إيلاف من الرياض:& بعد الطلاق البائن بين حزب العدالة والتنمية، وجماعة فتح الله غولن، إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، واتهام أردوغان للجماعة بتدبيرها، بدأت الحكومة التركية بموجبها بحملات اعتقال واسعة ضد المتورطين في المحاولة الانقلابية، فضلًا عن إغلاق المؤسسات التابعة للجماعة وتأميمها وتصنيف الجماعة بأنها إرهابية.

في خضم هذه الاحداث، برز العديد من التساؤلات حول مصير العمل الدعوي والتربوي الذي اضطلعت به الجماعة على مدى سنوات، ليس على مستوى تركيا وحسب، بل على مستوى العالم، حيث كانت الجماعة حركة اجتماعية دعوية تربوية ضخمة عابرة للقارات، ليبقى مصير هذه المكتسبات، والتي تحسب في النهاية للأمة التركية، التساؤل الأبرز في المشهد السياسي التركي.

"إيلاف" حاورت سلطان أحمد، الأكاديمي السعودي، والباحث في شؤون المنظمات والجماعات التركية، وطرحت العديد من التساؤلات حول مدى تأثير الأزمة على الاستحقاقات الدعوية في تركيا، ومن هو البديل المقترح للجماعة، وهل هناك احتمالات لتسوية الخلاف القائم في ظل الظروف الراهنة، ومن سيضطلع بالدور الروحي ومواجهة العلمانية المتطرفة بعد زوال الجماعة، تلك الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتور سلطان أحمد فكان لنا معه هذا الحوار:

برأيكم، ما مدى تأثير الأزمة بين حزب العدالة والتنمية وجماعة غولن على الاستحقاقات الدعوية والتربوية في تركيا؟

يمكن القول بيقين إن مسيرة العمل الدعوي المدرسي أو التعليمي ستتأثر، كون جماعة (الخدمة) تستحوذ على ما يزيد على 1000 مدرسة من المدارس النخبوية ذات الجودة التعليمية العالية، وعلى عشرات الجامعات والمعاهد ومراكز دروس التقوية، وكلها مؤسسات كان الطابع التربوي الدعوي فيها ظاهرًا (مدرسات محجبات - فصل بين الجنسين - مواعظ إيمانية)، فهي بالتأكيد ستتأثر، بل وربما يحجم أولياء الأمور عن إلحاق أبنائهم بأي مؤسسة يظهر عليها دعوى الجماعة وفكرها حتى لو كانت تحت مسميات جديدة، لكن في نظري أن بقية العمل الدعوي المسجدي والإغاثة لن يمسّ، لكون (الخدمة) قليلة التواجد فيه من قبل، فمن المعلوم أنها كانت تحرص طوال سنواتها الأربعين على التعليم والاقتصاد بشكل أساسي.

بعض التقديرات تتوقع أن زوال جماعة غولن، سيؤثر على ما يقارب 60 % من الجهود الدعوية والتربوية في تركيا، ما رأيكم؟

هذه التقديرات لا تستند إلى إحصائيات علمية، فإذا كانت جماعة (الخدمة) وهي إحدى جماعات فكر (بديع الزمان النورسي) تمثل 60 % من الحقل الدعوي، فأين ذهبت بقية الجماعات النورية الـ 11 الأخرى؟ وأين ذهبت الجماعات الصوفية النقشبندية ذات الانتشار الواسع؟ فضلًا عن بقية التيارات الصوفية الأخرى وحركة (المللي جورش) ذات النفس الأربكاني، والأوقاف والجمعيات الدعوية القريبة من تيار العدالة والتنمية. جماعة (الخدمة) ليست بالحجم الذي تشيعه عن نفسها، هي جماعة قوية ومنظمة بالفعل لكنها ليست جماهيرية.

هناك من يقول إن الخواء الروحي، وزوال ظواهر المجتمع المتدين، مهددات قد تحيط بالمجتمع التركي بعد زوال جماعة غولن... كيف تنظرون لهذا الرأي؟

ممارسات وطبيعة (الخدمة) كانت تميل على الدوام للاختراق والتسلل والتخفي، ويروى عن بعض أتباعها ممارسات تصل إلى حد (التقية) الدينية، وفي هذا السياق يصعب اعتبار غياب جماعة بوصلتها الأخلاقية "مرنة" بأنه مسبب للخواء وتراجع التدين، فضلًا أن أتباع (غولن) لم يكونوا معنيين بنشر التدين بصفة أساسية.

هناك مخاوف من عدم وجود بديل لجماعة غولن يقدم خدمات دعوية وتربوية، مما يؤثر على حجم القاعدة المتدينة التي تمثل الجمهور الحقيقي لحزب العدالة؟

حزب العدالة والتنمية منذ نشأته حرص على توسيع قاعدته الانتخابية بشكل كبير، نعم توجد في الحزب نواة صلبة من الإسلاميين الأقحاح، لكن الملايين من أعضاء الحزب هم من الجمهور العام، وخاصة سكان المدن الصغيرة وقرى الداخل الأناضولي، وهؤلاء ليسوا "مؤدلجين" بالمعنى الضيق للكلمة، هم تيار عريض من المواطنين الذين يريدون حكومة نظيفة وكفوءة تخدم مصالحهم وتحترم تراثهم.

هناك قراءات تقول إن الصراع الحالي بين الجماعة والعدالة، قد لا يكون مسببًا للانفصام النهائي، وانه لا بد من حصره على مستوى القيادات التي أدخلت الجماعة في أتون السياسة، فيما ستبقى العلاقة مع القيادات المحايدة والقاعدة مستمرة، وذلك عبر تسوية الخلاف القائم على قاعدة الربح للجميع؟

من الصعوبة اعتبار (الخدمة) فكرة أو ايديولوجيا يصعب اقتلاعها، نقطة ضعف (الخدمة) أنها نادّ أكثر مما هي تيار عام، أفراد هذا النادي هم نخبة يقدسون شخصية مركزية (فتح الله غولن) ويعملون على تحصيل كل أنواع القوة لأعضاء ناديهم (مال - إعلام - تعليم - نفوذ سياسي) وفي حال زوال الشخصية المركزية يتوقع الكثير أن تذوب المجموعة ويضمحل وجودها، فمن سيخلف (الخوجا أفندي) وكل الكرامات والتعليمات والكتب والخطط التي وضعها وهي تحت إشرافه المباشر؟، حتى هذه الساعة لم تبرز ولا شخصية واحدة يمكن أن توصف بأنها (خليفة) غولن المرتقب، ومن المعروف تاريخيًا أن جماعات النور التي تعترف بـ (الخدمة) إحداها انقسمت وتشظت بعد وفاة مؤسسها بديع الزمان سعيد النورسي، وتفرق أتباعها لغياب الرمز الجامع، والمصير نفسه ربما ينتظر (الخدمة) بعد غياب غولن، وحاليًا تشهد تركيا انشقاق بعض قيادات (الخدمة) وانتقالها لمعسكر الحكومة رغبة أو رهبة.

من يمكن أن يخلف الدور الذي كانت تقوم به جماعة فتح الله غولن، في مجالات الإعداد الروحي والتزكية الإيمانية والتكوين العلمي ومواجهة الأفكار الإلحادية والعلمانية المتطرفة؟

ربما تشهد الساحة الإسلامية الأيام المقبلة تآلفًا أكبر بين جمهور العدالة والتنمية وجمهور حزب السعادة والأربكانيين مع الإسلاميين المستقلين، وذلك بهدف تشكيل تيار دعوي صلب يمتلك أوقافًا ومؤسسات فاعلة على الصعد التربوية والإغاثية، وربما يمتد ليحل محل المؤسسات التعليمية للخدمة في داخل تركيا وخارجها.

استطاعت جماعة غولن أن تشق طريقها في وسط توحش علماني عسكري متسلط قبل نحو خمسين عامًا، ونجحت في تحقيق نجاحات، هل برأيكم انها ستعجز في مواصلة مشوارها في هذا الوسط الإسلامي الديمقراطي؟

كان يمكن لها أن تواصل نشاطاتها لو حصرت خلافاتها مع البقية في إطار التدافع الوطني السلمي، لكن الجماعة اختارت ومنذ العام 2012 أن تجابه حزب العدالة والتنمية بمزيج من القوة الصلبة والتسلط القضائي والشرطي الذي تطور حتى وصل لسفك الدماء وقصف المقار الحكومية وتهديد السلم العام واستخدام مقدرات الجيش، وهذا خروج على قواعد اللعبة بادرت به (الخدمة) وعليها أن تتحمل نتائجه، ولا يظن عاقل أن الدولة التركية ستسمح للجماعة بممارسة أعمالها باعتيادية بعد كل ما حصل.

أخيرًا، كيف تستشرف وضع العمل الاجتماعي الإسلامي في تركيا بعد تطهير الجماعة؟

القاعدة الشعبية للرئيس أردوغان اتسعت، وحزب العدالة هو اليوم أقوى من أي يوم مضى، والرأي العام الشعبي ساخط على ما جرى، وربما يصعب على (الخدمة) أن تسوق مظلوميتها في الداخل التركي، ربوع الأناضول مغلقة منذ يوم 16 يوليو أمام (الخدمة) وربما تجد فضاء أكبر لها في جمهوريات آسيا الوسطى إن نجت من تبعات التفكيك.

&