برشلونة: أوقفت السلطات الاسبانية الاثنين رئيسي المنظمتين الانفصاليتين الاساسيتين في كاتالونيا بتهمة العصيان في خطوة اعتبرتها حكومة الاقليم الانفصالي "استفزازا"، فيما اعطت مدريد رئيس كاتالونيا كارليس بوتشيمون مهلة جديدة تنتهي الخميس لتقديم إجابة "واضحة" حول ما اذا كان أعلن عمليًا استقلال الاقليم ام لا.

وأمر قاض في المحكمة الوطنية الاسبانية مساء الاثنين بوضع جوردي سانشيز الذي يقود رابطة الجمعية الوطنية الكاتالونية و وجوردي كوشارت، الذي يقود حركة ثقافية مؤيدة للاستقلال، قيد التوقيف الاحتياطي، بعدما وجهت اليهما تهمة العصيان.

وهما يواجهان حكمًا بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما إذا ما دينا. وللمجموعتين عشرات الآلاف من الانصار. وسارعت الحكومة الكاتالونية الى التنديد باعتقال القياديين الانفصاليين، معتبرة اياه "استفزازا" من جانب مدريد.

من جانبها، اعطت الحكومة الاسبانية رئيس كاتالونيا الانفصالي كارليس بوتشيمون الاثنين مهلة جديدة من اجل تقديم إجابة "واضحة وصريحة" حول ما اذا كان أعلن عمليا استقلال كاتالونيا بعد انقضاء مهلة اولى اكتفى في أعقابها برد لم يوضح فيه الالتباس الناجم عن ذلك.

واعلنت نائبة رئيس الوزراء الاسباني سورايا ساينز دي سانتا ماريا ان "الحكومة تأسف لقرار الحكومة الكاتالونية عدم الاستجابة لطلبها"، واعطت بوتشيمون مهلة تنتهي عند العاشرة من صباح الخميس (الثامنة ت غ) من اجل تقديم إجابة "واضحة وصريحة". 

وقال رئيس الوزراء ماريانو راخوي مخاطبا بوتشيمون "لا يزال أمامك الوقت للاجابة بشكل واضح ولا يقبل اللبس". تابع "آمل أن تجيب في الساعات المتبقية على المهلة الثانية بكل الوضوح الذي يريده المواطنون ويتطلبه القانون".

وكان بوتشيمون دعا راخوي الى اجتماع "في اقرب وقت ممكن" لحل أسوأ ازمة سياسية تمر بها البلاد منذ انتهاء نظام الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو في 1975. وأتت خطوة بوتشيمون مع انتهاء مهلة حددتها مدريد لتوضيح موقفه من مسألة الاعلان عن استقلال الاقليم.

الا ان رئيس كاتالونيا لم يعط في رسالته اجابة واضحة ونهائية على طلب مدريد توضيح الالتباس الناجم من إعلان بوتشيمون الاسبوع الماضي: "انا اقبل تفويض الشعب لكي تصبح كاتالونيا جمهورية مستقلة" في اعقاب استفتاء حظرته مدريد، وأيد خلاله 90 بالمئة من المشاركين استقلال الاقليم عن اسبانيا.

ثم ما لبث أن علق فورا تنفيذ الاعلان إفساحًا في المجال امام الحوار مع مدريد، التي سارعت الى رفض أي نقاش في المسألة.وحددت مدريد لوبتشيمون الاربعاء الماضي مهلة انتهت صباح الاثنين لتوضيح موقفه من اعلان الاستقلال، محذرة من انها ستفرض سيطرتها المباشرة على كاتالونيا، اذا أصر الاقليم المتمتع بالحكم الذاتي على الانفصال.

وكتب بوتشيمون في رسالة وجّهها الاثنين الى راخوي "سيكون هدفنا الاساسي في الشهرين المقبلين احضارك الى (طاولة) الحوار". الا ان وزير الخارجية الاسباني الفونسو داستيس قال ان رئيس كاتالونيا لم يعط جوابا واضحا.

واعلن داستيس في مؤتمر صحافي في لوكسمبورغ انه "من الواضح ان السيد بوتشيمون لم يعط جوابا، ولم يوفر الوضوح المطلوب منه". ويتابع الاتحاد الاوروبي الذي تعرّض لضربة بسبب بريكست، الأزمة في كاتالونيا بقلق، كما إنه أبدى تضامنه مع مدريد.

إضافة إلى التوتر القائم، مثل قائد شرطة كاتالونيا جوزيب لويس ترابيرو امام القضاء الاسباني في مدريد الاثنين لاستجوابه بتهمة العصيان وعدم منعه اجراء الاستفتاء المحظور في اكتوبر. ورغم مطالبة النيابة باحتجازه على ذمة المحاكمة، سمحت المحكمة له بالمغادرة من دون أن تحتجزه.

قد يواجه، ترابيرو الذي بات شخصًا ذي شعبية كبيرة في كاتالونيا لتعامله الجيد مع الهجمات الجهادية في برشلونة في اغسطس الفائت، حكما بالسجن يصل إلى 15 عاما إذا ما أدين بالعصيان.

التصدي للمشكلة
ويريد بوتشيمون وبعض حلفائه الانفصاليين اجراء وساطة مع مدريد حول مصير الاقليم وسكانه البالغ عددهم 7,5 ملايين نسمة، وهو ما ترفضه مدريد بشكل قاطع. وكتب بوتشيمون في رسالته الى رئيس الوزراء الاسباني ان قيامه "بتعليق التفويض السياسي الذي منحه اياه استفتاء الاول من اكتوبر يبرهن عن ارادتنا الصلبة من اجل ايجاد حل، وليس الصدام".

ودعا بوتشيمون في رسالته الى عدم السماح بمزيد من تدهور الاوضاع وجاء في الرسالة "بنية حسنة، واقرارا بالمشكلة وتصديا لها انا متأكد من اننا سنتمكن من ايجاد سبيل للحل". وكان وزير الداخلية الاسباني خوان ايناسيو زويدو قال ان مدريد تريد من بوتشيمون تراجعا تاما عن الاعلان.

وقال زويدو في مؤتمر صحافي في نهاية الاسبوع الماضي ان عدم اعطاء جواب واضح "سيظهر ان بوتشيمون لا يريد الحوار، وبناء عليه سيتعين على الحكومة الاسبانية اتخاذ التدابير الضرورية لاعادة الاوضاع الى طبيعتها".

بين المطرقة والسندان
وكاتالونيا منطقة صناعية غنية في شمال شرق اسبانيا تسهم في قرابة 20 بالمئة من الاقتصاد الاسباني، ولها لغتها الخاصة وتقاليدها وعاداتها الثقافية.

وأعلنت الحكومة الاقليمية ان 90 بالمئة من المقترعين ايّدوا الاستقلال، على الرغم من ان استطلاعات الرأي تشير الى ان الكاتالونيين منقسمين حيال هذه المسألة.

ويؤكد الانفصاليون ان المنطقة تدفع عبر الضرائب أكثر مما تجني عبر الاستثمارات والتحويلات من مدريد، وان انفصالها عن اسبانيا هو مفتاح ازدهارها.

وتقول الحكومة الاسبانية ان الضبابية في مسألة كاتالونيا، التي ترزح تحت وطأة ديون كبيرة لمدريد، والتي لا يمكنها الاستدانة من جهات خارجية، تعرقل تعافي اسبانيا من الازمة المالية.

ونقل اكبر مصرفين في كاتالونيا مقريهما الى خارج الاقليم، فيما أعلنت وكالة التصنيف "ستاندرد اند بورز" التي تدرس خفض تصنيف كاتالونيا ان المنطقة معرّضة للكساد في حالة استمرار الخلاف حول الاستقلال.

ويتعرّض بوتشيمون (54 عامًا) الصحافي السابق والاب لولدين لضغوط كبيرة من مدريد وقادة دول كبرى للتراجع عن اعلان الاستقلال، كما يتعرّض لضغوط داخلية من حلفائه الانفصاليين في كاتالونيا للمضي قدما في الانفصال عن اسبانيا.

ودفعت الازمة في كاتالونيا رئيس الحكومة الاسبانية الى التلويح بتفعيل المادة 155 من الدستور التي تجيز "تسلم إدارة المؤسسات" في الاقليم وهو أمر غير مسبوق. في المقابل هدد حلفاء بوتشيمون الانفصاليون باضرابات وتظاهرات حاشدة في حال التراجع.