في الولايات المتحدة كان يمكن لأولادها أن "يلعبوا تحت الشمس"، لكن في مدينة دوما المحاصرة في الغوطة الشرقية، تجد الأميركية ديان لين نفسها مع أفراد عائلتها أسرى الأقبية خشية من القصف والغارات.

إيلاف: في العام 2000، وصلت لين (44 عامًا) إلى الغوطة الشرقية مع زوجها الطبّاخ السوري الجنسية، الذي تعرفت إليه على مقاعد الجامعة في ميشيغن في الولايات المتحدة، حيث أنجبا خمسة من أولادهما الثمانية.

صعوبة تأمين الطعام
أمضت لين سنوات طويلة في مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية، حيث عملت مدرسة للغة الانكليزية، وكانت شاهدة في العام 2011 على انطلاق حركة احتجاجات واسعة ضد النظام السوري، سرعان ما تحوّلت إلى نزاع مسلح.

تصف لين الظروف الصعبة التي عاشتها مع عائلتها وأحفادها الصغار منذ اندلاع النزاع، خصوصًا بعدما باتت الغوطة الشرقية معقلًا للفصائل المعارضة، وهدفًا دائمًا لقصف القوات الحكومية التي فرضت على المنطقة حصارًا محكمًا منذ العام 2013.

تقول لوكالة فرانس برس، وهي تجلس في غرفة تتدلى ستائر خضراء على نوافذها، "في فترة من الفترات بتنا نأكل الحساء فقط، كنا نغلي القرنبيط ونأكله يوميًا" جراء الحصار الذي أدى إلى نقص فادح في المواد الغذائية والأدوية.

الأطفال منهارون
ومع بدء قوات النظام حملة عسكرية للسيطرة على الغوطة الشرقية في 18 فبراير، تفاقمت معاناة المدنيين جراء الغارات الكثيفة.

تقول لين، وهي ترتدي معطفًا طويلًا وتضع حجابًا على رأسها: "نعيش حاليًا تحت القصف، في كل يوم. أولادي في حالة هستيريا"، مضيفة: "عندما يصبح القصف قريبًا، يكون الوضع فظيعًا.. يصرخ الأهالي والأطفال". 

وتمكنت قوات النظام منذ بدء هجومها من السيطرة على أكثر من ثمانين في المئة من مساحة الغوطة الشرقية، وباتت تحاصر مدينة دوما الواقعة تحت سيطرة جيش الإسلام، أبرز فصائل المنطقة. وتسبب الهجوم بمقتل أكثر من 1520 مدنيًا، بينهم نحو 300 طفلًا، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

الأقبية مستقرًا
على غرار آلاف العائلات، تعيش عائلة لين في حالة دائمة من الخوف والرعب. وتروي: "أقول لأولادي، يمكنكم في الولايات المتحدة أن تلعبوا تحت أشعة الشمس، وتتسلقوا الأشجار بأمان. أن تمرحوا وتكونوا بأمان". لكن في الغوطة الشرقية، على غرار جميع السكان تشعر "أنه في حال خرجت، ستقلق من احتمال سقوط قذيفة".

ومنذ بدء هجوم قوات النظام على الغوطة، تلجأ العائلات في دوما والبلدات المجاورة إلى الاحتماء في الأقبية خشية من القصف الكثيف الذي لا يتوقف على مدى ساعات. توضح لين: "نتعرّض للقصف ليل نهار، بالقذائف والصواريخ، وكل ما يمكن أن يخطر على البال. نقضي أيامًا وليالي في الأقبية".

تستغل العائلة لحظات توقف القصف للخروج من الأقبية، التي تفتقد للحمامات والمطابخ. وتقول "عندما يهدأ (القصف)، نصعد إلى الطبقة العلوية، نحاول أن نعد طعامًا نأكله، ونستخدم الحمامات".

ليس من الوفاء الرحيلتشعر هذه السيدة بحزن كبير على الحال التي آل إليها المدنيون والأطفال في الغوطة الشرقية. تقول وهي تحمل جواز سفرها الأميركي بيدها: "أفكر بأميركا وبأطفال العالم الحر أينما كان. وأسأل نفسي لماذا ليس باستطاعة الأطفال هنا أن يكونوا جزءًا من ذلك العالم الحر". لماذا يجب أن يتعرّضوا للظلم بهذا الشكل؟".

ورغم أنها تحلم باصطحاب أولادها إلى الولايات المتحدة، حيث يقيم شقيقها الذي يشعر دومًا بالقلق عليها، لكنها تعتبر في الوقت عينه أن الغوطة هي مسقط رأسهم. وتؤكد "لا أرغب في ترك مكان نقيم فيه منذ 18 عامًا، مكان يعرفه أولادي، وكبرت فيه أيضًا.. ليس من الصواب أن نغادره. هم ترعرعوا هنا، وعائلتهم هنا". وتضيف "الناس هنا أمضوا وقتهم، محاولين بناء حياة ومنزل وشراء سيارة".

ترمب لا يهتم
ومع تقدمها داخل الغوطة الشرقية التي قسمتها إلى ثلاثة جيوب معزولة عن بعضها البعض، أقدمت قوات النظام على فتح "معابر إنسانية". وفر أكثر من 70 ألف مدني منذ نحو أسبوع إلى مناطق سيطرة قوات النظام، رغم مخاوفهم مما قد ينتظرهم.

تقول السيدة الأميركية بغضب: "عندما ترى آلاف الناس يخرجون، فذلك نتيجة فرارهم، بعدما قصفت منازلهم، وسويت على الأرض.. لم يبق لهم شيئ". 

تتابع: "هم لا يقومون بعملية إجلاء. تخلي (منزلك) بعد فيضان، ثم تعود إليه"، معتبرة أن ما يحصل هو "أنهم يطردونهم خارج منازلهم. هم يفرّون من الجوع والقصف". 

تنشط لين على موقع تويتر، وتكتب سلسلة تغريدات حول الوضع الإنساني في دوما وجوارها، مستخدمة وسم "أنقذوا الغوطة" باللغة الانكليزية. وتنتقد في تغريداتها الإدارة الأميركية لعدم تصرفها بفاعلية أكبر لوقف العنف في منطقتها.

وتوضح: "وجّهت رسائل عديدة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب. في الواقع، أعتقد أنه لا يهتم، لأنني لم أسمعه يتحدث عن الغوطة الشرقية على الإطلاق". تضيف "أتمنى لو يستمع ويصغي. أتمنى أن يتمكن من القيام بشيء".