«إيلاف» من القاهرة: منذ ثورة 30 يونيو 2013، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق محمد مرسي، انتقلت جماعة الإخوان المسلمين&من مصر إلى مختلف دول العالم، لكن قيادتها وعناصرها الفاعلة، تركزوا في عدة دول أوروبية منها بريطانيا والنمسا وألمانيا، بالإضافة إلى تركيا وقطر.

وتحذر التقارير الأمنية من أن الجماعة استطاعت أن تبسط نفوذها في ألمانيا، رغم التقارب الواضح بين نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحكومة المستشارة أنجيلا ميركل.

تعرضت جماعة الإخوان المسلمين&لضربات قاصمة في مصر، بسقوط نظام حكمها في 3 يوليو 2013، على إثر تدخل الجيش وعزل الرئيس السابق محمد مرسي، استجابة لملايين المصريين الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة.

كما تعرضت قياداتها للسجن أو القتل أو الهروب للخارج، واستقر الفارون في عدة دول على رأسها تركيا وقطر، وبريطانيا والنمسا والسويد، إلا أن الجماعة استطاعت بناء قاعدة واسعة لها في ألمانيا، وتمددت في أنشطتها.

ورصدت أجهزة الأمن الألمانية مؤخرًا اتساع نشاط الإخوان في الشطر الشرقي من البلاد، مثل بناء المساجد وضخ أموال.

وحسب التقارير الأمنية الألمانية، التي كشف عنها السفير المصري في برلين بدر عبد العاطي، فإن "اللافت للانتباه أن هذا الجزء من ألمانيا كان خاضعاً في الماضي لحكم النظام الشيوعي في عهد الاتحاد السوفيتي السابق، وكان المواطنون في ألمانيا الشرقية السابقة بعيدين عن الدين وينتهجون أفكاراً علمانية، كما أنه لا يعيش في هذه المنطقة سكان مسلمون بحاجة لبناء مساجد ولا تواجد لممثلين&للإخوان فيها".

قلق الأجهزة الأمنية

وأثار نشاط الإخوان قلق الأجهزة الأمنية الألمانية، وقال عبد العاطي: "أصبح هناك اقتناع كبير لدى الجانب الألماني بأن كل الجماعات المتطرفة باسم الدين خرجت من عباءة واحدة هي الإخوان، وقال إنه بعد أن كان الألمان ينظرون إلى الإخوان كجماعة سياسية ينبغي إدماجها في الحياة السياسية والعمل الحزبي، أصبحوا الآن ينظرون إليها كجماعة متطرفة"، على حد تعبيره.

تاريخيًا، بدأت جماعة الإخوان المسلمين&في الوصول إلى ألمانيا في أعقاب الخلاف الذي وقع مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بعد تورطها في محاولة اغتياله في العام 1954. فوجهت إلى قيادات الجماعة ضربات قاسية، وتعرض لمحاكمات عسكرية، وصدرت أحكام بالإعدام والاعتقال بحق بعض القيادات، وهرب البعض الآخر إلى دول أوروبا.

وقال الدكتور محمد الرفاعي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ"إيلاف"، إن أول من اتخذ للإخوان موضع قدم في ألمانيا، سعيد رمضان، السكرتير الشخصي وزوج ابنة حسن البنا، مؤسس الجماعة.

وأوضح أن رمضان أنشأ في العام 1958 أكبر وأقوى &المؤسسات الإسلامية في ألمانيا، وهي "الجمعية الإسلامية في ألمانيا&IGD"، وتفرعت عنها العشرات من المنظمات الأخرى، ويبلغ عدد المنظمات التابعة للإخوان حاليًا نحو 30 مؤسسة.

وأشار إلى أن رمضان هو والد اثنين من أشهر الدعاة الإسلاميين في أوروبا، وهما طارق رمضان، وهاني رمضان، ويعملان ما بين ألمانيا والنمسا وفرنسا.

ولفت إلى أن أعضاء الإخوان استقروا في ألمانيا منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكونوا منظمات شبابية من أجل مساعدة طلاب الجامعات، لاسيما أن الآلاف من الطلاب المنتمين إلى الجماعة غادروا مصر، متوجهين إلى ألمانيا هربًا من بطش عبد الناصر وللدراسة في الجامعات الألمانية.

وذكر أن هؤلاء الطلاب تخرجوا من الجامعات واستقروا في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وأصبح لديهم نفوذ واسع، كما أصبحت المنظمات الشبابية ذات نفوذ في أوساط الشباب المسلم في ألمانيا، منوهًا بأن عدد الإخوان في ألمانيا قد يصل إلى عشرة آلاف شخص، يتحركون بحرية.

بينما تقدر دراسة لمنتدى الشرق الأوسط عدد أعضاء جماعة الإخوان في ألمانيا، بنحو 3 آلاف شخص يعملون تحت راية "رابطة المسلمين في ألمانيا"&IGD"، وتشير الدراسة إلى أن "الوضع في ألمانيا على وجه الخصوص يفصح عن أن "الإخوان" أحرزوا نفوذًا وقبولًا سياسيين، أكثر من أي مكان آخر في أوروبا".

العلاقة بين الحكومات الألمانية والإخوان

وحسب دراسة للباحث في مركز الدراسات الأمنية بسويسرا، الدكتور لورينزو فيديو، &مؤلف كتاب "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب"، فإن "اجتماع السياسيين الأوروبيين مع المنظمات المتطرفة كان من شأنه إضفاء الشرعية على تنظيم الإخوان، وتعاظم قوة تأثيرهم السياسي&في المجتمع الألماني، عن طريق المؤسسات الإسلامية العديدة التي تشرف على المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في أكثر من 30 مدينة ألمانية"، مشيرًا إلى أن "العديد من كوادر الإخوان احتل مواقع بارزة في ألمانيا، مما وطد من نفوذهم وجعل من ألمانيا قاعدة لانطلاقهم إلى أوروبا".

فيما يؤرخ الباحث الألماني غيدو شتاينبرغ، في كتابه "الغرب والإخوان بعد ثورات الربيع العربي"& للعلاقة بين الحكومات الألمانية وجماعة الإخوان المسلمين، بقوله إنها مرت بثلاث مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى: في أواخر الخمسينات وحتى عام 1979،& واقتصرت فيها العلاقات الألمانية الإخوانية على الاتصالات السرية ما بين عناصر الجماعة وأجهزة الاستخبارات الألمانية.

المرحلة الثانية: منذ عام 1979 وحتى عام& 2011، وفيها اكتسبت جماعة الإخوان اهتماماً متزايدًا من أجهزة الاستخبارات الألمانية، وزاد التعاون الإستخباراتي بصورة كبيرة بعد نشوب الثورة الإسلامية في إيران.

المرحلة الثالثة: مع بداية ثورات الربيع العربي.

هجرة الإخوان الى المانيا

وزادت هجرة الإخوان إلى ألمانيا في أعقاب سقوط نظام حكم الجماعة في مصر، عام 2013، ويستفيد الكثير من المهاجرين الإخوان مما تقدمه المؤسسات الإسلامية من دعم مالي وسياسي.

وأصدر مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية، تقريرًا حول أوضاع المسلمين في ألمانيا، وحظر مما وصفه "التوظيف السياسي للمؤسسات والمراكز الإسلامية من قبل تيارات الإسلام السياسي، مما يثير الكثير من المخاوف لدى المجتمع الغربي من طبيعة تلك المراكز وأهدافها وتأثيرها على الطبيعة الاجتماعية لتلك الدول".

ودعا مرصد دار الإفتاء "مسلمي ألمانيا إلى الحذر من الانسياق وراء التوظيف السياسي للمراكز الإسلامية هناك وعدم الانخداع بالدعاية المضللة التي تستخدمها الجماعات والتيارات المتطرفة وتيارات الإسلام السياسي، والتي تسعى نحو تكتيل مسلمي ألمانيا خلف مصالحها وتوظيفهم بما يحقق مصالح تلك التيارات وأهدافها الخاصة والضيقة"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

كما أشار المرصد إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة تدفع الكثير من أعضاء الجماعة إلى مغادرة الولايات المتحدة الأميركية والبحث عن بديل آمن للانتقال إليه والعمل من خلاله، حيث سعى الكثير من أعضاء الجماعة إلى الرحيل نحو كندا، وسعى البعض الآخر نحو ألمانيا مستغلين نفوذ الجماعة هناك، وامتلاكهم الجمعية الإسلامية هناك، وهي أحد أقدم المراكز الإسلامية في ألمانيا، مشيرًا إلى أن عدد أعضائها يبلغ نحو 13000 عضو.