مع اقتراب فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة الروسية تزداد التساؤلات حول إمكانية خوض فلاديمير بوتين لغمار المنافسة على المنصب من جديد.

إيلاف من موسكو: مع اقتراب الموعد الدستوري المقرر لفتح باب الترشيحات للانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا في مارس من العام القادم تتزايد حدة الجدل الذي يحتدم في الساحة السياسية الروسية حول مدى احتمالات ترشح الرئيس فلاديمير بوتين لفترة ولاية رابعة تمتد حتى عام 2024.

ورغم أن لا أحد يتصوّر روسيا دون بوتين خلال السنوات الست المقبلة، فإن هناك من يظل يُمني النفس بأمل الفوز بالمنصب الذي يظل للكثيرين من "المرشحين التقليديين" من ممثلي أحزاب المعارضة الروسية "المستأنسة" بعيد المنال، فضلاً عن مرشحين جدد، من المتوقع انضمامهم الى السباق دون سند موضوعي أو دعم جماهيري يُذكر. 

الرئيس بوتين لم يقل كلمته بعد. ولن يقولها قبل ديسمبر المقبل بما يتفق مع النص الدستوري الذي يحدد موعد الترشح في غضون المائة يوم الأخيرة قبل الموعد المقرر دستوريا للانتخابات في مارس 2018. 

"الخسارة المستدامة"

ومع ذلك، فقد بدأ كثيرون من "هواة" "الخسارة المستدامة" في الترويج لأنفسهم كمرشحين محتملين ومنهم ممثلو الاحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان مثل الحزب الشيوعي الروسي والحزب الليبرالي الديموقراطي المعروف تحت اسم "حزب جيرينوفسكي" القومي المتطرف، وحزب العدالة الاجتماعية ويمثله سيرجى ميرونوف رئيس مجلس الاتحاد السابق وأحد الرفاق السابقين للرئيس بوتين. 

وتقول استطلاعات الرأي بضآلة فرص المرشحين الثلاثة الذين لن تزيد نسبة افضلهم عن 10-12% على اكثر تقدير. وإذا أضفنا إلى هؤلاء جريجوري يافلينسكي مرشح حزب "يابلوكو" الذي لن يحصل على أكثر من 2-3% فإننا نكون أمام صورة بالغة القتامة، قد يزيد من ظلماتها الكسي نافالني مرشح المعارضة الذي تقف الاوساط الغربية مؤيدة لكل شطحاته وخطواته غير المحسوبة في معظمها. وتقول التقديرات المبدئية بعدم تمتعه بالدعم الشعبي الذي لن تزيد نسبته عن 2% . 

على ان هناك من النجوم الجدد من راح يظهر على استحياء من منظور التجديد ومحاولة اضفاء أجواء الإثارة على انتخابات روسيا المرتقبة، ومنها كسينيا سوبتشاك الإعلامية التلفزيونية وسيدة الاعمال التي تستمد شهرتها من اسم والدها اناتولي سوبتشاك احد ابرز نجوم الحركة الديموقراطية ابان سنوات البيريسترويكا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وأول عمدة لسان بطرسبورج في تاريخ روسيا المعاصرة والذي كان أول من دفع بفلاديمير بوتين الى صدارة عالم السياسة في النصف الاول من التسعينيات. 

وكانت كسينيا سوبتشاك تمردت على الكرملين ونظام حكم بوتين، الذي حرص ويحرص على عدم تعرضها لمضايقات الاجهزة، وفاءً لذكرى أستاذه ومعلمه سوبتشاك، وهو ما أتاح لها مساحة معتبرة من الشهرة والانتشار بما جعلها تقدم على الإعلان عن عزمها على خوض انتخابات الرئاسة منافسة لبوتين. 

"شعبية جيدة"

ورغم ان هناك من النساء من ترشحن لذات المنصب خلال الدورات السابقة، فان أيًا منهن لم تحظَ بمثل ما تحظى به سوبتشاك اليوم من إهتمام الاوساط السياسية والاجتماعية داخل روسيا وخارجها.

ويعزو الكثيرون في الساحة الروسية الصخب الذي يصاحب الحديث عن احتمالات انضمام كسينيا سوبتشاك "المثيرة للجدل"، والبالغة من العمر 35 عاما إلى سباق الرئاسة، الى الكثير من جوانب تاريخها ورحلة صعودها التي اتكأت فيها إلى كل أشكال الإثارة، ومنها ظهورها على أغلفة "مجلات الرجال"، والصحافة الصفراء، وتعمدها "مناكفة" أبرز نجوم المجتمع من ساسة وفنانين، وانضمامها إلى الحركات والاجهزة الاعلامية المعارضة للكرملين، فضلا عن ولوجها عالم الأعمال الذي تشغل فيه مساحة مناسبة تسمح لها بالوجود الدائم في كل المحافل والمناسبات الاجتماعية والسياسية.

ورغم اعلان سوبتشاك انها لا تملك بعد برنامجًا انتخابيًا يمكن الاعلان عنه، فإن هناك من الاخبار ما يشير الى اتفاقها مع فيتالي شكليار وهو أحد أبرز أبناء بيلاروسيا المعروفين بخبراتهم الواسعة في دعم المرشحين للرئاسة بما في ذلك في الولايات المتحدة الأميركية. 

على أن ذلك كله، سواء ما يتعلق منه بسوبتشاك أو غيرها من المرشحين سالفي الذكر لا يمكن ان يكون عقبة على طريق "الفوز المضمون" لفلاديمير بوتين المدعو الى اكتساح كل منافسيه مجتمعين من الجولة الاولي. وبهذه المناسبة نشير إلى أن بوتين فاز في كل الانتخابات الرئاسية التي خاضها اعتبارا من عام 2000 وفاز فيها جميعها من الجولة الأولى رغم كثرة عدد منافسيه الذين تجاوز عددهم في بعض الانتخابات 14 مرشحًا. 

شعبية بوتين

وتقول استطلاعات الرأي إن شعبية الرئيس بوتين في ازدياد مطرد، وانه يمكن ان يفوز بنسبة تزيد عن 75% إذا ما أجريت الانتخابات في الاسابيع القليلة المقبلة. ومن اللافت في هذا الصدد أن مشكلة ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا او كما تقول الأدبيات الروسية الرسمية "انضمام القرم الى روسيا بموجب نتيجة الاستفتاء الشعبي"، والتي تظل في صدارة أسباب خلافات روسيا مع الغرب وأحد أهم مبررات العقوبات المفروضة ضدها، تقف في صدارة الطفرة الكبيرة والارتفاع المتزايد لنسبة شعبية بوتين في الساحة الروسية. 

وتضاف اليها ايضا ما حققه بوتين من مكانة متميزة لبلاده في الساحة الدولية بما استعادت معها ما سبق وفقده الاتحاد السوفييتي السابق من مواقع على خريطة السياسة العالمية. ويذكر الكثيرون في هذا الصدد ما سبق وأعلنه بوتين في مؤتمر الامن الاوروبي في ميونيخ في فبراير 2007 حول رفض بلاده لعالم القطب الواحد، وانفراد قوة بعينها بالقرار الدولي بعيدا عن الأمم المتحدة والشرعية الدولية، الى جانب تأكيده لعزم بلاده على تحديث قواتها المسلحة واستعادة التوازن المفقود منذ استسلام سلفه بوريس يلتسين امام سطوة الولايات المتحدة وتوسع الناتو شرقا في تسعينيات القرن الماضي.

ولعل المتابع للشأن الدولي منذ بزوغ نجم بوتين في مطلع القرن الجاري يستطيع وببساطة رصد كل ما تحقق من متغيرات، طالت في السنوات القليلة الماضية الكثير من مناطق العالم وفي مقدمتها الشرق الاوسط التي عادت اليها روسيا لملء الفراغ الناجم عن تراجع سياسات الولايات المتحدة وهو ما حققه الرئيس الروسي من خلال عملياته العسكرية في سوريا، وما اتخذه من خطوات لمواجهة تبعات "الثورات الملونة" في الفضاء السوفييتي السابق، وما يسمى بـ"الربيع العربي" في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.