«إيلاف» من موسكو: لم يمضِ من الزمن الكثير منذ الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو ، حتى توالت الاحداث والتصريحات تباعًا تقول بقرب التوصل الى إنهاء الحرب في سوريا بعد احتدام الصراع المسلح الذي دام لما يقرب من الخمس سنوات.

فبعد الاعلان عن وقف الدعم المسلح للمعارضة السورية، وتصريحات وزير الدفاع الروسي سيرجى شويجو حول ان الحرب في سوريا تشارف على نهايتها، وما تلا ذلك من تصريحات للرئيس فلاديمير بوتين حول تحرير أكثر من 90% من الاراضي السورية والقضاء على التنظيمات الارهابية هناك، نقلت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن مصادر عسكرية – دبلوماسية تصريحاتها حول خطة تقول بأن موسكو قررت سحب بعض وحداتها العسكرية في سوريا.

وقالت الصحيفة إن "القوات الحكومية السورية صارت تفرض سيطرتها اليوم على 95% من الاراضي السورية ، وهو ما صار يعني انها لم تعد في حاجة الى كل ذلك الدعم العسكري من جانب موسكو، وأن السلطات الروسية تفكر في اجلاء عدد من وحداتها ومعداتها العسكرية هناك". ومن هذا المنظور تتوقع المصادر الروسية أن تقوم موسكو بتخفيض تعداد القوات الجوية – الفضائية التي طالما اعتمدت عليها موسكو في قصف مواقع "داعش" والتنظيمات الارهابية الاخرى.

لكنها قالت ان الحاجة تقتضي الابقاء على منظومات الدفاع الجوي، وإن اشارت الى ان القول الفصل يظل للقائد الاعلى للقوات المسلحة اي للرئيس بوتين. أما عن تفاصيل وأبعاد هذا "القول الفصل" فلم يكشف الكرملين النقاب عنها بعد، وقال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس بوتين ان مثل هذه "القرارات" لا يجرى الحديث عنها "علانية"، في نفس الوقت الذي أشارت فيه صحيفة "كوميرسانت" الى أن وزارة الدفاع الروسية رفضت التعليق على مثل هذه الانباء.

وقد جاءت هذه الانباء في توقيت مواكب لبدء أعمال الجولة السابعة من المشاورات حول التسوية السياسية السورية في الاستانة، واعلان الكسندر لافرينتيف رئيس الوفد الروسي المشارك في هذه المشاورات حول انه ناقش مع الرئيس السوري بشار الاسد المسائل المتعلقة بالتحول الى المرحلة الانتقالية لحل الازمة السورية.

حوار مشترك

وفي هذا السياق، دعا لافرينتيف فصائل المعارضة السورية الى التخلي عن الشروط المسبقة التي يحاول البعض التمسك بها شرطًا لبدء الحوار المشترك، مؤكدًا الاهمية الكبيرة للمشاورات التي تجري في الاستانة من أجل إستعادة الثقة المفقودة بين الاطراف المعنية ، وما تحقق من نجاح أسفر لاحقا عن عودة الكثيرين من النازحين السوريين إلى ديارهم في المناطق التي جرى تحريرها من التشكيلات الارهابية. وأعرب المسؤول الروسي عن أمله في سرعة تحرير ما بقي من أراضٍ سورية تحت سيطرة التنظيمات الارهابية خلال الاسابيع القليلة المقبلة.

وفيما تواصل وزارة الدفاع الروسية نشر بياناتها حول ما يتحقق من إنجازات على الارض السورية، يعرب الكثيرون من ممثلي الفصائل السورية عن ارتياحهم لما يحرزه الوسطاء الدوليون سواء في جنيف او الاستانة من نجاح في مجال الوساطة بين الاطراف السورية المعنية ولا سيما في مجال الاتفاق حول إنشاء مجموعات العمل بشأن إطلاق سراح الرهائن والمعتقلين وتسليم جثامين القتلى والبحث عن المفقودين . 

ورغم ما تثيره كل هذه الاخبار والتصريحات من أجواء تفاؤل بين ممثلي الاوساط السياسية والعسكرية والاجتماعية، فإن هناك ما يقول بظهور المخاوف التي تراود شعوب المناطق المجاورة تجاه الانباء المتداولة حول هروب الكثيرين من ممثلي "داعش" والتنظيمات الارهابية الاخرى من سوريا الى عدد من المناطق المجاورة في العراق حسب تصريحات الجنرال ايجور كوناشينكوف المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية. وعزا الجنرال الروسي ذلك الى حاجة التنظيمات الارهابية الى الدعم المالي والامدادات البشرية نتيجة ما تكبدته من خسائر وهزائم على الارض السورية.

العودة

ويقول آخرون ومنهم فاسيلي كوزنيتسوف مدير مركز الدراسات العربية والاسلامية التابع لمعهد الاستشراق في موسكو إن الكثيرين من فلول التنظيمات الارهابية سوف يحاولون العودة الى عائلاتهم في محاولة لمعاودة حياتهم المدنية الى حين ظهور الظروف الملائمة لاستئناف نشاطهم السابق، في نفس الوقت الذي سوف ينطلق فيه آخرون ممن صاروا عاجزين عن العودة الى أوطانهم بسبب التشريعات التي تجيز تعرضهم للحساب والعقاب، الى البلدان التي تشهد احتدام الصراعات الدموية مثل ليبيا واليمن ، او البلدان التي تكابد مقدمات الانفجار والصراعات المسلحة.

ويشير البعض الى كل من ماليزيا واندونيسيا في عداد البلدان التي قد يشد البعض من الارهابيين رحاله اليها، الى جانب أفغانستان وتاجيكستان وعدد من مناطق آسيا الوسطى التي طالما شهدت ولا تزال تشهد تصاعد نشاط التنظيمات والحركات السياسية والاحزاب الدينية المتطرفة مثل حزب التحرير الاسلامي. وكان الرئيس بوتين سبق وحذر من احتمالات عودة الآلاف من أبناء روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق ممن انضموا الى صفوف التنظيمات الارهابية في سوريا، الى اوطانهم السابقة لمواصلة نشاطهم الارهابي بعد القضاء على هذه التنظيمات.