بروكسل: أصدر قاض إسباني مذكّرة توقيف أوروبية في حقّ رئيس إقليم كاتالونيا المُقال كارليس بوتشيمون، وفق ما ذكر محاميه البلجيكي للتلفزيون الفلمندي الخميس، في فصل جديد من أسوأ أزمة سياسية في اسبانيا في عقود.

وصرح المحامي بول بيكارت لقناة "في ار تي" ان "موكلي قال لي للتوّ إنّ (مذكرة الاعتقال) صدرت بحق الرئيس واربعة وزراء موجودين في بلجيكا". 

واضاف "هذا يعني عمليّا ان العدالة الاسبانية سترسل الان طلبا" الى مكتب المدعي الفدرالي في بروكسل لتسلّم بوتشيمون. 

وردًا على سؤال عما اذا كان بوتشيمون سيبقى في بلجيكا، اجاب المحامي "طبعا. لقد تعهّد التعاون بالكامل مع السلطات البلجيكية".

وبمجّرد ارسال طلب الى المحكمة البلجيكية من اجل تسليم هؤلاء، سيكون أمام المحكمة 60 يوما لدرس الملف.

وفي حال موافقة القاضي البلجيكي على طلب إسبانيا تسليم هؤلاء، فإنّ بوتشيمون سيتقدّم بطلب استئناف، بحسب ما أكّد محاميه. 

وكانت النيابة العامة الاسبانية قد طالبت في وقت سابق الخميس بإصدار مذكرة التوقيف الأوروبية هذه بحق بوتشيمون وأربعة من أعضاء حكومته المقالة بعدما رفضوا المثول امام قاضي التحقيق في مدريد.

وكانت النيابة الاسبانية قد استدعت 19 قياديًا انفصاليًا في اقليم كاتالونيا، على رأسهم رئيس الاقليم ورئيسة البرلمان فضلا عن وزراء ونواب.

وأمر قاض اسباني بوضع ثمانية من اعضاء الحكومة الكاتالونية المقالة قيد التوقيف الاحترازي، مثلوا أمام المحكمة للتحقيق معهم في اتهامات موجهة اليهم بإساءة استخدام السلطة، والتمرد والتحريض.

وقد تصل العقوبة القصوى للتهمتين الأخيرتين الى السجن بين 15 و30 عاما.

ومن المسؤولين الثمانية، اوريول جونكيراس نائب رئيس كاتالونيا المقال. 

ويشمل الامر القضائي ايضًا وزيرا سابقا في الحكومة الكاتالونية استقال قبيل اعلان البرلمان الاستقلال، لكن من الممكن الافراج عنه إذا دفع كفالة قدرها 50 ألف يورو (58 الف دولار).

وصباح الخميس، كان جونكيراس أول الواصلين إلى المحكمة الوطنية، تبعه ثمانية "وزراء"، فيما تظاهر عشرات الأشخاص على مسافة، هاتفين باللغة الكاتالونية "لستم وحدكم".

لكنّ آخرين صاحوا في وجوهم بازدراء ملوحين باعلام اسبانيا الصفراء والحمراء.

توازيًا، مثلت رئيسة البرلمان الكاتالوني كارمي فوركاديل إضافة الى خمسة نواب كاتالونيين أمام المحكمة الاسبانية العليا المختصة بقضيّتهم بسبب امتيازاتهم البرلمانية.

وأعلنت المحكمة العليا إرجاء جلسة الاستماع الى 9 تشرين الثاني/أكتوبر بناء على طلب وكلاء الدفاع. ولم يتمّ تحديد سبب هذا التأجيل لكن المحامين فوجئوا بمدة التأجيل القصيرة.

لا حل عبر المحاكم

يتّهم المدعي العام المسؤولين الـ19 بـ"تشجيع حركة عصيان في صفوف الشعب (الكاتالوني) في مواجهة سلطة مؤسسات الدولة الشرعية لتحقيق هدف الانفصال"، متجاهلين قرارات القضاء وبينها منع تنظيم استفتاء تقرير المصير في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وتؤكد السلطات الكاتالونية أن 90 في المئة ممّن شاركوا في الاستفتاء صوتوا لصالح الانفصال عن اسبانيا، فيما بلغت نسبة المشاركة في عملية الاقتراع 43 بالمئة، رغم تدخل الشرطة العنيف أحيانا لمنعهم من المشاركة وما تخلله من اطلاق رصاص مطاطي على الناخبين.

واعتمدت السلطات على هذه النتائج التي يتعذّر التحقق منها، لاعلان استقلال "الجمهورية الكاتالونية" في 27 تشرين الأول/أكتوبر. 

وبادرت الحكومة الاسبانية برئاسة ماريانو راخوي الى وضع اقليم كاتالونيا تحت وصايتها، فأقالت حكومته وحلّت برلمانه ودعت الى انتخابات اقليمية مبكرة في 21 كانون الاول/ديسمبر.

وقال أرتور ماس، رئيس هيئة الحكم الكاتالوني من 2010 حتى 2016، للصحافة في مدريد إنّ "النزاع بين كاتالونيا والدولة الاسبانية لن يتم حله عبر المحاكم والعنف".

أضاف "كلّما زاد الوقود والخشب الذي تلقيه في النار، كلّما كبرت".

تكتيكات مدبّرة 

ومن بروكسل، ندّد بوتشيمون الإثنين بـ"محاكمة سياسية" لقادة الاقليم، وعرض في بيان تكتيكا مدبّرا لتقسيم حكومته. 

فكتب أنّ البعض سيمثل أمام المحكمة الوطنية "منددا بارادة القضاء الاسباني في ملاحقة أفكار سياسية"، أما الآخرين فـ"سيبقون في بروكسل للتنديد أمام المجتمع الدولي بهذه المحاكمة السياسية".

واعتبر أحد أعضاء مكتب البرلمان الكاتالوني جوان جوزيب نويت، أنّ موقف بوتشيمون "غير مسؤول". 

وصرّح الأربعاء لراديو كاتالونيا "جميع الذين ذُكرت أسماؤهم للمثول، قد ينتهي بهم الأمر في سجن احتياطي".

وأوضح محامي بوتشيمون للتلفزيون الكاتالوني "تي في 3"، أنّ رئيس كاتالونيا المُقال "لن يذهب إلى مدريد. اقترحت استجوابه هنا في بلجيكا".

لفت انتباه الاعلام

يرى محللون في سلوك بوتشيمون استراتيجية انتخابية قبل 50 يومًا من انتخابات يأمل الانفصاليون الفوز خلالها بالأكثرية التي استغلوها في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 لبدء عملية الانفصال.

وصرّح المحلل السياسي فيرناندو فيلاسبين في مدريد لفرانس برس أنّ بوتشيمون يسعى بلجوئه لبروكسل، الى "لفت انتباه الاعلام أكثر مما يريد تجنب المثول أمام القضاء".

في برشلونة، تظاهر المئات احتجاجًا على الملاحقات القضائية، هاتفين "حرّية" و"بوتشيمون رئيسنا".

وقال الموظف المتقاعد جوردي سيغو (68 عاما) إنّ بوتشيمون "لم يهرب. انها استراتيجية سياسية (...) لاجبار الاتحاد الاوروبي على اتخاذ موقف"، فيما قالت متظاهرة اخرى "إنه بطل".

لكنّ الكاتالونيين أنفسهم منقسمين حيال الاستقلال عن اسبانيا.

فمعارضي الاستقلال يؤكّدون أن المنطقة ستحظى بنفوذ اكبر اذا بقيت جزءا من اسبانيا وأن تداعيات الانفصال على اقتصاد الإقليم ستكون كارثية.

ولم تعترف أي دولة باستقلال كاتالونيا. وأعلنت كل الدول الكبرى دعمها حكومة راخوي.

أدّى النزاع في كاتالونيا إلى انسحاب أكثر من 1600 شركة من الإقليم المضطرب. وهذا ما قد يخلق أزمة في كاتالونيا التي تسهم بنحو 19 في المئة من إجمالي ناتج إسبانيا الداخلي. 

وحذّر البنك المركزي الإسباني الخميس من أنّ كاتالونيا تواجه ركودا اقتصاديا إذا استمرّت الأزمة فترة زمنية أطول، ما قد يبطئ النمو.