يقول العلماء النمساويون من منظمة "السلام الأخضر" إن استهلاك البشر للحوم تضاعف 3 مرات في الخمسين سنة الأخيرة، وستكون لذلك عواقب وخيمة على الصحة والبيئة سنة 2050.

لا يمكن لكوكب الأرض أن يتغلب على ظاهرة التخسين الحراري والتغيرات المناخية الدراماتيكية ما لم يتم تقليل استهلاك اللحوم وتربية وتنسيل الحيوانات"النافعة". ويضيف علماء البيئة من منظمة "غرين بيس" النمساوية في آخر تقرير لهم إن زيادة استهلاك اللحوم ترافق طوال العقود الخمسة الماضية من السنين بظاهرة التغذية السيئة أيضاً، وأن هذا ستكون له عواقب وخيمة على صحة البشر أيضاً.

استخدم العلماء من فيينا طريقة حساب الميزان البيئي للحوم وعلف الحيوانات لمعرفة مخاطرها المستقبلية على البيئة وصحة الإنسان. وكتبوا في تقريرهم الأخير أن من الممكن للبشر في النمسا، في أقل تقدير، ان يسهموا في التصدي لعواقب استهلاك اللحوم من خلال تقليل استهلاكهم للحوم من 1,250 كغ اليوم إلى مجرد 300 غم في الاسبوع مستقبلاً. وحسب العلماء في هذا "الميزان" استهلاك النمساويين لحوم المواشي والدواجن وغيرها.

ماشية أكثر من البشر

وانتقد سيباستيان ثايسنغ-ماسي، خبير الشؤون الزراعية في "غرين بيس" النمسا، زيادة الذبح في العقود الأخيرة. وأضاف أن ذلك ترافق مع هبوط واضح في أسعار اللحوم، وفي نوعية اللحوم أيضاً، وهذا ما شجع البشرية على زيادة استهلاكها.

وقال الخبير ان هناك اليوم في النمسا ماشية أكثر من البشر، وان النمساوي يأكل كيلو وربع من اللحوم كل أسبوع. وتضاعف استهلاك اللحوم اكثر من ثلاث مرات في نصف القرن الأخير على المستوى العالمي.

وبالنظر لتزايد استهلاك النمساويين للحوم في السنوات الأخيرة، زادت معدلات الوفاة المبكرة بسبب البدانة وأمراض القلب والسكري. ويقول الخبير ان الحالة الصحية تفاقمت بالترافق مع ازدياد استهلاك الشحوم والسكريات والأغذية الجاهزة. ولابد هنا للنمساويين من تقليل حصتهم الأسبوعية من اللحوم إلى الثلث كي يتمكنوا من العيش بصحة جيدة.

حصة كبيرة للحوم والماشية من ظاهرة التسخين الحراري

ويكشف الميزان البيئي في المجال الزراعي أن تربية وتنسيل الحيوانات مسؤول عن 14,5% من الغازات المسؤولة عن ظاهرة التسخين الحراري. وأضاف ثايسنغ-ماسي ان تأثير ذلك يزيد عن التأثير البيئي السيء للسيارات والبواخر مجتمعة على المستوى العالمي.

وأشار ثايسنغ-ماسي إلى أن استمرار البشر في حياتهم على نفس المنوال، من ناحية استهلاك اللحوم وتربية وتنسيل الماشية، سيرفع حصة الماشية من ظاهرة التسخين الحراري بسبب الزراعة والرعي إلى 52% في العام 2050. وحينها سترتفع مسؤولية تربية المواشي وذبحها إلى 70%من ظاهرة التسخين الحراري.

المهم أيضاً، أن الزراعة وتربية الماشية أصبحت مسؤولة عن تصحر الكثير من الأراضي، وبلغ هذا التصحر مناطق من غابات الامزون أيضاً. أدى ذلك بدوره إلى انقراض الحيوانات البرية التي تراجعت أعدادها بنسبة النصف منذ سنة 1970.

وعن تردي نوعية اللحوم، واستخدام طرق غير صحة في تربيتها، فيعود سبب ذلك، بحسب رأي ثايسنغ-ماسي، إلى زيادة استهلاك اللحوم وضغط منتجي اللحوم على الفلاحين من أجل زيادة إنتاجهم.

ضرر قطعة "الستيك" يزيد عن ضرر السيارة على البيئة

ومعروف أن العلماء النمساويين والهولنديين اعتمدوا طريقة جديدة لحساب الميزان البيئي للبقر تأخذ في عين الاعتبار ضرر البقر على البيئة، ليس عند إطلاق غاز الميثان فحسب، وإنما عند التغذية أيضاً، وما يطلقه علف البقر من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وأثره على التربة والجو أيضاً. وحسب طريقة الحساب الجديدة فأن إنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر، أي ما يصلنا منه على مائدة الطعام كـ"ستيك"، يلحق ضرراً بالبيئة يعادل ضرر سيارة تمشي مسافة 1600 كم.

وواقع الحال ان هذا الميزان البيئي الخطير يصلح إلى لحم البقر في البرازيل وليس إلى لحم البقر في أوروبا، لكن لحوم البقر البرازيلية والارجنتينية تنتشر في العالم أكثر من غيرها. فالبقرة الألمانية كمثل، أو لنقل بقر وسط أوروبا، لا يخل هكذا بالميزان البيئي، وحسب العلماء ان الكيلوغرام الواحد من لحم البقر الألماني يعادل قيادة السيارة مسافة 111 كم. 

والسبب هو أن الاوروبيين يربون أبقارهم داخل اسطبلات ولا يطلقونها في المروج، وهو ما يقلل خطرها على البيئة النباتية والحيوانية المجاورة.

وتطلق البقرة الواحدة يومياً 235 لتراً من غاز الميثان يومياً، وهذا الغاز أخطر من غاز ثاني أوكسيد الكربون بحسب تقدير العلماء. ويقول الدكتور مارتن هايمان، من معهد ماكس بلانك الألماني المعروف، أن غاز الميثان أخطر على البيئة 21 مرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون.

ضرر للحم الدواجن أيضاً

ولحم الدواجن، وخصوصاً الدجاج، بحسب الميزان البيئي النمساوي الهولندي، لا يطلق الكثير من الميثان كناتج لعملية التغذية لدى الحيوان، لكنه يؤدي إلى إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون. وحسب العلماء أن وصول كيلو من لحم الدجاج إلى مائدة الطعام يطلق 6,4 كغم من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعادل مسيرة 31 كم بالسيارة. 

ومن جديد فأن طريقة تربية الدجاج في المزارع المفتوحة، وليس في الأقفاص الضيقة، هي طريقة أكثر طبيعية وأكثر"إنسانية"، ولكنها تؤدي إلى تلوث بيئي أكبر.