«إيلاف» من برلين: تحول سرطان عنق الرحم من مرض ينتشر في البلدان الصناعية، لاسباب لم يسبر غورها بعد، إلى مرض ينتشر بين النساء في العالم الثالث الفقير في العقدين الأخيرين.

وتكشف الاحصائيات الدولية لسنة2012 عن مدى خطورة هذا المرض الذي أصبحت فيروسات بابيلوما البشرية(HPV) السبب الرئيسي في نشوئه. وتقول منظمة الصحة العالمية ان سرطان عنق الرحم أصاب528 ألف امرأة على المستوى العالمي، ماتت منهن266 ألف امرأة. وهذا يعني ان نسبة الوفاة بسبب المرض ترتفع إلى60%.

وتشير آخر الاحصائيات إلى ان80% من الاصابات بسرطان عنق الرحم انتقلت إلى بلدان العالم الثالث بعد أن كانت النساء في البلدان الصناعية المتقدمة مبتلية بنسبة مماثلة. وهو ثالث مرض قاتل للنساء على المستوى العالمي، وخصوصاً في أفريقيا واميركا الجنوبية.

ويمكن أن تجد نساء العالم الثالث الخلاص في لقاح مضاد لسرطان عنق الرحم يقول العلماء الألمان انه شديد الفعالية ضد كافة أنواع سرطان عنق الرحم التي تسببها الفيروسات، والتي تتفاوت في عدائيتها عادة. ويؤكد العلماء ان اللقاح مناسب تماماً لبلدان العالم بسبب سهولة استخدامه وانخفاض كلفته.

وعمم معهد فيلهلم ساندر الألماني تقريراً صحفياً، نشرته مجلة" الطبيب الألماني اونلاين"، يقول انهم انتجوا لقاحاً فعالاً ضد المرض. واشار التقرير إلى وجود لقاحات ناجحة ضد هذا النوع من الأمراض السرطانية إلا انه وصفها بمحدودية الفعالية.

وقال البروفيسور مارتن موللر، من مركز أبحاث الأمراض السرطانية الألماني، ان معظم هذه اللقاحات يتأثر بدرجات الحرارة، وخصوصاً العالية، ولذلك تنخفض فعاليته في البلدان الحارة. 

كما ان هذه اللقاحات تستوجب حفظها في حاويات مبردة وأمينة اثناء نقلها إلى البلدان البعيدة، وهذا مكلف جداً للبلدان النامية. فضلاً عن ذلك فأنها ليست فعالة ضد كافة أنواع سرطان عنق الرحم الفيروسية.

بروتين لايتضرر بالحرارة

وجاء في التقرير ان اللقاح، الذي تم تطويره بمشاركة علماء من مركز أبحاث الأمراض السرطانية الألماني، لايعتمد على جزيئات شبيهة بفيروسات بابيلوما البشرية في تركيبه، كما في بقية أنواع اللقاحات ضد المرض، وإنما على بيبتيدات صغيرة مستقاة من أغلفة الفيروسات ذاتها. وهي بروتينات صغيرة في جدران الفيروس تعتبر مهمة جداً في تغذيته وتكاثره.

وبهدف التغلب على حساسية اللقاح لدرجات الحرارة عمل فريق العمل، بقيادة البوفيسور مارتن موللر، زود العلماء هذه البيبتيدات الثمانيةالمسماة("ايبيتوب" L2-Epitope)، المستمدة من البابيلوما المرقمة16و18و33و35و6و51و59، ببروتين ثابت أمام الحرارة.

ويحمل البروتين الثابت أمام الحرارة اسم"ثيوريدوكسين" ومستمد من البكتيريا المقاومة لدرجات الحرارة العالية. وزود العلماء هذه الايبيتوبس بجينات مضادة للفيروسات المسببة لسرطان عنق الرحم.

تفعيل نظام المناعة الجسدي ضد البابيلوما

ويضيف البروفيسور موللر ان اللقاح الذي يحتوي على هذه الايبيتوبس يدفع نظام المناعة الجسدي إلى تكوين جسيمات مضادة خاصة بمقاومة هذه الفيرسات. وتجد هذه الأجسام المضادة طريقها إلي الفيروسات وتلتصق بقوة على أغلفتها وتحمي الجسم من خطرها.

وجاء في التقرير الصحفي، على لسان البروفيسور موللر، ان الهدف هو رفع نسبة التلقيح ضد المرض على المستوى العالمي، وخصوصاً في البلدان النامية. واعتبر البروفيسور انتاج لقاح واحد مضاد لكافة نواع الفيروسات المسببة لسرطان عنق الرحم خطوة على الطريق الصحيح.

بروتين مستمد من البكتيريا

وفي خطوة لاحقة تمكن العلماء الألمان من رفع فاعلية اللقاح من خلال اضافة حامل بروتيني يحمل اسم OVX313 إلى البروتينات المستخدمة في اللقاح. وهو بروتين حامل يحتوي بدوره على سبعة جزيئات من بروتيناتTxr-L2.

ويضيف التقرير الصحفي ان البروتين المضاد لفيروسات بابيلوما البشرية في اللقاح تم استخلاصه من مادة ثيوريدوكسين في بكتيريا بايروكوكوس فيرويوسوس(Pyrococcus furiosus) التي هي سر مقاومة هذه البكتيريا للحرارة. وهي بكتيريا من عائلة البكتيريا المرضية ايشريشيا كولي(E. coli).

وكتب البروفيسور موللر ان معظم البروتينات المستمدة من بكتيريا ايشريشيا كولي لا يصمد أمام الحرارة العالية، لكن ثيوريدوكسين في بكتيريا بايروكوكوس فيرويوسوس يصمد. وأكد ان اللقاح فعال أيضاً ضد أنواع فيروسات البابيلوما التي تعتبر أقل خطورة من غيرها.

والمهم، في التجارب المختبرية، ان اللقاح الجديد اثبت فاعليته في مقاومة99% من حالات سرطان عنق الرحم التي تسببها الفيروسات. كما تحدث موللر عن أمل يوفره اللقاح لشمول أنواع أخرى من الأمراض السرطانية التي تسببها البابيلوما البشرية مثل سرطان الجلد والشرج والحلق.