«إيلاف» من لندن: طوى اقليم كردستان العراق اليوم صفحة تاريخية حافلة بمطالب الاستقلال او الانفصال عن العراق وتجربة للحكم الذاتي حصل فيها على مكتسبات لم يحققها أكراد الجيران في سوريا وتركيا وإيرن، ومعها خبت هالة الزعامة التي بناها رئيس الاقليم مسعود بارزاني لنفسه على مدى عقود ثلاثة من الزمن، فهوت بشكل مأساوي مثير خلال ساعات من الزمن وبشكل لم يكن يتصور أحد أن تتم بهذه السرعة وبهذا العجز الذي شل حركة الرئيس وأظهره سياسياً عاجزاً اكثر منه قائدًا لطموحات شعب تعرض لقمع واضطهاد.

واليوم الاول من نوفمبر عام 2017، أنتهت رئاسة بارزاني للاقليم الشمالي العراقي بعد انتهاء ولايته كأول رئيس للاقليم، والتي شغلها عام 2013 وتم تمديدها عامين بسبب الحرب ضد تنظيم داعش الذي احتل اراضيَ واسعة من العراق في صيف عام 2014. ومن الواضح ان النكسة التي حصدها بارزاني في الاصرار على تنظيم الاستفتاء في 25 من سبتمبر الماضي، والمعارضة الداخلية والخارجية الواسعة له، قد سرعتا في قراره بالرحيل مع هذا الفشل الذي حصده من ذلك الاصرار.

ويوم الاحد الماضي، اكد بارزاني في رسالة تليت في جلسة صاخبة لبرلمان الاقليم انه سيترك منصبه في رئاسة الاقليم في الاول من الشهر الحالي يوم انتهاء ولايته مؤكدًا انه سيقى جنديًا في قوات البيشمركة .

وقال بارزاني في نص رسالته " بالنسبة لمنصب رئيس الاقليم، فإنني أرفض استمراري في المنصب بدءًا من مطلع الشهر المقبل ولا يجوز تعديل قانون رئاسة الاقليم ولا يجوز تمديد عمر رئاسة الاقليم يجب ان تعقدوا اجتماعًا بأسرع وقت وحل المسألة من أجل الا يحدث فراغ قانوني في مهام وسلطات رئيس الإقليم وسأبقى أنا كبيشمركة".

بارزاني مسيرة طويلة من اجل حقوق الاكراد

ومسعود ملا مصطفى بارزاني من مواليد 16 (أغسطس) عام 1946 في مدينة مهاباد بكردستان إيران، حيث تزامنت ولادته مع يوم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني واقامة الكيان السياسي الكردي الجديد أي جمهورية كردستان في مهاباد التي لم تدم سوى مدة قصيرة من الزمن. . 

وبعد انهيار جمهورية كردستان في عام (1947)، اضطرت عائلة مسعود بارزاني مع مجموعة من بيشمركة الكرد وعوائلهم للرجوع إلى كردستان العراق، وبعد عودتهم ابعدوا من قبل النظام العراقي إلى جنوب العراق، ولكن والد السيد مسعود بارزاني الملا مصطفى البارزاني قائد الثورة الكردية توجه مع رفاقه إلى الاتحاد السوفيتي وبقوا هناك حتى عام 1958 لدى قيام الثورة التي اسست الجمهورية العراقية. 

وقضى مسعود بارزاني معظم أيام شبابه في سبيل تحقيق الهدف الذي كان الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامته قد وضعه لنفسه في عام 1961وهو الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان، وبعد ذلك الفيدرالية لكردستان في اطار العراق الديمقراطي كما يؤكد دائما.

وأصبح مسعود على رأس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسًا لجهاز الاستخبارات الكردي وارثًا مع شقيقه الأكبر إدريس (الذي توفي عام 1987) زعامة الحزب الذي أسسه والده، بمرور السنين ومع معاناة حلم الاستقلال الكردي من الحروب الإقليمية والصراع مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني والملاحقة المستمرة من قبل نظام صدام حسين اصبح بارزاني وجهاً سياسياً بارزًا وأملا لتحقيق طموحات الاكراد في تأسيس دولتهم المستقلة.

دور بارز بعد سقوط نظام صدام

وكان لبارزاني دور رئيس في معظم الاحداث السياسية للعراق الجديد بعد سقوط صدام عام 2003، وأيضاً في تأسيس مجلس الحكم العراقي والذي أصبح عضواً فيه وفيما بعد رئيساً له. وفي 12يونيو عام 2005 انتخب مسعود بارزاني كأول رئيس لإقليم كردستان من قبل المجلس الوطني الكردستاني العراقي. وفي الانتخابات الثانية التي جرت في إقليم كردستان في 25 يوليو عام 2009 حصل مسعود بارزاني على نسبة 70% من أصوات الناخبين، وبذلك انتُخب للمرة الثانية رئيسًا للإقليم وبصورة مباشرة من قبل مواطني الاقليم.

وبارزاني متزوج منذ عام 1965 وهو أب لثمانية أولاد .. ويتقن اللغات الكردية والعربية والفارسية بطلاقة ولديه المام باللغة الإنكليزية في المحادثة.

وبعد هجوم تنظيم داعش في يونيو عام 2014، أرسلت حكومة الإقليم قوات البيشمركة للمساهمة مع القوات العراقية في التصدي لزحف التنظيم فاستعادت مساحات كبيرة منه بمساعدة الطيران الأميركي.

منتقدون .. ومنتفعون 

يصف منتقدو مسعود بارزاني بحسب تقارير غربية الرجل بأنه عنيد وانتهازي ويتهمه خصومه بأنه فرض أبناء عائلته ومقربيه على الإقليم من خلال نظام قائم على الفساد والمحسوبية ينتشر في جميع قطاعات المجتمع.

ووصف رجل أعمال من الإقليم طلب عدم ذكر إسمه الوضع في ظل حكم بارزاني بالقول: "قادة عسكريون، رجال أعمال، مثقفون وموظفون رسميون كبار، المنتفعون من بارزاني يعدون بالآلاف".

البعض يعتبر أن بارزاني كان قليل الصبر والحذر وحتى متسرعاً ومتهوراً عندما نظم استفتاء على انفصال الإقليم فرضه على العالم أجمع دون طرف دولي واحد داعم له، ولا حتى أصدقاؤه الأميركيون المتحالفون معه في قتال تنظيم داعش داعمون له.

وبعد أقل من شهر على التصويت الكاسح للانفصال في الاستفتاء الذي نظمه تبدو الأمور صعبة بالنسبة لبارزاني ومريرة على الأكراد ليس فقط بخسارتهم لمناطق متنازع عليها أبرزها مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي يلقبها الاكراد "قدس كردستان"، والتي كانت تدر نحو نصف دخل الإقليم ولكنهم منقسمون كما هم معزولون على المستوى الدولي.

وللدفاع عن نفسه وسط هذه الصدمة السياسية التاريخية وأمام هذا الخطأ في الحسابات الجيوسياسية، ألقى بارزاني باللائمة في التطورات التي شهدها الإقليم على الأحزاب الكردية الأخرى التي اتهمها بـ"الخيانة العظمى"، متعهداً بالقول "أنا مسعود بارزاني نفسه أحد أعضاء البيشمركة وسأستمر في مساعدة شعبي في نضاله نحو الاستقلال".

وبعد سنوات من تمتع الإقليم بمستوى غير مسبوق من الحكم الذاتي، تواجه حكومته الأن أزمتين سياسيتين خطيرتين .. أولًا: في علاقاتها مع بغداد ،التي تبدو عازمة الآن على وضع نهاية لاستقلال الإقليم. وثانيًا: هناك أزمة داخلية بين الأكراد الآن ، وصراع بين الفصائل السياسية المختلفة حول كيفية التعامل مع التداعيات الحالية ومن الذي ينبغي أن يقود الآن حكومة الإقليم.

ورغم هذا الخروج المدوي كما يصفه محللون غربيون سيكون من التهور إعلان نهاية بارزاني، حيث لا تزال عائلته متجذرة في أركان السلطة بالإقليم : نيجيرفان بارزاني ابن إدريس شقيق مسعود الأكبر هو رئيس الوزراء وذو حضور في الإقليم، ومسرور ابن مسعود هو رئيس مجلس الأمن القومي في الإقليم المسؤول عن قوى الأمن في المنطق منذ عام 2012، فهما سيتوليان معظم صلاحيات رئيس الاقليم المغادر للسلطة الرسمية اليوم الاربعاء.