إيلاف من بغداد: على الرغم من احتفالات العراقيين اليوم الاثنين بعيد العمال إلا أن معاناة العامل المستمرة والمتمثلة في ظروف العمل غير الجيدة كانت السبب في أن يجد الكثير من الشباب ضالتهم في الاسواق والشوارع بدل المعامل الأهلية والسعي&إلى وظيفة حكومية لأنها أكثر راحة.

وقد دفع هذا الوضع البعض إلى طرح تساؤل مشروع: هل أصبح العامل العراقي كسولاً؟ وهل أصبح القطاع الخاص بحاجة إلى عمال اجانب للنهوض به بعد ان وجد الشاب العراقي العاطل عن العمل ضالته في "البسطات" او التجول بين السيارات قرب السيطرات؟&

يقول أحد أصحاب المعامل في الازقة الضيقة لشارع الرشيد، "إن الصناعة العراقية بحاجة إلى العامل الاجنبي!" هذه المطالبة تدفع للاستغراب لا سيما مع البطالة المستشرية في البلد التي وصلت نسبتها إلى حوالي 30 بالمائة، فيما الشوارع والاسواق تشكو من كثرة الباعة الذين اضطروا إلى ذلك لعدم وجود اعمال توفر لهم متطلبات المعيشة.

وعند استطلاع الأوضاع في بعض الاماكن التي تكثر فيها المعامل الأهلية في قلب بغداد، كانت الدهشة أن البعض يعمل في غرف صغيرة جدا وغير صحية وتحت رحمة أصحاب المباني وارتفاع قيمة الايجار ومعاناتهم من المستورد، وكانت إجابات العمال "انهم يحمدون الله انهم يعملون ليعيلوا اسرهم".&

ويبدو أن الشكوى الاكثر إثارة هي هروب الكثير من أصحاب الايدي العاملة الماهرة بعد أن وجدوا أنفسهم أمام عملية سهلة للعمل في الادارات الحكومية بحجة (مفصولين سياسيين).

وأكد مؤيد كاظم، صاحب معمل أهلي أن "العامل سرعان ما يترك العمل من دون عذر". وقال: "مات من المصلحة هذه جزء كبير، ومن الصعوبة تعويضه، ومن ذلك اليد العاملة، فهذه صناعة حرفية ولا يمكن ان تحيا الا بحالة واحدة وهو ان يرجع العامل الاجنبي مثل المصريين الذين كانوا يعملون بكثرة في بغداد، وبصراحة هم من ابقوا علينا في تلك المدة خاصة في التسعينيات".

وأضاف: "لا نستطيع الان أن نعتمد على عمال جدد، لان العامل الصغير الذي نربيه سرعان ما يغادرنا، وبصراحة اصبح العامل العراقي متعبًا لنا فهو يعمل لوقت محدد لشراء حاجة معينة له، العامل العراقي مزاجي ولا يمكن الاعتماد عليه تماما".

وتابع: "العامل العراقي لا يثيت في مكان وسرعان ما يترك العمل بدون أي عذر معقول، فالعامل العراقي ذهب للتطوع في سلك الشرطة والجيش على الرغم من الاجرة الاسبوعية للعامل الواحد لدينا من 300 - 350 ديناراً، نحو (250 - 300 دولار)، ربما يعتقد العمال أن هذه المهنة بلا مستقبل، ولكننا نرى الالاف منهم في الشوارع والاسواق ومنهم من لا يحصل على ربح يومي يكفيه".

وختم بالقول: "من الممكن أن تسهل الحكومة الامر، فيأتي عمال جاهزون وحرفيون من الخارج".

سحب مليون عامل

وفي زيارة إلى بعض المعامل الأهلية لاستطلاع أوضاع الصناعيين وواقع العمل العراقي، يظهر التناقض واضحًا ما بين استشراء البطالة ورفض العمل في المعامل رغم أن الاجور التي يحصل عليها العمال أفضل.

وقال الصناعي جواد كاظم: "الحكومة أصدرت قرارًا بتعويض المفصولين السياسيين وذوي الشهداء بتوظيفهم، هل تعرف انه كلف الدولة اكثر من مليون موظف إضافي، يعني ان هذا القرار سحب اكثر من مليون يد عاملة من السوق المحلية، معناها ان القطاع العام تضرر بسبب العمالة الزائدة واصبح الانتاج فيه غير مجدٍ، بينما القطاع الخاص تضرر لان العمالة التي تعمل لديه انسحبت باتجاهين كبيرين، نحو توظيفهم ونحو توجيههم للقوى الامنية، فهناك اكثر من مليون رجل يعملون بالقوى الامنية، ففي عام 2009 كان لدي 85 عاملاً، الان ليس لدي أي عامل".

عمال الرصيف

وعند سؤال بعض الباعة الذين يفترشون الارصفة، وهم من الشباب، لماذا لا يعملون في المعامل التي هي في المكان ذاته، قال احدهم: "انا تعودت على هذا العمل وما احصل من رزق انا مقتنع به"، فيما قال آخر: "يعجبني العمل في الشارع وسط الناس فهو افضل من ان اعمل بين اربعة&جدران". وعن الاجور التي يعطيها لهم صاحب المعمل إن كانت ثابتة ومضمونة، كانت الاجابة ان العمل في المعامل الأهلية متعب واغلب العمل فيها على القطعة، وهم غير قادرين على ذلك.

عدم الالتزام&

إلى ذلك أوضح الصناعي نوري عباس قائلا: "هناك عمال يعملون ويواظبون على العمل لانهم يحرصون على ان يكونوا اصحاب مسؤولية امام عوائلهم على الاقل، وهؤلاء قلة طبعًا، لكن الاغلبية لم يعودوا على هذه الشاكلة، فهم يريدون عدم الالتزام بالدوام ويضعون حججاً كثيرة من الزحام إلى السيطرات، وهناك من لا يريد ان يعمل ثماني ساعات متواصلة، بل انه حتى داخل المعمل تجده غير مستقر".
&
وأضاف: "اعتقد ان الاوضاع العامة للبلد هي التي غيّرت من قدرة العامل العراقي على الصبر والابداع في العمل، فأنا اسمع من كثيرين انهم بدل ان يكون محبوسًا في المعمل لساعات طويلة، من الصباح الباكر إلى المساء، فهو بامكانه ان يعمل على (بسطية) على أي رصيف او ان يعمل في سيارة أجرة يتجول فيها في الشوارع والاحياء ويحصل على رزقه".

وتابع: "يمكن القول ان العامل العراقي اصبح كسولاً جداً ولا يعتمد عليه اعتمادًا كاملاً، فهو يبحث عن عمل بسيط، وهو عكس العامل المصري الذي كان يعمل في معاملنا في السابق فهو لا يتضجور ولا يمل ويعمل بهدوء ولا يشكو إن تأخر، لذلك الكثير من المعامل الحرفية الأهلية قل نشاطها لعدم وجود عمال حرفيين ومهرة، واعتقد ان الوضع بحاجة إلى مساعدة الدولة في اعادة تأهيل العامل العراقي وتشجيعه على العمل في القطاع الخاص من خلال قوانين، بدل هذه الفوضى التي تعمّ الشوارع والاحياء السكنية".


&