واشنطن: أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب غضب الفلسطينيين وموجة تنديد تخطت الشرق الأوسط لتعمّ العالم، باعترافه الأربعاء بالقدس عاصمة لإسرائيل، في قرار يطوي صفحة عقود من السياسة الاميركية، ويخشى أن يثير موجة جديدة من اعمال العنف في الشرق الاوسط.

وبعدما خرجت مسيرات محدودة ليل الاربعاء في بيت لحم وجنين ورام الله ونابلس، أحرق مئات المتظاهرين في غزة أعلامًا أميركية وإسرائيلية وصورًا لترمب. وينزل الفلسطينيون الخميس إلى الشارع في رام الله في الضفة الغربية المحتلة.

وعمّ الاضراب الشامل الاراضي الفلسطينية الخميس بناء على دعوة من حركة فتح والفصائل الفلسطينية. وأغلقت المحال التجارية أبوابها، وأقفلت المدارس.

ودعي العاملون في مؤسسات السلطة الفلسطينية للخروج الخميس من أماكن عملهم والمشاركة في المسيرات.

ويكون ترمب بهذا القرار نفذ أحد ابرز وعوده الانتخابية، لكنه معزول على الساحة الدولية بفعل هذا الموقف الذي يهدد بتقويض الآمال المتواضعة في استئناف محادثات السلام، وبتأجيج الاوضاع في المنطقة، وقد عمت مواقف التنديد العالم. وانفردت اسرائيل بالترحيب.

واستنكرت السعودية، الحليفة التقليدية للولايات المتحدة، "خطوة غير مبررة وغير مسؤولة" في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي. وكان الملك سلمان حذر في اتصال هاتفي مع ترمب من "خطوة خطيرة تستفز مشاعر المسلمين كافة حول العالم".

واعتبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن موقف ترمب يمثل "اعلاناً بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة الدور الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية في رعاية عملية السلام".

وأكد أنه " لن يغير من واقع مدينة القدس، ولن يعطي أي شرعية لإسرائيل في هذا الشأن، كونها مدينة فلسطينية عربية مسيحية إسلامية، عاصمة دولة فلسطين الأبدية".

وتوعدت حركة حماس الاسلامية التي تسيطر على قطاع غزة بأن القرار ""سيفتح ابواب جهنم" على المصالح الاميركية، داعية الحكومات العربية والاسلامية الى "قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الادارة الاميركية وطرد السفراء الاميركيين لافشاله".

ووصفت حركة الجهاد الاسلامي في غزة القرار الاميركي بأنه "شهادة وفاة لمشروع التسوية".

واحتلت اسرائيل القدس الشرقية في عام 1967، واعلنتها عاصمتها الابدية والموحدة في 1980 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي وضمنه الولايات المتحدة.

ويرغب الفلسطينيون في جعل القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المنشودة.

وشملت موجة التنديد مصر والأردن وتركيا وكذلك الغرب، حيث أعربت فرنسا وبريطانيا والمانيا والاتحاد الأوروبي علنًا عن اسفها لقرار ترمب. واعتبرت الامم المتحدة ان لا تحديد لوضع القدس من دون التفاوض.

وجدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس تنديده بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، محذرًا بأن "اتخاذ مثل هذا القرار يضع العالم وخصوصا المنطقة في دائرة نار".

يوم "تاريخي" لإسرائيل

وقال ترمب في كلمة ألقاها من البيت الابيض مساء الاربعاء، "آن اوان الاعتراف رسميًا بالقدس عاصمة لاسرائيل"، مؤكدا أن موقفه يعكس "مقاربة جديدة" لهذا الملف الشائك. 

وسعيًا منه لتبني نبرة مهادنة بعد هذا القرار، أكد ترمب ان "الولايات المتحدة مصممة على المساهمة في تسهيل ابرام اتفاق سلام مقبول من الطرفين"، مضيفًا "أنوي بذل كل ما استطيع للمساعدة على ابرام اتفاق من هذا النوع".

وأكد تمسك بلاده بـ"حل الدولتين" داعيًا إلى إبقاء الوضع الراهن على ما هو في الاماكن المقدسة في القدس وبينها جبل الهيكل، الذي يسمى كذلك الحرم الشريف".

لكن بالرغم من هذه التصريحات، فإن مهمة صهره ومستشاره جاريد كوشنر الذي كلفه ترمب البحث عن تسوية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني تبدو اصعب من أي وقت مضى.

من جهة ثانية، أمر ترمب ببدء التحضيرات لنقل السفارة الأميركية الى القدس، وهو اجراء عمد الرؤساء الاميركيون الى إرجائه منذ العام 1995، تاريخ إقرار الكونغرس بأن القدس هي عاصمة اسرائيل وإصداره قرارًا ملزمًا بنقل السفارة اليها.

ورحب نتانياهو على الفور بقرار ترمب، واصفًا اياه بأنه "تاريخي"، وبأنه "قرار شجاع وعادل".

وتعهد نتانياهو بعدم إجراء أي تغييرات على "الوضع القائم" في الاماكن المقدسة في القدس، مؤكدًا ان القرار الاميركي لن يغير أي شيء في ما يتعلق بوضع الاماكن المقدسة للاديان السماوية الثلاثة.

اجتماع في الامم المتحدة

ويعقد مجلس الامن الدولي اجتماعًا طارئًا صباح الجمعة بطلب من ثماني دول منها مصر وفرنسا وبريطانيا. واعتبر الاردن ان اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل هو خرق للشرعية الدولية والميثاق الأممي.

واستنكرت مصر الاعتراف مؤكدة انها ترفض أية آثار مترتبة عليه، حسب بيان لوزارة الخارجية المصرية التي قالت إن "اتخاذ مثل هذه القرارات الأحادية يعد مخالفاً لقرارات الشرعية الدولية، ولن يغير من الوضعية القانونية لمدينة القدس باعتبارها واقعة تحت الاحتلال".

وعبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريح من الجزائر عن أسفه، داعيًا الى "تجنب العنف بأي ثمن".

واعلنت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل الاربعاء ان حكومتها لا تدعم قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وشجبت طهران بقوة قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، معتبرة انه ينذر بـ"انتفاضة جديدة".

واعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي الاربعاء في بيان أن المملكة المتحدة "لا توافق" على قرار ترمب. وإقرارا منه بأن موقفه لن يحظى بالتأييد في العالم، دعا ترمب إلى "الهدوء والاعتدال ولكي تعلو اصوات التسامح على اصوات الكراهية".

ورأى رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس ان الخطر الحقيقي في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليس أنه يهدد بتقويض عملية السلام المتعثرة أساسًا، مشيرًا الى أن "الخطر هو أن يؤجج التوترات ويقود إلى العنف في وقت يشهد العالم توترًا وعنفًا طائلين".