الرباط: عرفت مدينة جرادة (شرق المغرب) الاحد مجموعة من المظاهرات انطلقت من مختلف أحياء المدينة باتجاه الشارع الرئيسي فيها، حيث اجتمع المتظاهرون قبل أن يتوجهوا الى مقر البلدية، رافعين شعارات تعبر عن استيائهم من تعامل الحكومة مع مطالبهم.

وعرفت المدينة منذ الساعات الأولى من صباح الاحد تعزيزات أمنية مكثفة. وعرف محيط مديرية الأمن بالشارع الرئيسي للمدينة تطويقا غير مسبوق من طرف قوات الأمن. كما لوحظ استقدام فرق أمنية من النساء للمرة الاولى ضمن قوات حفظ الأمن. 

ويأتي هذا التصعيد عقب سقوط قتيل ثالث في ظرف أقل من شهر بسبب انهيار منجم عشوائي لاستخراج الفحم الحجري بضواحي المدينة. وقال الناشط النقابي محمد الوالي لـ" إيلاف المغرب" : "منذ إغلاق شركة مفاحم المغرب التي كانت تستغل مناجم الفحم في جرادة نهاية التسعينيات والمدينة تعيش أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة". وأضاف الوالي قائلا "في 1997 أرسلت الحكومة آنذاك لجنة بقيادة عبد العزيز مزيان بلفقيه للتفاوض مع النقابات والمنتخبين بسبب تداعيات قرار إغلاق الشركة. وفي فبراير 1998 وقع اتفاق يتضمن جانبًا اجتماعيًا، تعلق بالأساس بتعويض العمال، وجانبا اقتصاديا تضمن اقتراحات لإيجاد بدائل عبر إنشاء مشاريع صناعية وتنموية بديلة عن مناجم الفحم وإحداث صندوق خاص لدعم تنمية جرادة". غير أن هذا الجانب الاقتصادي ظل حبرًا على ورق، على حد قول الوالي، الذي أضاف أن الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين راهنت على رحيل السكان بعد إغلاق الشركة المنجمية التي تأسست المدينة بكاملها حول نشاطها.

وأشار الوالي إلى أن عدد سكان المدينة تراجعوا بالفعل، من نحو 60 ألف شخص إلى حوالي 40 ألفاً حاليا. وأوضح أن إغلاق الشركة لم يوقف نشاط استخراج الفحم. ففي غضون ذلك حصل أربعة أشخاص، ضمنهم برلمانيون، على رخص استخراج وتسويق الفحم. غير أن هؤلاء لا يمارسون فعليًا سوى نشاط التسويق، إذ يلجأون إلى شراء الفحم الذي يستخرجه العمال السابقون بطرق تقليدية. وقال: "العمال يغامرون في ظروف جد سيئة لاستخراج الفحم وبيعه لأصحاب الرخص الذين أطلقنا عليهم اسم بارونات الفحم، بثمن زهيد. وهؤلاء يجمعونه ويقومون بتسويقه بأسعار عالية لدى شركات الإسمنت وغيرها من المنشآت الصناعية". وأضاف الوالي أن العديد من العمال قتلوا في انهيارات آبار استخراج الفحم خلال العشرين سنة الماضية.

وحول مطالب السكان ، قال الوالي "هناك ثلاثة مطالب أساسية، أولها التحقيق حول الأسباب الحقيقية لإغلاق الشركة ومحاسبة المسؤولين". وبهذا الصدد ، يقول الوالي إن مخزون الفحم في جرادة يقدر بنحو 100 مليون طن حسب دراسات أنجزت في بداية التسعينات. وأشار الى أنه تبعا لتلك الدراسات حصل المغرب في 1992 على قرض من البنك الدولي لتمويل بناء البئر الثالث لاستخراج الفحم، والذي كان يستهدف مضاعفة الإنتاج. غير أن الشركة أغلقت دون تشغيل تلك البئر. وأضاف أن المحتجين يطالبون بمحاسبة المسؤولين عن إغلاق الشركة وأيضا بالتصرف في ممتلكاتها. وقال: "كانت هناك عقارات وآليات، فلل وسيارات وشاحنات، السكان يريدون معرفة مصيرها".

المطلب الثاني للسكان هو إيجاد بدائل إقتصادية لمناجم الفحم. ويقول الوالي "على رأس هذه المطالب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع عبد العزيز مزيان بلفقيه في سنة 1998، خصوصا صندوق دعم التنمية الاقتصادية ، واستقطاب مشاريع صناعية للمنطقة". ويضيف الوالي "الرهان على القطاع الخاص وحده غير صائب لأن المدينة منعزلة وغير مرتبطة بالطريق الوطنية وبعيدة عن البحر، لذلك المطلوب هو أن تبدل الحكومة مجهودًا استثماريًا كبيرًا لتنمية المطقة، مع انتهاج سياسة محفزة للاستثمار الخاص".

أما المطلب الثالث فيتعلق بأسعار الماء والكهرباء. وأشار الوالي إلى أن احتجاجات جرادة بدأت بهذا المطلب، بسبب ارتفاع الفواتير، غير أن مقتل شقيقين في منجم للفحم قبل أسابيع أعطى بعدًا أكبر للاحتجاجات. ويضيف الوالي "جرادة تضم محطة لإنتاج الكهرباء، والتي تشتغل بالفحم الحجري المستورد، وهي محطة قديمة جدا. وخلال الأشهر الأخيرة بدأ تشغيل محطة جديدة لتوليد الكهرباء. غير أن ارتفاع الفواتير دفع الناس للخروج إلى الشارع والاحتجاج". ويطالب المحتجون بأسعار تفضيلية للماء والكهرباء كون مدينتهم تحتضن محطة لتوليد الكهرباء. كما يطالبون بفرض رسوم على المحطة لصالح بلدية المدينة لدعم ميزانيتها.

وخلال مظاهرة الاحد، عبر المحتجون عن استيائهم من تفاعل الحكومة مع مطالبهم. وتناول بعض المتحدثين خلال الوقفة الاحتجاجية باستهزاء تصريحات رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، والتي أعلن فيها أنه سيزور مدينة وجدة يوم 10 فبراير، وسيلتقي خلالها المنتخبين والسلطات المحلية وممثلي المجتمع المدني في المنطقة. ورغم أن العثماني أشار في تصريحه للصحافة الى أن ملف جرادة سيكون ضمن جدول أعمال زيارته، إلا أنه أكد أن زيارته كانت مبرمجة من قبل، وأنها تدخل في سياق سلسلة من الزيارات للمناطق التي "لم تستفد من ثمار النمو" ، على حد قوله. وعبر العديد من المتحدثين عن إحباطهم من تلك التصريحات، خصوصا وأن رئيس الحكومة يتحدث عن "مناقشة موضوع جرادة" بعد شهر من الاحتجاجات وزيارات سابقة لعدد من الوزراء الذين التقوا المحتجين والمنتخبين وقدموا وعودًا.

وعلق أحد المحتجين على تصريحات العثماني بالقول بأن الحكومة لا تريد أن تظهر بأنها تجاوبت مع مطالب المحتجين تحت ضغط الشارع حتى لا تشجع مناطق أخرى من البلاد على الخروج للاحتجاج. وأضاف "أن الذي أخرج الناس للاحتجاج هو تراكمات 20 سنة من الإهمال وعدم معالجة الأوضاع في إبانها".