكان الأرض 53% من المواد الخضراء (النباتات) بهدف انتاج المواد الغذائية اللازمة لإنتاج الطعام . كما يستهلك البشر40% من النباتات القائمة على الأرض لأغراض توسيع المدن ومد الطرق وخطوط السكك وبناء المصانع. والأخطر من ذلك، والذي من المحتمل أن يزداد بفعل التحولات المناخية، هو أن الحرائق تأتي على نسبة الـ7% المتبقية من النباتات، وهي بمعظمها حرائق ناتجة عن أخطاء البشر المباشرة أو أخطائهم غير المباشرة (التحولات المناخية).

وقدر العلماء أن الإنسان يتدخل، يوماً بعد يوم، بشكل مطرد في دورات حياة الأشياء والأحياء على كوكب الأرض ويلحق أضراراً غير منظورة بتوازن النظام البيئي. وتبدو المناطق المتأخرة والكثيفة بالسكان مسؤولة أكثر من غيرها عن هذه التحولات. فسكان شرق آسيا يستهلكون 63% من البيئة الخضراء التي يعيشون عليها. يليهم سكان جنوب وشرق أوروبا (52%)، يليهم سكان غرب آسيا وشمال أفريقيا (42%). وتقع بلدان أوربا الوسطى في منتصف القائمة بحكم استهلاكها لنحو 40% من مساحاتها الخضراء، تتقدمها شمال أميركا بنسبة 24%.
&