تظاهر السبت تونسيون ضدّ مشروع قانون تقدم به الرئيس الباجي قائد السبسي يقضي بالمصالحة مع من ثبت فسادهم في عهد بن علي. وهددت حملة (مانيش مسامح) بالتصعيد ضدّ القانون حتى اسقاطه.


مجدي الورفلي من تونس: عادت تونس لمناقشة الملف الاكثر إثارة للجدل والانقسام، والمتمثل في عرض مشروع قانون للمصالحة مع موظفين ورجال اعمال ثبت فسادهم خلال حكم نظام بن علي. والقانون تقدم به رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ويقول معارضوه إنه&يمضي نحو المصالحة دون محاسبة او اعتذار، بل ويقدم امتيازات للمدانين، فيما يعتبر مساندو القانون أنه سيُوفر موارد مالية هامة للدولة ويطوي&صفحة من صفحات الماضي.

ويحتدم الجدل للمرة الثالثة في تونس بسبب مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي المتمثلة في مشروع قانون المصالحة الإقتصادية مع موظفين كبار في الدولة ورجال اعمال متورطين في الفساد المالي خلال حكم زين العابدين بن علي، الذي هرب من تونس في 14 يناير 2011.

ومنذ اعلان البرلمان يوم الاربعاء الماضي عن الانطلاق في مناقشته رسمياً مرة أخرى، عادت المعارضة الشديدة من طرف طيف سياسي واسع وعشرات من منظمات المجتمع المدني لمشروع قائد السبسي، الذي ترى فيه تلك الحساسيات ردًا لجميل رجال اعمال فاسدين موّلوا حملة السبسي الانتخابية في 2014 وحماية لهم، ويتشبثون بتطبيق مسار العدالة الانتقالية.

لن اُسامح...

السبت، نظم شباب حركة "مانيش مسامح" (لن أُسامح) المؤيد لتطبيق مسار العدالة الإنتقالية مسيرة ووقفة احتجاجية بالشارع الرئيسي للعاصمة تونس، للتعبير عن معارضتهم لمشروع قانون المصالحة الإقتصادية والمالية.

وفق ما افاد عضو الحركة الشبابية وسام الصغير لـ"إيلاف"، فالاحتجاج لن يقتصر على العاصمة، إذ انه سيشمل عددًا من المحافظات التونسية خلال الايام المقبلة.

أرجع عضو الحركة الرافضة للمصالحة، التي تقدم بها الرئيس التونسي، رفضه القطعي لمشروع القانون لما يمثله من خرق للدستور وقانون العدالة الانتقالية الذي تأسست بموجبه هيئة "الحقيقة الكرامة" الموكل لها تطبيق المسار المنشود، واتباع مبدأ كشف الحقيقة والمحاسبة والاعتذار من الشعب التونسي على الفساد المُرتكب، ومن ثم المصالحة.

وكشف الصغير أن حركة "مانيش مسامح" ستنطلق في التنسيق مع كل الرافضين للمصالحة خارج إطار العدالة الانتقالية لتنظيم مسيرة ضخمة توقف مناقشته في البرلمان، كما حصل مرتين في السابق.

تضم حركة "مانيش مسامح" أكثر من ثلاثين منظمة وجمعية وشخصيات مستقلة، وقد أعلنت الحملة ما أسمته "حالة طوارىء شعبية" ضد مشروع قانون المصالحة.

وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تقدم في يوليو 2015 بمبادرة تشريعية متعلقة بالمصالحة الاقتصادية والمالية، ولكن حينها دخلت البلاد في أزمة سياسية، مما جعل مشروع القانون يستقر على رفوف البرلمان، ليُعاد طرحه مرة أخرى في فبراير 2016 واندلعت على اثره ازمة سياسية اشد بعد اعلان أحد مستشاري الرئيس السبسي أن التظاهر ممنوع في ظل حال الطوارئ المفروضة في البلاد، ولكن المعارضة خرجت للشارع حينها، ليقع مجددًا التخلي عن مناقشة مشروع القانون في البرلمان.

أبدًا ابدًا ابدًا لن يمر&

الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي خلال افتتاح مؤتمر حزبه "حراك تونس الإرادة" السبت، قال انه في حال إصرار منظومة الحكم "الحالية على تمرير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، فإنه سيدعو الشعب التونسي للتظاهر السلمي والنزول إلى الشوارع في يوم غضب وطني".

وأكد المرزوقي، وهو محاط بعدد من شباب حزبه، وأمام مئات من مناصريه، أن الثورة "قامت من اجل محاربة الفساد والمفسدين،&وانه لا يقبل بعودته".

وقال: "مأساة وطنية أن تقوم الثورة لمحاربة الفساد، والمنظومة الحالية ترغب باسم الديمقراطية في تبني&الفساد...أبدًا ابدًا ابدًا لن يمر قانون المصالحة الاقتصادية".

على الاغلبية الحاكمة التعقّل

في ذات سياق الرفض القطعي لمبادرة الرئيس التونسي، أفاد الامين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي لـ"إيلاف" أنّ المسالة تتعلق بـ"تمرير قانون التحيل المسمى بقانون المصالحة".

يضيف: "نرى أن تمريره من قبل المجموعة الحاكمة هو بمثابة إعلان أنها تريد استغفال التونسيين، مما ستكون له تداعيات خطيرة من الممكن ان تؤدي&الى المطالبة بتغيير الحكومة".

وخلص السياسي التونسي المعارض الى أن المرحلة تقتضي ان تتعقل الاغلبية الحاكمة لأنها تعلم أن قانون المصالحة لا علاقة له برفع الظلم عن الموظفين، فهناك أكثر من وسيلة ومنها تنقيح القوانين، بل غايته حماية الفاسدين من رجال الأعمال والعاملين في البنوك، وتمريره سيكون مؤشراً على انهيار حلم دولة العدل.

النهضة تؤيد المصالحة ولكن...

حركة النهضة التي تمثل كتلتها النيابية الكتلة الاكبر في البرلمان (69 نائبًا) لم تصدر موقفها الرسمي من مبادرة حليفها الباجي قائد السبسي الى الساعة، ولكنها اعلنت السبت ان مكتبها السياسي نظم ندوة حول مشروع قانون المصالحة، دار خلالها حوار معمّق بين مختلف مؤسسات الحركة والمتمثلة في المكتب التنفيذي والمكتب السياسي والكتلة البرلمانية، ومكتب مجلس الشورى ومكتب العدالة الانتقالية من اجل بلورة أولية لموقف الحركة من مشروع القانون قبل عرضه على مجلس الشورى، وهو السلطة الاعلى في حركة النهضة.

قالت النائبة في كتلة حركة النهضة (الاسلامية) النيابية بالبرلمان يمينة الزغلامي، في تصريحات اعلامية، إن حزبها "يساند المصالحة الشاملة رغم ما تعرضوا له من انتهاكات وقمع قبل ثورة 14 يناير 2011"، ولكنها اكدت في المقابل انها ونواب الحركة الإسلامية "لن يمرروا قانوناً مخالفاً للدستور ويمس من مسار العدالة الانتقالية ويبيض الفساد". وقالت الجمعة "لن تتم المصادقة على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية إلا بعد تعديل الصيغ غير الدستورية".
&&
توفير أموال للدولة

حسونة الناصفي، نائب في البرلمان عن حزب "حركة مشروع تونس"، الذي يساند مبادرة قائد السبسي، اعتبر من خلال تصريح لـ"إيلاف"، أن المصالحة الاقتصادية والمالية "ضرورة في المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، فمن جهة ستوفّر للدولة أموالاً مهمة يمكن ان تساعد في خلق مواطن شغل التي تطالب بها عديد الجهات، كما أنه لا فائدة من إلقاء المتورطين في الفساد المالي والإداري في السجون، مما يجعل الافضل للجميع استرجاع الأموال".

اما رئاسة الجمهورية في تونس صاحبة المبادرة، فإنها تعرّف مشروعها، القانون المثير للجدل، بكونه "شاملاً لكل التونسيين الذين لم تتعلق بهم جرائم خطيرة أو أضرار للدولة، فيما يُفرض على من ثبت أنه استفاد من منصبه ومن المال العمومي إعادة ما غنمه مع إضافة نسبة 5 في المائة، تُوجّه إلى مشاريع تنموية داخل البلاد، وبذلك تطوى صفحة الماضي بصفة نهائية".&
&
يُذكر ان قانون العدالة الانتقالية صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي في ديسمبر&2013، وأُحدثت بموجبه هيئة تتكفل بتطبيق مسار العدالة الانتقالية تُسمى "هيئة الحقيقة والكرامة" وتتركب من عدد من اللجان، إحداها مختصة في التحكيم والمصالحة في كل ما يتعلّق بقضايا الفساد المالي والإقتصادي.

وحدد القانون مدة عمل الهيئة بأربع سنوات قابلة للتمديد سنةً ولمرة واحدة، وتتمثل مهامها في "كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة الممتدة من الأول من يوليو 1955، أي بعد نحو شهر من حصول تونس على استقلالها الذاتي من الاستعمار الفرنسي، الى حدود 31 ديسمبر&2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم.