دوما: تصرخ دانيا متألمة في مركز لغسيل الكلى في مدينة دوما المحاصرة قرب دمشق، حيث يستقبل مسؤول الفتاة البالغة من العمر 14 عاما، في غرفة لا يعمل فيها سوى ثلاثة اجهزة نتيجة النقص الكبير في معدات علاج المرضى.

دانيا من بين عشرات المرضى الذين يتلقون العلاج في هذا المركز الذي انشأ في العام 2013 في طبقة سفلية لاحد المباني، وهو عبارة ببساطة عن قاعة تتضمن خمسة اسرّة للمرضى، وسبعة اجهزة غسل الكلى، لا يعمل منها سوى ثلاثة.

سارعت عائلة دانيا الى نقلها الى المركز، بعد نوبة وجع حادة لإجراء جلسة غسل كلى، باتت امرًا نادرًا في دوما. ينظر مسؤول المركز محمد الصادق الى التحاليل التي اجراها لدانيا، ويقول: "انها المرة الاولى التي ارى فيها ارقاما مرتفعة بهذا الشكل".

الى جانبه والدة المريضة تحاول ما بوسعها تهدئة ابنتها، فتمسح دموعها وتضع يدها على رأسها. يعاني سكان مدينة دوما المحاصرة من قبل قوات النظام منذ العام 2012 من نقص في المواد الاساسية، ولم تدخل لهم اي مساعدات انسانية منذ اكتوبر ما فاقم الوضع سوءا.

يقول صادق "توفي في شهر فبراير ثلاثة اشخاص نتيجة تأخر دخول المواد اللازمة لاجراء جلسات غسل الكلى" مقارنة مع ثلاثة فقط في العام 2016. ونتيجة النقص في المواد، وفق صادق، "تم تخفيض عدد الجلسات لكل مريض". 

ويوضح "المريض الذي كان يخضع لجلستين او ثلاث في الاسبوع بات يكتفي بجلسة واحدة. ومع تأخر ادخال المواد اكثر، اجبرنا على القيام بجلسة واحدة كل عشرة ايام".

ترحموا عليّ
تتطلب جلسة غسل الكلى معدات عدة، بينها ابر وانابيب ومصافي، اضافة الى مواد التنظيف الضرورية وحبوب الفيتامينات والهرمونات فضلا عن دواء خاص بضغط الدم يجب على المريض تناوله بين الجلسات. ونتيجة الحصار، يعتمد مركز غسل الكلى على المعدات والادوية التي تؤمنها قافلات مساعدات الامم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الاحمر والهلال الاحمر السوري.

ومنذ اكتوبر، ومع تضييق قوات النظام حصارها على دوما، ادخل الهلال الاحمر السوري مرة واحدة في التاسع من مارس مواد لـ"250 جلسة غسل كلى" ما يكفي المركز لشهر واحد فقط. وخلال علاجه دانيا، ابلغ صادق اهلها "الحمد لله انها اتت اليوم، لو كانت اتت قبل يومين لما كنا قادرين على ان نقدم لها اي شيء بسبب النقص في المواد". ويقول "منحت تلك المواد الفتاة الفرصة للبقاء على قيد الحياة".

لكن هذه المواد لن تدوم طويلا، ومصيرها الانتهاء، وبالتالي سيجد عشرات المرضى انفسهم مجددا من دون جلسات غسيل الكلى الضرورية لانقاذ حياتهم. في مركز غسل الكلى، تنتهي خيرية (58 عاما) من جلستها، يمسك زوجها بيدها وتتوجه بالسؤال الى صادق عن موعد الجلسة المقبلة ليأتيها الجواب مفاجئا "الاسبوع المقبل".

تسأل خيرية "لماذا الاسبوع المقبل؟، انا مرهقة جدا". ويجيبها صادق بخجل "هذه هي قدرتنا، الكمية (المواد) التي حصلنا عليها لا تكفي لشهر". تخرج خيرية من المركز مرددة "اذا لم اتمكن من المجيء الجلسة المقبلة، ترحموا عليّ".

المركز او القبر
تقوم منى (30 عامًا) بجلسات غسل كلى في المركز منذ انشائه قبل اربع سنوات، وهي تعاني حاليا ايضًا من انقطاع المواد. وتروي "كنت اقوم بثلاث جلسات اسبوعيا، وحين تراجعت المواد بت اكتفي بجلستين والآن اقوم بجلسة واحدة في الاسبوع". وتضيف "الأدوية قليلة جدا (...) حتى اننا لم نعد قادرين على الوقوف".

ونتيجة الحصار انقطعت ايضا الادوية الضرورية للعلاج الى جانب الجلسات. وتقول منى "اذا استمر الوضع على هذه الحال لن نكون قادرين على العيش اكثر"، مضيفا "اذا انتهت المواد غدا لن يكون هناك امامي اي حل".

وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات النزاع الذي تشهده سوريا منذ العام 2011 الى سلاح حرب رئيس تستخدمه كل اطراف النزاع. ويعيش عشرات الآلاف في مناطق محاصرة بغالبيتها من قوات النظام واخرى يصعب الوصول اليها.

يعيش محمد (47 عاما) في قلق دائم من ان يأتي يوم يجد نفسه فيه من دون علاج تماما. وهو الذي يعاني من القصور الكلوي منذ العام 2005، وكان يتلقى العلاج قبل بدء النزاع في سوريا في مستشفيات دوما او دمشق.

ونتيجة الحصار، لم يبق امامه سوى خيار البقاء في دوما وانتظار دخول المساعدات للقيام بالجلسات او حتى الحصول على ادويته الضرورية. ويقول محمد "لم اتوقف عن العلاج الا خلال الازمة". يضيف "المواد هي روحنا، من دونها لن نقدر على العيش".

لم يبق امام مرضى القصور الكلوي في دوما اي مكان يلجأون اليه الا هذا المركز بمعداته القليلة. يقوم وليد شماع (65 عاما) بجلسات غسل كلى منذ ست سنوات. ويلخص حاجته للعلاج بالقول "حياتنا مرتبطة بهذا الجهاز، اذا توقف الغسل تتوقف حياتنا".

تدهور وضع وليد الصحي اكثر واكثر مع نقص المواد وتم اسعافه في احدى المرات الى المركز لانقاذ حياته. ويقول "ليس لدينا سوى هذا المركزـ ليس هناك سوى المركز او القبر".