باريس: عندما اختار فرنسوا هولاند ايمانويل ماكرون مساعدًا له في حملته الانتخابية عام 2012، لم يكن أحد ليتكهن أنه في الواقع يعيّن مستشارًا سيكون خلفًا له بعد خمس سنوات.

يغادر هولاند الاحد قصر الاليزيه بمستوى شعبية متدنٍ جدًا، ويخلفه في منصبه مستشاره السابق ايمانويل ماكرون (39 عامًا) الذي يفتقر الى الخبرة السياسية، وانتخب على وعود تجديد المشهد السياسي في فرنسا.

واذا كان هولاند قد نجح في ان يفرض نفسه كزعيم قادر على مواجهة الاخطار الخارجية، ولو استدعى الامر تدخلاً عسكريًا مباشرًا، فإنه لم يحظَ ابدًا بهذا النجاح في الداخل.

وفي كل مرة كان يقع اعتداء ارهابي كان هولاند قادرًا على ان يثبت بأنه اب الامة القادر على حماية مواطنيه بوجه الاعتداءات الجهادية التي اوقعت 239 قتيلاً في فرنسا منذ 2015.

لكن ذلك لم يكن كافيًا لتحسين صورته التي لطخها كتاب سيرة ذاتية بعنوان "لا يفترض بالرئيس أن يقول ذلك"، وفشله في جمع غالبية حول سياسته الاقتصادية، التي كانت موضع انتقادات حتى داخل فريقه.

وفي ختام ولاية من خمس سنوات يبدو أن موقع الرئاسة بات ضعيفاً اكثر من أي وقت مضى. وقال وزير الخارجية السابق دومينيك دو فيلبان "يجب اعادة الهيبة الى منصب الرئاسة (...) يجب انتخاب رئيس يكون بمثابة حكم&قادر على &تحديد الاتجاه المطلوب سلوكه".

في 2012 اراد اول رئيس اشتراكي منذ فرنسوا ميتران (1981-1995) ان يكون نقيض الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي الكثير الحركة والتصريحات. وكان من المفترض برئاسته "المتواضعة" ان تكون مغايرة تماماً عن رئاسة سلفه اليميني.

&"أحلام كثيرة"&

ومنذ الاشهر الاولى من ولايته تراجعت شعبيته، وكانت الانتقادات اللاذعة نفسها تتكرر:&لا يعرف اتخاذ القرارات ولا فرض سلطته، ويعتمد اساسًا على التكتيكات.

في 2013 اثار اصلاح يجيز للمثليين الزواج وعد به خلال حملته، شرخًا عميقاً في المجتمع الفرنسي.

ثم ادت الزيادة غير المسبوقة للضرائب على الفرنسيين والمؤسسات، والتي ترافقت مع خفض في النفقات العامة، الى تنامي المواقف المناهضة له.

ولمكافحة البطالة المتأصلة، اختار الرئيس في منتصف ولايته مطلع 2014 توجهًا اشتراكياً-ليبرالياً، ما اثار غضب التيار اليساري في الحزب الاشتراكي وانشقاق عدد من وزرائه.

وهذه العدائية بلغت ذروتها مطلع 2016 مع حرب اطلقها "المنشقون" في غالبيته ضد قانون لاصلاح قانون العمل دفع بعشرات آلاف الاشخاص الى النزول الى الشارع احتجاجاً عليه.

وقال الصحافيان، جيرار دافيه وفابريس لوم، واضعا كتاب سيرة هولاند الذاتية المثير للجدل إن "العديد من ناخبيه شعروا بأنه غشهم. هولاند باعهم بكل بساطة الكثير من الاحلام والوعود".

والحروب والاعتداءات التي شهدتها باريس ونيس ساهمت في "تحسين موقعه" بعد ان أمر بنشر قوات فرنسية في مالي وافريقيا الوسطى، كما ارسل مقاتلات فرنسية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا.

&ماكرون الوريث؟&

وقال هولاند (62 عامًا) في الكتاب "ارغب ان يقال عني، بما ان هذه هي الحقيقة، انني كنت شجاعًا خلال هذه الفترة".

وحياته الخاصة التي كان يحرص على ان تبقى بعيدًا عن الاضواء، كانت في الواقع تحت الاضواء. في يناير 2014 انفصل عن شريكته فاليري تريفيلير بعد ان كشفت مجلة "بيبول" علاقته السرية بالممثلة جولي غاييه.

في 2007 كان انفصاله عن سيغولين روايال، ام اولاده الاربعة، والمرشحة التي هزمت في الانتخابات الرئاسية، مدويًا. وعيّنها مع ذلك وزيرة للبيئة.

ورغم الفشل المتكرر والاخطاء كان ينوي فرنسوا هولاند الترشح لولاية ثانية في 2017. أليس هذا ما فعله جميع الرؤساء الفرنسيين منذ 1958؟.

لكن هنا ايضًا لم يكن رئيسًا "عاديًا". وبسبب نقاط ضعفه الكثيرة والانتقادات والانقسامات داخل معسكره قرر في الاول من ديسمبر العدول عن الترشح لولاية رئاسية ثانية.

وفي ختام ولايته، ترك حزبًا اشتراكيًا مشتتًا ويمينًا متطرفًا في اعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية - جمعت مارين لوبان التي هزمت الاحد 10,6 ملايين ناخب - ونسبة بطالة بلغت 10%.

وفوز ايمانويل ماكرون هو ايضًا فوز لافكاره الاشتراكية الديموقراطية المتحررة من العقائد. وقال النائب الاوروبي السابق الوسطي جان لوي بورلانج "ربما سيكون الرجل الذي سيحقق الاحلام الدفينة لسلفه".