انتقد العديد من المثقفين المغاربة ما وصفوه بـ «الإنفلاتات الأمنية التي تعرفها مجموعة من المدن المغربية». فقبل أيام تعرّضت فتاة في مدينة الدار البيضاء لحادث اغتصاب من قبل فتيان قاصرين داخل حافلة للنقل العمومي. 

إيلاف من الرباط: مساء الأحد الماضي شهد حي القدس في مدينة أكادير (جنوب) كذلك مواجهة بين شبان كانوا في صدد الإحتفال بطقوس «بوجلود» الذي يتزامن مع عيد الأضحى في بعض مناطق المغرب، حيث شوهد شبان وهم يجهزون بأسلحة بيضاء على شاب ملقى على الأرض مدرجًا في دمائه، قبل أن يغادروا مسرح الجريمة من دون أن يرفّ لهم جفن. 

وقبلها بيوم شهد حي خندق الرمان في مسنانة في مدينة طنجة (شمال) مواجهة بين شباب من سكان الحي ومجموعة من المهاجرين المتحدرين من دول جنوب الصحراء، حيث اشتدت المواجهات عن طريق التراشق بالحجارة و الضرب بالهراوات، أسفرت عن عدة إصابات في صفوف الطرفين، نتجت عنها اعتقالات في صفوف المهاجرين بلغت 80 شخصا. 

لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل حادث إجرامي في الشارع العام تروح ضحيته أشخاص من دون حماية، وأمام مرأى ومسمع من المواطنين الذين يكتفون بالتفرج والتقاط مقاطع فيديو ونشرها عبر مواقع التواصل الإجتماعي «فايسبوك » و«واتساب» كأضعف الإيمان. 

غضّ الطرف عن الإجرام لردع المطالبين بالديمقراطية 
في تحليله لما يجري، قال الباحث والناشط الحقوقي سعيد لكحل لـ"إيلاف المغرب" إنه منذ 4 سنوات وأصوات المواطنات والمواطنين تتعالى مستنجدة بالدولة وبوزارة الداخلية، إلا أن هذه الأخيرة ظلت تتجاهل استغاثتهم حتى غدا الإجرام يستهدف المواطنين في وسائل النقل العمومي وفي القطارات في كل المدن والقرى. 

سعيد لكحل

أضاف لكحل أن ذلك أمر ليس له إلا تفسير واحد هو أن الدولة تضع المواطنين أمام خيارين: إما الأمن أو الإجرام، والهدف هو وقف الزخم الشعبي المطالب بالديمقراطية والكرامة والتوزيع العادل للثروات ومحاسبة ناهبي المال العام. 

استطرد المتحدث أنه «من أجل وقف هذا المدّ الديمقراطي ومحاصرته، اختارت الدولة ومعها الحكومة المسؤولة دستوريًا عن أمن المواطنين وحماية أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم، أن تطلق العنان للمجرمين وجحافل «المشرملين» (يعتدون على الناس بالأسلحة البيضاء)، الذين لم يعودوا يخشون القانون، لأنهم يدركون أن الساهرين على تطبيق القانون يغضّون الطرف على أنشطتهم الإجرامية. وطبيعي في وضعية السيبة والتسيب على المستويات كافة (نهب المال العام من دون حسيب، احتلال الملك العمومي من دون رقيب، تباهي «المشرملين» بسكاكينهم ومسروقاتهم ..) أن ترتفع وتيرة الأعمال الإجرامية، وتلتحق بالمجرمين فئات من الهواة يسرقون ويغتصبون حتى في الحافلات والشوارع الرئيسة لكبريات المدن كالدار البيضاء وفاس ومراكش». 

وأكد الباحث أنه ليس من تفسير لانتشار ظاهرة الإجرام على أوسع نطاق سوى تواطؤ الدولة مع المجرمين لردع المواطنين عن مطالبهم في الديمقراطية والحرية والكرامة، مشيرًا إلى أن الدولة لها ما يكفي من الأجهزة الأمنية لصد أنشطة المجرمين واعتقالهم قبل ارتكاب جرائمهم. فالأجهزة الأمنية المشهود لها دوليًا بخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب، لن يُعجزها المشرملون والمجرمون الذين لا يتحركون وفق إستراتيجية وتأطير تنظيمي كما يفعل الإرهابيون.

وأشار لكحل إلى أن الدولة التي كوّنت أجهزة أمنية ذات خبرات عالية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة لن يُعجزها تطويق الجريمة واعتقال المجرمين وفرض احترام القانون على جميع المواطنين. لكن للدولة حساباتها، ومنها فرملة المد الديمقراطي ومطالب الحرية والكرامة ومحاربة الفساد بتشجيع الإجرام والتغاضي عن أنشطة المجرمين.

اللعب بالنار 
وانتقد لكحل بخطاب شديد اللهجة ما يجري، واصفًا الدولة بكونها تلعب بالنار، بمراهنتها على جلب ملايين السياح ووضع إستراتيجية لتحقيق هذا الهدف، وفي الوقت نفسه تشجّع الإجرام، حتى بات المغرب يحتل المرتبة العاشرة عربيًا خلف الجزائر وتونس على مستوى الأمن.

وحذر لكحل من تشجيع السيبة والفوضى والإجرام الذي من شأنه أن يوفر بنيات تحية وشبكات إجرامية محترفة وممتدة على كل التراب الوطني وتتخذ لها ملاجئ وتطور أساليب التنكر والإفلات من الرقابة والاعتقال، مشيرًا إلى أن اجتثاثها سيتطلب سنوات من الجهد والرصد والمواجهة، مضيفًا أن الأخطر هو حين يتحوّل المجرمون إلى جيش احتياطي يستقطب من داعش والتنظيمات الإرهابية كما هو حاصل في أوروبا. ودعا لكحل في حديثه الدولة إلى استحضار مصلحة الوطن والشعب في كل تكتيكاتها وإستراتيجياتها. 

الاٍرهاب والجريمة 
في السياق نفسه، كتب الكاتب إدريس الكنبوري تدوينة على حسابه في موقع «فايسبوك» قائلًا: «كثيرًا ما طرحنا التساؤل حول « حالات العود» أو العودة إلى التطرف بالنسبة إلى المعتقلين السلفيين، الذين يخرجون من السجن بعفو ملكي، لكننا لم نطرح حالات العود بالنسبة إلى المجرمين «العاديين» رغم أن الجريمة واحدة في كل الأحوال، أي جنس الجريمة». 

أضاف الكنبوري متسائلًا: «هل هذا يعني أن الدولة تهتم بإجرام السلفيين أكثر مما تهتم بإجرام الآخرين وبضحايا الجريمة اليومية؟».

الكاتب إدريس الكنبوري

وأشار الكنبوري إلى أن "المغرب، ولله الحمد، لم يشهد عملية إرهابية خلفت ضحايا، لكن منذ سنوات والمغرب يشهد كل يوم جريمة يذهب ضحيتها مواطن أو مواطنة في أكثر من مدينة، وقبل فترة بمناسبة عيد الأضحى وقعت جرائم قتل فيها مواطنون"، متسائلًا عن الفرق بين النوعين من الموت.

وأكد الكنبوري أن التعريف الكلاسيكي للإرهاب، كعنف ذي بعد سياسي أو إيديولوجي، لم يعد قائمًا في مجتمع يشهد المزيد من العنف اليومي والجريمة بسبب الانحرافات الاجتماعية وغياب السلطة، مشيرًا إلى أن كل جريمة هي إرهاب في حد ذاتها. 

وقال إن كل شخص يحمل سيفًا ويقتل مواطنًا من أجل السرقة مثله مثل الشخص الذي يقتل مواطنًا من أجل فكرة أو عقيدة، مؤكدًا أن الموت واحد في الحالتين.

وانتقد الكنبوري السياسة التي تنهجها الدولة في التعامل مع السلفي، الذي يطلب منه أن يغادر السجن، حتى وإن لم ينفذ أية جريمة، وألا يعود إلى التطرف أو الإجرام، في حين أنها لا تطلب من المجرم القاتل أن يغادر السجن وألا يعود إلى الإجرام. 

وتساءل عن عدد السلفيين الذين خرجوا من السجن، ونفذوا جرائم، وعن عدد المجرمين الذين خرجوا من السجن ونفذوا جرائم، مؤكدًا أن هناك فرقًا كبيرًا.

واستخلص الكاتب أن الدولة تبقى راعية للأمن، وأن المتطرّف والمجرم كلاهما يروّع أمن البلاد، مضيفًا أنه لا يهمّ مصدر العنف، بل تهم النتيجة، والنتيجة أن هناك مواطنين يموتون بسبب الإجرام.