في دراسة شاملة لمحتوى الكتب المدرسية الإيرانية في المراحل التعليمية الثلاث، تبين للباحث نبيل العتوم أن السلطات التربوية الإيرانية تقصدت تشويه صورة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها، ونعتها بأسوأ النعوت، والتأكيد على التفوق الإيراني واستعادة أحلام الإمبراطورية الفارسية.

إيلاف من دبي: تصدى نبيل العتوم، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية، لمسألة تربوية قلما تم التطرق إليها على الرغم من أنها غاية في الأهمية، خصوصًا اليوم في خضم ما يشهد الخليج من اضطراب بسبب الأطماع التوسعية الإيرانية. إنها مسألة الصورة الذهنية لدول مجلس التعاون الخليجي، التي يرسخها نظام الملالي في إيران في أذهان تلامذة إيران. 

أهمية الدراسة

بحسب تقديم العتوم لدراسته، فإنها تقوم "على أساس فهم كيفية تناول صورة دول في الكتب المدرسية الإيرانية، حيثُ لا بدّ من الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله الإيرانيون عن هذه الدول، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة، وكيف يؤثر ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني، خصوصًا أن الطلابَ الايرانيين يكتسبون القيم والتصورات والمعتقدات السياسيّة من خلال ما يتعرضون له من تنشئة، وما يتلقونه من أفكار وقيم من خلال المناهج المدرسيّة".

 

للإطلاع على الدراسة كاملةً على "إيلاف" أنقر هنا

 

يردّ العتوم أهمية دراسته هذه من أهمية الموضوع الذي تتناوله، أي الكشف عن درجة توافر الملامح الصريحة والضمنيّة لصورة دول مجلس التعاون الخليجي المضمنة في الكتب المدرسية في المراحل الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية في إيران. والهدف الكشف عن درجة توافر هذه الملامح الصريحة والضمنيّة لمكونات صورة دول مجلس التعاون الخليجي في المراحل الدراسية الثلاث، وعن مستوى التتابع والاستمرارية والتكامل للمكونات المتضمنة فيها، باستخدام أسلوب تحليل النص والمحتوى.

تشويه منظم

يرى العتوم أن الأهداف المعلنة لجهاز التربية والتعليم في إيران هي توحيد رؤية المجتمع الإيراني تحت راية ولي الفقيه، واعتبار دول الخليج ملكية تاريخية إيرانية ينبغي إعادتها إلى الوطن الأم؛ وأهمية بناء إيران دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية لتحقيق رسالة الثورة، في مقابل مشيخات بدوية لا تملك سوى النفط والثروات والتخلف؛ والحفاظ على التاريخ الفارسي وتعميقه في طلاب المدارس من خلال الكتب المدرسية، والتذكير بأن كل ما يقع داخل الخليج "الفارسي" ملكية شرعية إيرانية؛ ودعم مركزية إيران وريادتها بين شيعة الشتات، والالتزام نحوها باعتبارها دولة الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي، قبلتهم الروحية والمذهبية والسياسية؛ وتعميق الوعي الثوري قوميًا ومذهبيًا، ودور رسالة الثورة الإيرانية في بناء مجال حيوي عمقه العراق ودول مجلس التعاون الخليجي؛ محاولة الكتب المدرسية الإيرانية خلق نمط معين من الإدراك والتفكير تجاه دول مجلس التعاون الخليجي يترعرع عليه كل إيراني منذ الصغر ليتكرس بتأثير الواقع السياسي الاجتماعي الإيراني، فتأطرت بذلك تشابيه دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها من خلال الصفات الآتية: مشيخات بدوية، تخلف، أرض جاهلية، وأد بنات، وقوف ضد الدعوة النبوية.

 

 

من الأهداف أيضًا، بحسب العتوم، ترسيخ جذور الطلاب الإيرانيين في ماضي الشعب الفارسي لخلق أجيال إيرانية تؤمن بالمعتقدات التوسعية وبأرض إيران الكبرى؛ والتعلق بمركزية إيران مع ضرورة التوسع الطبيعي، وتكوين مجتمع موحد فيه الشتات الشيعي.

غير معلن

وجد العتوم في دراسته أهدافًا غير المعلنة للتربية والتعليم الإيرانية، في مقدمها الإيمان المطلق بحق الثورة الإسلامية بإعادة إحياء إمبراطوريتها، من خلال التكرار والتأكيد بالحديث عن الحق القومي والمذهبي في إقامة دولة العدل، أو إمبراطورية المهدي؛ وتحقيق التضامن والتواصل الشيعيين بين إيران وشيعة الشتات، ولا سيما شيعة دول مجلس التعاون الخليجي، لضمان استمرار الدعم المادي لإيران. فسهم الخمس المفروض على الشيعة مؤكد أكثر في شيعة المهجر.

 

 

ومن الأهداف غير المعلنة أيضًا إعداد الأجيال الإيرانية للتوسع والاحتلال والعنف وكراهية الآخر بحجة إنقاذ البشرية من الظلال والظلم؛ وتأكيد الشعور بالقلق لتحقيق استمرارية الإحساس بالمؤامرة والاستهداف لضمان عدم ولاء الأجيال المقبلة لأي مجتمع آخر غير إيران؛ وإظهار التفوق الفارسي الحضاري عبر العصور لتكوين الإحساس بالتمايز والتفوق، والشعور بالاستعلاء عند الأجيال الإيرانية الجديدة على دول مجلس التعاون وشعوبها، والتي تسمها بالتخلف؛ وتشويه صورة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها في نظر الطالب الإيراني مقابل التأكيد على صورة التفوق الإيراني؛ وتنشئة أجيال إيرانية متعصبة لقوميتها وشيعيتها، ومؤمنة بكل ممارساتها إيمانًا مطلقًا.

الخليج الفارسي والجزر الاماراتية والعراق

بحسب العتوم، إصرار الحكومة الإيرانية على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي دليل على النظرية التوسعية التي عاشتها إيران في الماضي وتعيشها اليوم، وتعزيز فكرة الحدود الإمبراطورية عند الطالب الإيراني، والاعتزاز بحدود دولة إيران تاريخيًا، والتركيز على تناول حقوق إيران التاريخية في المناطق المجاورة.

 

 

يقول العتوم: "أما الجزر الإماراتية المحتلة فهي أراضٍ إيرانية إلى الأبد، حيث يأتي ذكرها من خلال تناول أسماء الأماكن الجغرافية التي تقع ضمن السيادة الإيرانية: جزر، أنهار، خليج، شط، باعتبارها مناطق فارسية. فالنص المتعلق ببعض المفردات الجغرافية يريد ترسيخ أن الأمر يتعلق ’بأماكن إيرانية‘ أبدية مثل: الخليج الفارسي، رود أروند (شط العرب)، الجزر الإيرانية (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى)، وعمل رحلات لطلاب المدارس، بل وقام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بزيارتها للتأكيد على ملكيتها، وتتناول الكتب المدرسية أهميتها العسكرية والإستراتيجية بالنسبة إلى إيران، وتدريس هذه الأفكار في مختلف المناهج".

وتظهر الروح التوسعية في الكتب المدرسية الإيرانية تجاه العراق من خلال تكرار الحديث عن مواقع عراقية وملكيتها لإيران، "وأن عودتها إلى الملكية الإيرانية هو حق تاريخي مكتسب، لها سند تاريخي وقانوني يدعماها. واعتبار الكتب المدرسية الإيرانية أن العراق أرض إيرانية غير قابلة للشك".

السعودية والبحرين

يقول العتوم في بحثه إن الكتب المدرسية الإيرانية رسخت في عقل الطالب فكرة تخلف السعودية، وفكرة أنها مصدر الجاهلية الأولى بإظهار تآمرها على الدعوة النبوية، "أما جاهلية السعودية الثانية فتتمثل في ظهور الدعوة السلفية التي تتهمها الكتب المدرسية الإيرانية بأنها مصدر العنف والارهاب، وتكريس صورة الاسلام غير الحقيقي من خلال الاحتكام للسيف لحل مشاكلها وعبادة الأصنام ووأد البنات ومعاقرة الخمر والميسر وقطع الطرق، ومحاولة إظهار أن هؤلاء البدو السعوديين لم ولن يملكوا أيًا من مقومات الحضارة، مع الاكثار من كلمة أعراب، بما تحويه من دلالات بديلًا عن كلمة عرب".

 

 

وفي حديثه عن صورة البحرين في الكتب المدرسية الإيرانية، يكتب العتوم: "تظهر الروح التوسعية في الكتب المدرسية الإيرانية تجاه البحرين؛ حيث يظهر ذلك من خلال عدة موضوعات، من أبرزها تكرار تناول الكتب المدرسية موضوع البحرين، في كثير من المواقع وملكيتها لإيران، وأن المطالب الإيرانية في البحرين بشكل خاص لها سند تاريخي وسند قانوني يدعماها. 

واعتبار الكتب المدرسية الإيرانية أن استثناء البحرين من الوعد الذي قطعه شاه إيران بالتنازل عنها، عن طريق الاعتراف بها، كانت بمثابة كارثة كبرى بالنسبة إلى إيران".

خلاصات

يختم العتوم دراسته بالقول إن الكتب المدرسية الإيرانية أظهرت أن معالجة صورة هذه الدول العربية الخليجية "ما هي في الواقع إلا نوعٌ من التشويه والتزوير المنظَّم، وهي مليئة بالعيوب والنقائص والتشويه البعيد عن الموضوعية والتعقل والحكمة والموضوعية؛ بحيث يتقبلها الطالب الإيراني، وتصبح عقيدة لديه، لا يمكن إزالتها أو تغيرها في المستقبل".

 

 

لا يشك العتوم في أن الكتب المدرسية الإيرانية أسهمت في ايجاد حالة من التعبئة النفسية ضد دول مجلس التعاون الخليجي وحكوماتها وشعوبها، "وأدت إلى خلق بيئة صراعية، قائمة على تعزيز الكراهية والتحريض ضدها، بدلًا من تعليمهم قيم الحوار والمصالحة والتسامح والتعاون والمصالح المشتركة".

وتوصل العتوم إلى أن الصراع الإيراني – العربي الخليجي ليس عسكريًا ولا أمنيًا ولا سياسيًا فحسب، بل صراعٌ تربويٌ أيضًا، ويجب التعامل مع هذا الخطر بشكل جديّ وعلمي، وإدراك أبعاد هذا الصراع ومراميه، "ولا بدّ كذلك من الاعتراف بالأثر السلبي لهذه المناهج في علاقات إيران بالدول العربية الخليجية، وأنها نتاج الثورة الثقافية التي أفرزتها الثورة الإسلامية في إيران، لهذا يجب تنبيه مراكز صنع القرار السياسي العسكري التربوي في دول مجلس التعاون الخليجي لهذه الحقيقة، وعمل استراتيجيات فاعلة لمواجهتها".

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "أمية". الأصل منشور على الرابط:

http://www.umayya.org/studies-ar/12312