حقق 2500 كاتب ينشرون ذاتيًا ما لا يقل عن 50 ألف دولار في العام الماضي من البيع من طريق منصات النشر الذاتي التي تتزعمها "أمازون". وبلغت قيمة الكتب المنشورة ذاتيًا في الولايات المتحدة في العام الماضي 875 مليون دولار، منها 700 مليون دولار آتية من كتب إلكترونية.

لندن: أعلنت منافذ إخبارية كبرى منذ عام 2015 أن الكتاب الورقي عاد ظافرًا، في حين أن الكتاب الإلكتروني فقد بريقه السابق. لكن هذا ليس صحيحًا بالكامل. فالأميركيون مثلًا يقرأون مئات الملايين من الكتب الالكترونية سنويًا.

ويلاحظ أن الكثير من مؤلفيها يكتبون وينشرون ويجدون جمهورًا واسعًا لأعمالهم من دون التعامل المباشر مع صناعة النشر. في الحقيقة، الشركة العملاقة التي ينشرون كتبهم ويوزعونها من خلالها هي الوحيدة التي تعرف ما يجري في عالم النشر بصفة عامة... إنها "أمازون".

سلطة أمازون

لكن سلطة أمازون على النشر الذاتي، وهو صناعة تعمل خارج دور النشر التقليدية، غير مرئية على نحو مريب. نتيجة لذلك تواجه صناعة النشر مشكلة في جمع بيانات وإحصاءات دقيقة، ولا يبدو أن أمازون سترخي قبضتها على هذه المعلومات في وقت قريب.

فتحت الكتب المنشورة ذاتيًا في شكل كتب إلكترونية خلال السنوات السبع الماضية قناة نادرة يستطيع الكاتب أن يحقق دخلًا من خلالها بالكتابة وحدها. وبالاستغناء عن الناشر، يوفر الكاتب تكاليف الطباعة والتوزيع ويزيد عائداته ويكون مصيره بيد القراء والبرمجيات التي تقدم كتبه إلكترونيًا، وليس بيد النقاد أو المحررين أو المسوّقين أو المروجين أو الباعة.

منذ أطلقت أمازون القارئ الالكتروني "كيندل" في عام 2011، ازدهر النشر الذاتي وخاصة الكتابات الرومانسية والفنظازية والخيال العلمي. ويستطيع الكتاب الكبار أن يبيعوا مئات الآلاف من الكتب المنشورة ذاتيًا من طريق أمازون حيث يمكن تحقيق ملايين الدولارات من عائد دولارين عن كل كتاب. في السنوات القليلة الماضية، أخذت كاتبة الروايات الرومانسية اتش. أم. وورد تحقق دخلًا لا يقل عن مليون دولار سنويًا من طريق منصات للنشر الذاتي أكثر من نصفه من طريق أمازون.

في الظلام

بحسب احد التقديرات، حقق 2500 كاتب ينشرون ذاتيًا ما لا يقل عن 50 ألف دولار في العام الماضي من البيع من طريق منصات النشر الذاتي قبل أن تقتطع المنصة حصتها.

ويسعّر كتاب النشر الذاتي كتبهم أقل من الكتب الالكترونية التقليدية ولكن عائداتهم يمكن أن تصل إلى 70 في المئة من أمازون أو ضعف وحتى ثلاثة اضعاف ما يدفعه لهم الناشر التقليدي.

وتذهب أغلبية التقديرات إلى أن النشر الذاتي صناعة ضخمة الآن ولكن أمازون وحدها تعرف حجمها الحقيقي. وهذه الفجوة في المعلومات بين أمازون وباقي صناعة النشر تعني أن أمازون وحدها تعرف بدقة ما يريد الجمهور قراءته. وبالتالي فإن صناعة النشر تعمل بصورة متزايدة في الظلام.

لا أحد يعرف مبيعات الكتب الالكترونية بدقة. وأمازون لا تكشف عن مبيعاتها من الكتب الألكترونية لأي مصادر احصائية كبيرة في صناعة النشر ولا تعطي الكتاب المتعاملين معها إلا ما يتعلق بهم شخصيًا من بيانات. وقال متحدث باسم أمازون أن مئات آلاف الكتاب ينشرون كتبهم ذاتيًا عن طريق كيندل دايركت بابلشنغ، ذراع أمازون الإلكترونية، لكنه امتنع عن إعطاء رقم أو أي معلومات عن المبيعات.

باختصار، لا أحد من خبراء النشر أو الكتاب أو الناشرين يستطيع أن يقيس الحجم الحقيق لسوق النشر الذاتي، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يعرف ما يجري في صناعة الكتاب بصفة عامة.

فارق كبير

إزاء عدم وجود مصدر للبيانات الموثوقة، بادر كتاب إلى تنظيم أنفسهم وحاولوا سد الثغرة ليفهموا السوق على نحو أفضل. وهم يتعاونون بتبادل المعلومات عن مبيعاتهم ويحاولون في ضوئها تكوين فكرة أوضح عن حجم المبيعات المطلوب للوصول إلى مرتبة معينة على قوائم أمازون.

تقدر خدمة بوكستات لمتابعة مبيعات الكتب على الانترنت في الزمن الحقيقي انه في عام 2017 كان هناك نصف مليون كاتب ينشر ذاتيًا باع كل منهم كتابًا واحدًا على الأقل، وان مبيعات الكتب الالكترونية المنشورة ذاتيًا بلغت 240 مليون وحدة.

لكن مؤسس الخدمة الذي يصر على البقاء مجهول الهوية قال إن من المتعذر حساب عدد المؤلفين بمن فيهم الذي لا يبيعون نتاجهم والذين توقف طبع كتبهم في القطاع التقليدي من صناعة النشر. لكنه يقدر أن قيمة الكتب المنشورة ذاتيًا في الولايات المتحدة العام الماضي بلغت 875 مليون دولار، زهاء 700 مليون دولار منها كتب إلكترونية.

إذا رُبط هذا التقدير بأرقام مؤسسة أن بي دي بوكسكان التي تغطي 85 في المئة من سوق الكتاب في الولايات المتحدة، تتكون فكرة تقريبية عن الفارق بين ما يُنشر عمومًا عن أرقام المبيعات... وما لا يُنشر.

لا صورة كاملة

من دون معلومات دقيقة، لا يمكن بناء صورة كاملة لصناعة النشر. تتحدث تقارير عن وجود إنهاك رقمي ينبئ بموت الكتاب الإلكتروني في وقت يستهلك القراء الأميركيون ما قيمته 700 مليون دولار من الملفات الرقمية غير المشمولة بالمتابعة.

لا تعرف دور النشر ماذا يباع في أجناس أدبية تجارية معينة، ولا تستطيع المخاطرة بنشر أعمال كتاب جدد. ولا يمكن التعويل على اعداد الذين يزورون متاجر بيع الكتب. ويحصل قطاع واسع من القراء الأميركيين على كتبهم بطرق الكترونية. ومع انتقال المزيد من الكتاب إلى النشر الذاتي يصبح المجال الابداعي أكثر تفرعًا.

قالت المستشارة المختصة بالنشر جين فريدمان إن هذا يضر بالأطراف كلها، "لأن كل طرف يقدم الرواية التي يريد أن يؤمن بها شخصيًا". تعتقد دور النشر أن الكتاب الإلكتروني تجربة فاشلة واصحاب متاجر الكتب يستطيعون الاحتفال ببقائهم، ويشمت محبو الكتب الورقية قائلين إن الشاشة لن تقتل الطريقة التقليدية في القراءة ابدًا. ويستطيع الكتاب الذين ينشرون ذاتيًا أن يستمروا في تحقيق الأرباح، وأن يحاولوا إشعال شموع تبدد بعضًا من الظلام الذي يكتنف البيانات الدقيقة.

تستطيع أمازون الاستمرار في عمل ما تجيد عمله من دون أي شفافية أمام الجمهور أو القراء أو الشركات الأخرى العاملة في صناعة النشر.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "كوارتز".