كيم أيل سونغ، الذي توفي في عام 1994، كان زعيم "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية": (كوريا الشمالية) لمدة 46 عاما منذ تأسست في عام 1948 الى وفاته.

وتولى كيم أيل سونغ مناصب رئيس الحكومة (من 1948 الى 1972) ورئيس الدولة (من عام 1972 الى عام 1994). كما تولى منصب الأمين العام لحزب العمال الكوري الحاكم من عام 1949 الى عام 1994.

تولى كيم ايل سونغ السلطة في كوريا عقب الاطاحة بالحكم الاستعماري الياباني في عام 1945، وكان الشخص الذي أمر بغزو كوريا الجنوبية في عام 1950 مما أدى الى اندلاع الحرب الكورية التي اندفعت فيها الولايات المتحدة تحت مظلة الأمم المتحدة للدفاع عن كوريا الجنوبية.

وانتهت الحرب بهدنة وقعت في 27 من تموز /يوليو 1953.

ولد كيم أيل سونغ في الـ 15 من نيسان / أبريل 1912 تحت اسم كيم سونغ جو، لأسرة قدمت أصلا من منطقة جيونجو الواقعة في اقليم جيولا الشمالي. وكان جده الكبير كيم أونغ أو قد قدم الى قرية مانغيونغبونغ القريبة من بيونغيانغ في عام 1860. وولد كيم أيل سونغ في تلك القرية في عام 1912.

نقل عن كيم أيل سونغ قوله إن أسرته (والده ووالدته وثلاثة ابناء) لم تكن فقيرة جدا، ولكنها كانت دائما قاب قوسين او ادنى من خط الفقر.

ونقل عنه قوله ايضا إنه تربى في اسرة تتبع المذهب المسيحي المشيخي، وان جده لأمه كان رجل دين بروتستانتي وان والده التحق بمدرسة تبشيرية قبل ان يصبح كاهنا في الكنيسة المشيخية.

وتقول الروايات الكورية الشمالية الرسمية إن اسرة كيم أيل سونغ شاركت بنشاطات معادية للمستعمرين اليابانيين، وانها فرت الى منشوريا في الصين في عام 1920 (كان الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية بدأ في 29 آب / أغسطس 1910).

كان الاحتلال الياباني شرسا، إذ اعتقل اليابانيون اكثر من 52 الف كوري في عام 1912 فقط. اجبر هذا الاضطهاد العديد من الأسر الكورية على الفرار الى منشوريا.

الحرس
AFP
الحرس الأحمر هاجم كيم

أسس كيم في عام 1926 "اتحاد تسقط الامبريالية" المناهض للاستعمار الياباني. وكان آنذاك طالبا في أكاديمية واهسونغ العسكرية، ولكنه تركها في عام 1927 بعد أن استنتج بأن اساليب الدراسة فيها بالية وعفا عليها الزمن.

التحق بعد ذلك بمدرسة يووين المتوسطة وتخرج فيها في عام 1930. وبدأ رفضه للتقاليد الاقطاعية الكورية القديمة واهتمامه بالعقيدة الشيوعية في تلك المدرسة.

وانتهت حياته التعليمية عندما اعتقلته الشرطة بتهم الضلوع في نشاطات هدامة.

واصبح كيم عندما كان يبلغ من العمر 17 عاما أصغر عضو في خلية ماركسية سرية لم يتجاوز عدد افرادها الـ 20 ويقودها هو سو، الذي كان منتميا الى جمعية الشبيبة الشيوعية في مانشوريا الجنوبية. واكتشف الشرطة وجود هذه الجمعية في عام 1929 واعتقلت كيم أيل سونغ لعدة اشهر.

إنضم كيم الى الحزب الشيوعي الصيني في عام 1931 (أسس الحزب الشيوعي الكوري في عام 1925، ولكنه طرد من التنظيم الشيوعي الدولي الكومينتيرن في اوائل الثلاثينيات لاعتماده خطا قوميا).

كما انضم الى عدد من التنظيمات المسلحة المناوئة لليابانيين في شمالي الصين رغم ان اليابان لم تكن قد احتلت مانشوريا بعد.

وفي الـ 18 من أيلول / سبتمبر 1931، استغل اليابانيون حادث تفجير صغير استهدف احد خطوط السكك الحديد العائدة لهم في مانشوريا لم يسفر عن أي اصابات كمبرر لغزو مانشوريا.

في عام 1935، انخرط كيم في الجيش الشمالي الشرقي الموحد المعادي لليابانيين، الذي كان عبارة عن مجموعات من مقاتلي حرب العصابات التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني.

وفي عام 1935 ايضا اتخذ كيم اسم "أيل سونغ" الذي يعني "كيم اصبح الشمس".

في 8 آب / أغسطس 1945، اعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان، ودخل الجيش الأحمر بيونغيانغ في 24 من ذلك الشهر.

وصل كيم الى ميناء ونسان الكوري في الـ 19 من أيلول / سبتمبر 1945 بعد ان قضى 26 سنة في المنفى.

وفي كانون الأول / ديسمبر 1945، عين السوفيت كيم أيل سونغ امينا عاما للفرع الكوري الشمالي من الحزب الشيوعي الكوري.

أسس كيم جيش الشعب الكوري المرتبط بالحزب الشيوعي من أجل تعزيز سلطته، وضم اليه كادرا من مقاتلي حرب العصابات العسكريين السابقين الذين اكتسبوا خبرة قتالية في مقارعة اليابانيين وقوات الصين الوطنية المعادية للشيوعيين.

وزود الزعيم السوفيتي جوزف ستالين جيش الشعب الكوري قبيل اندلاع الحرب الكورية بمعدات عسكرية حديثة.

رغم خطط الأمم المتحدة باجراء انتخابات تشمل شبه الجزيرة الكورية كلها، أعلنت كوريا الجنوبية استقلالها في أيار / مايو 1948، وتبعتها كوريا الشمالية في أيلول / سبتمبر تحت اسم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.

في 12 أيلول / سبتمبر، اعترف الاتحاد السوفيتي بحكومة كوريا الشمالية تحت قيادة كيم أيل سونغ بوصفها الحكومة الشرعية لكل شبه الجزيرة الكورية بما فيها كوريا الجنوبية، وفي غضون ذلك اندمج الحزب الشيوعي مع حزب الشعب الجديد في كوريا الشمالية لتشكيل حزب عمال كوريا الشمالية. وفي عام 1949، اعلن عن توحيد الحزب مع نظيره الجنوبي لتشكيل حزب العمال الكوري (الذي ما زال يمسك بزمام الحكم في كوريا الشمالية) وانتخب كيم امينا عاما للحزب الجديد.

وفي 25 حزيران / يونيو 1950، غزت قوات من كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، بأمر من كيم أيل سونغ حسبما يجمع الكثير من المؤرخين. ولم يزود الصينيون كوريا الشمالية بعون عسكري مباشر في الحرب التي اندلعت الا بعد ان وصلت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها (والتي كانت تحارب تحت لواء الأمم المتحدة) الى نهر يالو تقريبا في اواخر عام 1950.

وكانت القوات الكورية الشمالية قد احتلت في حزيران / يونيو وتموز / يوليو العاصمة الجنوبية سول ومعظم اراضي كوريا الجنوبية باستثناء شبه جزيرة بوسان جنوب شرقي البلاد.

وفي 25 تشرين الأول / أكتوبر 1950، وبعد ان أصدرت بكين عدة انذارات بأنها ستضطر للتدخل ما لم توقف القوات الأمريكية و"الدولية" تقدمها، عبر آلاف الجنود الصينيين نهر يالو (الذي يفصل بين الصين وكوريا الشمالية) لنصرة القوات الكورية الشمالية.

أجبر الصينيون "القوات الدولية" على الانسحاب، واحتلوا بيونغيانغ في كانون الأول / ديسمبر 1950 واحتلوا العاصمة الجنوبية سول في كانون الثاني / يناير 1951.

ماو
AFP
الزعيم الصيني ماو تسي تونغ

وفي آذار / مارس 1951، شنت "القوات الدولية" هجوما جديدا احتلت فيه سول وتقدمت الى خط العرض 38 (الذي اصبح فيما بعد الخط الفاصل بين الكوريتين). واستمرت الحرب لسنتين بعد ذلك، ولكن دون أن يحرز أي من الجانبين أي تقدم يذكر، واستقر الموقف عند خط العرض 38 الذي اصبح خط الهدنة بين الكوريتين. وقتل في الحرب أكثر من 2,5 مليون انسان.

بانتهاء الحرب الكورية، أعلن كيم أيل سونغ النصر، ولكن القتال نشر دمارا واسعا في كوريا الشمالية.

شرع كيم أيل سونغ فورا في عملية اعادة بناء ما دمرته الحرب، فاعلن عن خطة اقتصادية خمسية هدفها تأسيس اقتصاد مملوك للدولة بالكامل. وكان تركيز الاقتصاد على الصناعات الثقيلة والانتاج الحربي.

وفي السنوات اللاحقة، نجح كيم أيل سونغ في تصوير نفسه كزعيم مستقل للحركة الشيوعية العالمية، ففي عام 1956 انضم الى "المعسكر المعادي للتحريفية" الذي اسسه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ للتصدي لخطط الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف لازالة آثار الستالينية.

في ذات الوقت، عزز كيم قبضته على الحركة الشيوعية الكورية عن طريق تطهيرها من منافسيه.

انسحبت القوات الصينية من كوريا الشمالية نهائيا في تشرين الأول / أكتوبر 1958، وهو التاريخ الذي اعدت فيه كوريا الشمالية مستقلة بالكامل.

رغم معارضته لعملية ازالة إرث ستالين في الاتحاد السوفيتي، لم يقطع كيم علاقات بلاده مع موسكو. وبعد تولي ليونيد بريجنيف سدة الحكم في الكرملين خلفا لخروشوف، تحسنت العلاقات بين موسكو وبيونغيانغ. في نفس الوقت، نأى كيم بنفسه عن اسلوب ماو الفوضوي في الحكم خصوصا اثناء الثورة الثقافية أواخر الستينيات، والتي هاجمه فيها الحرس الأحمر الصيني.

في غضون كل ذلك، كان كيم منهمكا في الترويج لنفسه "كشمس الأمة" المعصوم.

وفي كانون الأول /ديسمبر 1972، سن دستور جديد في كوريا الشمالية تخلى بموجبه عن رئاسة الحكومة وتولى رئاسة الدولة.

وفي عام 1980، أصدر كيم ايل سونغ أمرا بأن خليفته سيكون ابنه كيم جونغ أيل، وفي السنوات التالية ولاه العديد من مسؤولياته.

وفي اوائل عام 1994، بدأ كيم أيل سونغ بالاستثمار في الطاقة النووية للتعويض عن شح موارد الطاقة المتأتية عن المشاكل الاقتصادية التي كانت تواجهها البلاد، ورغم اعتراضات الغرب، أصر على مواصلة برامج كوريا الشمالية النووية.

توفي كيم أيل سونغ في الثامن من تموز / يوليو 1994 متأثرا بنوبة قلبية، وحضر جنازته في بيونغيانغ عشرات الآلاف من المشيعين ووضع جثمانه المحنط في قصر كومسوسان في العاصمة بيونغيانغ حيث ما زال يزوره الكوريون الشماليون.

وتحتفل كوريا الشمالية بعيد ميلاد كيم أيل سونغ الذي يطلق عليه "يوم الشمس"، الذي يعتبر عطلة رسمية.