اعتاد عدد من المشايخ السعوديين الحركيين في كل قضية سياسية تمس المملكة العربية السعودية أو تمس العالم الإسلامي عموماً أن يصدروا بيانا موقعا بأسمائهم يوضحون موقفهم من هذه القضية. وبدأت قصة هذه البيانات من بيانهم في التحالف ضد "الاحتلال الأميركي للعراق" والى (الجهاد) عام 2003 وبيانهم حول أحداث سوريا، ودعوتهم للفصائل السورية بالاتحاد وبيان آخر شارك فيه بعضهم في أحداث مصر والذي وصفوا فيه عزل مرسي بالانقلاب العسكري .. إلى غيرها من البيانات. 

الشيخ ناصر العمر أحد أشهر المشايخ الذي اشتهر بإصدار البيانات مع كل قضية سياسية مع الشيخ حمد أمير قطر السابق

في أزمة قطر الأخيرة والتي بدأت بعد تصريح أمير قطر الشيخ تميم في 24 مايو حول إيران وحماس وجماعة الإخوان وقاعدة "العديد" الأميركية، والتي نتج عنها لاحقا ًفي 5 يونيو مقاطعة دبلوماسية وسياسية من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر بسبب تمويلها للإرهاب، لم نجد لما يسمى بالمشايخ الحركيين أي حديث عن هذه الأزمة لا في خطبة ولا محاضرة ولا حتى تغريدة . الأمر الذي يدعو للتساؤل والاستغراب من الجميع.

"خصومة مع الأشخاص والوطن"

"إيلاف" التقت عضوان الأحمري الصحافي في الشرق الأوسط، وسألته حول الموضوع، فقال: "إن التيار الإخواني كانت له مواقف معادية ضد المملكة ليس منذ حرب الخليج واحتلال الكويت من قبل صدام ومن ثم تحريرها، وإنما في كل أزمة يقومون بتأجيج الصراع وهدفهم الأساسي ضرب مؤسسة الحكم وضرب مؤسسات الإعلام وضرب جميع المؤسسات الحكومية، للوصول لأجندة حركية بحتة، والدليل مزايداتهم على قضايا اجتماعية يعتقدون أنها خاطئة، ولكنه مثال كبير جدًا، وهو عمل المرأة في محلات الملابس النسائية الخاصة، فقام هؤلاء الحركيين بالتصدي لهذا القرار بشراسة فقط لأن من قام بدراسته وابتكاره هو المرحوم غازي القصيبي".

الصحافي عضوان الاحمري

وتابع: "إذا فنحن أمام جماعة تفجر الخصومة مع الأشخاص والوطن ، لم نجد لهم بيانًا واحدًا، فالجميع التزم الصمت .. الجميع يقول إنها فتنة، في حين أنهم كتبوا جميعًا بلا استثناء أثناء انقلاب تركيا وجميعهم دعوا أن يحفظ الله تركيا وأهلها ولم نجد منهم مثل هذا الموقف حينما أوضحت السعودية في بيان رسمي أن هناك مكائد وتآمر تكاد لها من قطر . والأسباب كثيرة لسكوتهم أولا ً أسباب تمويلية وهذا أمر لاشك فيه، ولنتذكر موقفهم من قاعدة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العسكرية الموجودة في الخرج فعملوا على إخراجها من السعودية والتحريض عليها حتى خرجت ولم نجد منهم ردة الفعل هذه عند نقل القاعدة إلى قطر".

وتابع: "هؤلاء المشايخ الحركيون هم أول من قاموا بزيارة قطر حين تولي تميم مقاليد الحكم في قطر وهم من يساهم في تأجيج الشباب وتحريض المتظاهرين للتظاهر والإعتصام في المملكة، إذا رأينا هذه الأعمال فهي سلسلة ومنظومة متكاملة تساهم في ضرب استقرار البلد ، ومحاولة ركوب أي موجة تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر".

وأضاف: "عموما نحن لا نطالب ببيان ديني رسمي من المؤسسة الدينية إلا ممن اعتدنا منهم إخراج البيانات في كل قضية سياسية، وهنا أقصد المشايخ الحركيين. وهنا الفرق بين رجل الدين الرسمي ورجل الدين الحركي الذي يقوم باستغلال أي أزمة أو صراع لإظهار نجم معين أو لمحاولة دفع نجم جديد للساحة".

وواصل حديثه بالقول: "وشاهدنا تصريح المفتي الذي يمثل هيئة كبار العلماء في السعودية و تصريح الشيخ عبدالرحمن السديس الذي يمثل أئمة الحرمين ، واللذين تلقوا الهجوم الشديد من الصحافة القطرية والتي وصفتهم بهيئة كبار المنافقين وهذا نفس الخطاب الذي يتماشى مع داعش والقاعدة حينما قاموا بتسمية هيئة كبار العلماء السعوديين بهذا الإسم".

وقال: "ويجب على الدعاة الحركيين الكف عن التحريض على أبناء البلد ، لو تلاحظ الآن الذين وُصفوا بالليبراليين أو العلمانيين من قبل هؤلاء المشايخ هم أكثر من يدافع عن الوطن في قضاياه لأن هناك مصطلحًا مهمًا جدًا يؤمنون به وهو الوطنية، وكل من يسخر من هذا المصطلح تجدهم لا يدافعون عن البلد حين يحتاج ويستند إليهم".

وحول انتشار مصطلح استعداء الحكومة وتخوين كل من لا يتحدث عن هذه القضية ..قال: " ليس هناك استعداء وليس هناك تباين في المواقف ومزايدات وإظهار من الوطني وغير الوطني، المسألة بسيطة جدًا، هل تركيا أغلى من السعودية عند هؤلاء المشائخ أم لا ؟ وهل قطر أغلى عندهم أم لا؟".

وأسهب: "الإجابة واضحة جدًا إذا كانت هناك قنوات فضائية معادية للسعودية تقوم بالشتم والسب لرموز البلد ومن ثم تقوم بتوقيع عقود بالملايين مع عدد من الكتاب والمشايخ فلا تتوقع من هؤلاء المشايخ انتقاد الدولة التي تبث مقالاتهم ولقاءاتهم سواء من أنقرة أو قطر .. لأنهم يعرفون أنهم لو تم الانتقاد والهجوم لخرجت الكشوفات والحسابات المخفية".

وتابع: "وبرأيي من أهم حسنات هذه الأزمة، وهي إعادة هيبة مصادر المعلومات الحقيقية للواجهة وهي الصحف الرصينة ووسائل الإعلام الرصينة بعد كثرة الهرج والقيل والقال، وجدوا أن الحقائق والمعلومات موجودة في وسائل الإعلام الرصينة والوكالات الإخبارية العالمية فقط".

تحت ظل القرضاوي

"إيلاف" التقت الكاتب محمد العصيمي، الذي قال: "من وجهة نظري أن هؤلاء الحركيين بمختلف أسمائهم كانوا لزمن طويل مع قطر وبالذات مع الإخوان المسلمين وتحت ظل القرضاوي الموجود اسمه ضمن لائحة الإرهابيين". 

وأضاف: "وبالتالي لو استعرضنا حساباتهم في تويتر ومقالاتهم لوجدنا هذا الولاء لجماعة الإخوان المسلمين، فأنا أسأل سلمان العودة وعوض القرني ومحمد النجيمي ما موقفهم من هذه الأزمة؟ ما موقفهم من هذه الأزمة بعد كل البيانات التي خرجت وبينت خطر قطر على المملكة والمكائد التي كيدت لضرر السعودية، وأمنها وتهديد سلامة مجتمعها؟".

الكاتب محمد العصيمي

وأضاف: "ذهبت لحساب سلمان العودة كي أرى هل تحدث عن هذا الموضوع فوجدته متصدراً للفتوى الإجتماعية ومشغول بعدد من المسابقات، فحينما يتطلب الأمر من هؤلاء المشايخ موقفًا وطنيًا لا نجد هذا الموقف الواضح الصريح كما ينبغي". 

وواصل: "الآن نحن والناس نسأل أين مواقف هؤلاء الذين كانوا يزايدون عليها فيما سبق في كثير من القضايا، كلنا نذكر بعد أزمة اعتصام رابعة في مصر بعد سقوط الرئيس الإخواني محمد مرسي وضع هؤلاء وغيرهم أصابع رابعة في كل حساباتهم ومعرفاتهم، وفزعوا فزعًا شديدًا مع إسقاط محمد مرسي، وبالتالي سؤالنا مشروع جدًا". 

وتابع: "أعيد وأكرر نحن لا نشكك في وطنيتهم ولا ذممهم، نريد موقفًا واضحًا وصريحًا لا يقبل التأويل ولا النقاش تجاه الموقف مع بلدهم، فهم لا شك مؤثرون ويتبعهم ملايين ومع ذلك لم نجد منهم سوى التزام الصمت في هذه الأزمة".

واضاف: "والمطلوب من الجميع سواء مفتٍ أو خطيب أو معلم أو صحافي لا بد أن يبدي الجميع موقفا وطنيا واضحا تجاه ما اتخذته المملكة مع قطر، فالموقف الذي اتخذته المملكة من قطر ليس موقفا استعراضياً أو موقفا لتقزيم قطر .. هو موقف اتخذ بعد 21 سنة من الصبر على هذا النظام القطري فكل ساعة وكل يوم ينكشف لنا تدبير من هذه التدابير التي خُططت نحو الممملكة".

صمت غير مستغرب

الكاتب وحيد الغامدي المطلع على الحركات الدينية ذكر أن هذا الصمت غير مستغرب، مشيرا إلى أن وقفتهم مع القرار الحكومي بالحرب في اليمن لم يكن لولا أن (حزب الإصلاح) طرفٌ في تلك الأزمة. وأضاف: "إن هذا الموقف، ومواقف أخرى مشابهة منذ أزمة الخليج عام 1990 والصخب المضاد آنذاك للقرار العربي والعالمي بتكوين تحالف ضد صدام حسين، كل تلك الأحداث تؤكد لنا حقيقة مشاعر البعض تجاه أيقونة ( الوطن ) الذي ألفنا من بعضهم الامتعاض منه، وحتى من مصطلحه حين تحوّل في أذهانهم إلى ( وثن ) لا يسير ضمن المشروع الأممي في ذلك المخيال الحركي الحزبي البعيد عن القدرة على إدراك منطق العصر والواقع".

الكاتب وحيد الغامدي

وتابع: "هؤلاء الصامتون في الأزمة الأخيرة مع قطر، وحتى المتحدثون منهم مؤخراً بشأنها بعد مرور شهر على اشتعالها، هم أحد صنفين : صنفٌ مغيّب عن إدراك الحقائق وتفاصيل الأزمة ولا يزال يعتقد أن المشروع القطري هو فعلاً مشروع (من أجل الأمّة الإسلامية) ولا يدرك حجم المخاطر التي يمكن أن يكون هو نفسه –كفرد –ترساً فاعلاً في ميكانيكيتها دون أن يدري".

وقال: "وصنفٌ آخر، وهم الأشد خطراً، يعي تفاصيل المشروع، ويعي دوره في تلك المعركة ضد وطنه، ويعمل فعلياً من أجل تلك اللحظة التي يتم فيها هدم كل شيء لمصلحة تحقيق الأحلام الحزبية الضيّقة. ما يهمنّا من كل ذلك، هو أن الناس اليوم اتضحت أمامهم الحقائق، وكشفت حقيقة بعض المستترين برداء الدين و( الوطنية ) الذي يُلبس في مناسبات محددة دون أخرى، فهل هناك لحظة زمنية أهمّ من هذه اللحظة الفاصلة تجاه من يعمل ضد هذا الكيان منذ 20 سنة ؟!".