دمشق: بعد انقطاع لأيام عدة، أوصلت حنان الأحد ابنتها البالغة من العمر 11 عامًا إلى باب المدرسة، وقلبها يخفق من شدة الخوف خشية تساقط قذائف الفصائل المعارضة مجددًا على دمشق بعد تصعيد شهدته العاصمة ومحيطها.

تقول حنان (44 عاماً) لوكالة فرانس برس "لا يمكنني وصف قلقي منذ لحظة ذهابها إلى المدرسة وحتى لحظة عودتها، وكأنّها عائدة من مغامرة أو من معركة، وليس من المدرسة".

شهدت دمشق والغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة الى الشرق منها، تصعيداً عسكرياً في الأسبوع الثاني من شهر فبراير، أجبر العديد من المدارس في دمشق على إغلاق أبوابه.

تعيش حنان مع زوجها وبناتها الثلاث في حي الأمين في وسط دمشق القديمة، حيث تساقطت عشرات القذائف التي أطلقتها الفصائل المعارضة من الغوطة الشرقية، بعدما تعرّضت بدورها لقصف جوي ومدفعي عنيف.

عن انقطاع لينا عن مدرستها "اليوسيفية" لأكثر من ثمانية أيام، تقول حنان "أفضّل أن تخسر ابنتي سنتها الدراسية، على أن تخسر حياتها". تضيف "اليوم الوضع أفضل، استيقظنا بشكل طبيعي على صوت المنبه، بعدما اعتدنا الاستيقاظ على أصوات الانفجارات".

برغم ذلك، أول ما قامت به حنان هو تفقد صفحة "يوميات قذيفة هاون" على موقع فايسبوك، والمعنية بتوثيق القذائف التي تتساقط على دمشق. وتقول "شعرت ببعض الأمان، فأيقظتُ ابنتي وجهّزتها للمدرسة بثياب ثقيلة".

ورغم أن المدرسة لا تبعد سوى بضع دقائق عن المنزل، أصرت حنان على ايصال ابنتها بنفسها، على أن تعود لاصطحابها.وتوضح "ابنتي ليست صغيرة، تدرك تماماً ما معنى الحرب، لكنها تصاب بحالة هلع حين ترى آخرين يبكون أو يركضون، لذلك أفضل البقاء بقربها".

عاد المشهد في دمشق القديمة إلى ما كان عليه قبل نحو أسبوعين، طلاب يحملون على اكتافهم حقائب مليئة بالكتب، يسيرون في شوارع ضيقة ويتفادون الحفر التي خلفتها القذائف وملأتها مياه المطر. وعلى غرار حنان، يرافق الكثيرون من الأهل أولادهم، تمسك إحدى الأمهات ابنتها بيد، وبالأخرى تحمل مظلة تقيها من المطر.

قاعات خالية واسعاف 
ورغم أن دمشق بقيت بمنأى من الدمار الكبير الذي حل بالعديد من المدن السورية الكبرى، إلا أنها تشكل منذ سنوات هدفاً لقذائف الفصائل المعارضة، وخصوصاً الأحياء الشرقية الأقرب إلى الغوطة مثل المدينة القديمة. وتعرضت الغوطة الشرقية على مدى خمسة أيام الشهر الحالي لغارات شنتها القوات الحكومية، ما تسبب بمقتل عشرات المدنيين والأطفال.

واستهدفت الفصائل المعارضة بدورها أحياء عدة في دمشق، ما أسفر عن مقتل نحو 20 شخصاً، بينهم ثلاثة أطفال، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان. ولا تزال القذائف تستهدف العاصمة، وان تراجعت وتيرتها.

على غرار آخرين، توقفت فاديا (36 عاماً)، مدرِّسة اللغة الانكليزية، عن الذهاب إلى عملها في مدرسة الرعاية في باب شرقي في المدينة القديمة لأيام عدة. وتقول "كنا نسمع أصوات القذائف ونخاف بعض الشيء، إلى أن استشهدت إحدى طالباتنا ريتا العيد البالغة من العمر 15 عاماً بقذيفة هاون"، مضيفة "في اليوم التالي كانت معظم قاعات الدراسة خالية من الطلاب".

وبعد أيام من الهدوء، سيداوم المدرسون جميعاً ابتداء من الاثنين في المدرسة المسيحية التي تغلق أبوابها أسبوعياً يومي السبت والأحد. وتقول فاديا "أعتقد أن الأهالي سيشعرون بالأمان حين يرون المدارس فتحت مجدداً"، متوقعة عودة الطلاب "إذا استمرّ الهدوء".

تتذكر فاديا حالة الهلع التي اصابتها والطلاب خلال الأيام الاولى للتصعيد، وتقول "لم تتوقف أصوات سيارات الإسعاف، كنا نضطر أحياناً لإغلاق النوافذ كي يسمعنا الطلاب، ثم نفتحها حتى لا يتكسر زجاجها من وقع الانفجار في حال سقطت قذائف قريبة".

تضيف "نحاول دائماً طمأنة طلابنا، لكن في المرة الأخيرة حتى الاساتذة كانوا خائفين. كيف لنا أن ننقل لهم أماناً نحن لا نشعر به؟". تخشى فاديا تجدد القصف، وتقول "القذائف ليست لعبة، إنها مسألة حياة أو موت (...) الحياة في دمشق القديمة باتت مرتبطة تماماً بوضع الجبهات في الغوطة الشرقية". 

الموت يركب الحافلة
في ساحة باب توما المجاورة، تنتظر بضع حافلات الركّاب للانطلاق باتجاه ضاحية جرمانا القريبة. ينظّف السائق أبو محمد زجاج حافلته البيضاء لتمضية الوقت، يتوقف قليلاً، مشيراً إلى حفرة صغيرة بجانبه، ويقول "هنا انفجرت قذيفة بجانب سيارة سرفيس، واستشهد ثلاثة أشخاص وأصيب أكثر من عشرة" بجروح. ويتذكر "يومها (قبل أكثر من اسبوع) ذهبنا جميعاً إلى المنزل. عُدنا في اليوم التالي، نريد أن نعيش، ليس لدينا خيار آخر".

لقد فضّل سكان دمشق، وخصوصاً الاحياء الشرقية، البقاء في منازلهم. ويوضح أبو محمد "عادة في مثل هذه الأيام تبقى الحركة حتى وقت متأخر، لكنها باتت خفيفة"، فخلال الأيام الماضية لم يخرج أحد من منزله إلا للضرورة "فالموت قد يركب حافلة السرفيس أيضاً".