إيلاف من رام الله: كما كان في حياته مثيرًا للجدل، بقي كذلك حتى بعد رحيله. الحديث هنا عن الباحث والمفكر والمؤرخ الأميركي برنارد لويس الذي رحل قبل أيام عن عمر يناهز 101 سنة.

ولد رحيله موجة من الآراء والمواقف الجدلية لدى الكتاب والباحثين العرب، فكتب فهد سليمان الشقيران، مقالًا تحت عنوان "برنارد لويس بحوث وحكايا وأساطير"، يقول فيه: "حتى بعد رحيله، يثير برنارد لويس الجدل حوله؛ ضده ومعه، هكذا درج اسمه بين الباحثين طوال قرنٍ من الزمان، بين ممتنٍ لبحوثه ومنهاجه، أو مهاجم له لـ صهينته وكراهيته للعرب والمسلمين".

تابع الشقيران: "بمجرد البحث في يوتيوب حول اسمه، ترى محاضرات عديدة تهوّل من دور الرجل في رسم خرائط العالم والنيل من المسلمين. الكثير مما يتداول حول أدواره في صناعة السياسة الأميركية لا يعدو كونه مبالغاتٍ فجة، وآية ذلك أن اللقاءات التي أجريت معه حول أقرب حدث كبير لعصرنا ممثلًا بإسقاط بغداد وحرب أميركا بالعراق توثق نفيه لأي تأييد لتلك الحرب، وأبدى استياءه من اتهامه بأدوارٍ لم يلعبها، بل كان رأيه مقتصرًا على الرعاية السياسية الأميركية للديمقراطية بالعراق، بخاصة وقد غدا شماله قادرًا على لعب أدوار يمكن لأميركا الدخول ضمن مسار دعمها".

نكتة!

يقول الباحث فواز طرابلسي تحت عنوان "برنارد لويس... المستشرق الخَرِف والنووي الإيراني"، تنبأ برنارد لويس بأن يوم 22 أغسطس 2006 الذي عيّنه احمدي نجاد، رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية حينها، موعدًا لبدء المفاوضات حول النووي الايراني، سوف يكون ليلة الالفية التي تعلن نهاية الزمان وقيام الساعة وعودة المهدي المنتظر التي سوف تشنّ ايران خلالها هجومها النووي على اسرائيل. وأضاف لويس أن تاريخ 22 أغسطس قد اختير قصدًا لأنه يصادف ليلة القدر خلال شهر رمضان.

وأضاف: "ليس في الامر نكتة. نُشرتْ نبوءةُ شيخ الاستشراقيين الانكلو-أميركيين، وفقيه المحافظين الجدد ومستشار الرئيس بوش في غزو العراق، في جريدة وول ستريت جورنال المعروفة برصانتها في 8 أغسطس 2006 تحت عنوان "22 أغسطس. هل تخبيء إيران أمرًا ما؟" لم تخبىء إيران أمرًا ما في 22 أغسطس 2006. كانت اسرائيل هي التي افصحت عمّا تخبىء بشن حرب الـ٣٣ يومًا ضد لبنان".

مضى قائلًا: "يجدر التوقف عند الحجة التي قدّمها لويس لنبوءته بالردّ على الحجة القائلة إن مثل هذا الهجوم سوف يقتل من العرب والمسلمين اكثر مما يقتل من اليهود الإسرائيليين، فأفتى بأن ارهابيين يعملون بإسم الاسلام لا حرج لديهم في ذبح اعداد من اخوتهم المسلمين. ذلك أن الضحايا من غير المسلمين مصيرهم النار، أما من سوف يقتل على يد مسلم فمكانه جنّات النعيم. وختم لويس استباقًا: "إن الله سوف يتعرّف على أبنائه".

ضد العرب

أما هاني عسل، فكتب يقول: "لم يبالغ الراحل إدوارد سعيد عندما اتهمه بالانحياز ضد العرب والمسلمين، وبأنه لا يفهم الشرق الأوسط جيدا كما يتصور ، ومع ذلك، سيظل الغرب ينظر إلينا لمدة مائة سنة قادمة على الأقل بنظارة هذا الرجل، فما كتبه عن المنطقة هو الأساس الأيديولوجي للسياسات والقرارات الغربية الحالية تجاه دولنا، ولم يبق منه سوى القليل جدا الذى لم يتحقق عمليًا.

مضى قائلًا في مقاله المعنون "برنارد لويس .. ارقد فى سلام!": "ارتبط اسم وفكر لويس، أو سيد قطب الاستعمار الجديد بالمصائب التى حلت بعالمنا العربي، منذ حرب العراق عام 2003، ومرورًا بموجات الخراب العربي التى بدأت ياسمينا فى تونس، وانتهت حنظلًا وصبارًا فى سوريا واليمن وليبيا، وأفلتت منها مصر، ولو مؤقتًا".

تحت عنوان "برنارد لويس: الوجه العاري للاستشراق"، كتب سليمان أبو ارشيد، قائلًا: "تصغر صورة برنارد لويس الفعلية أمام الهالة التي جرى نسجها حوله عبر حشد من الروايات في تضخيم بارز لدوره الأكاديمي الاستشراقي والعملي الاستشاري في تصميم وإخراج المخططات الأميركية النافذة والمبيتة، على غرار الدفع باتجاه غزو العراق ومخطط تفتيت العالم العربي والإسلامي".

تناقضات

أما سفيان طارق، فكتب تحت عنوان: "برنارد لويس.. حين يكون الباحث موظفًا" يقول: إحدى التناقضات التي تأسّست عليها تنظيرات صاحب "العرب في التاريخ" (1950) وصفُهُ الإسلام بـ"التسامح" حيث عاش في كنفه شعوب من أعراق مختلفة "حياة أخوية"، لكنه يعود عن ذلك بقوله إن الدين الإسلامي "غذّى في مراحل مختلفة الكراهية والعنف بين أتباعه".

ويضيف: "لا يمكن التعامل مع هذه المفارقة من دون العودة إلى ماضي لويس الذي قضى جلّ حياته مدافعًا عن منظومة سياسية نتيجة عمله "موظفًا" لديها، كما ذكرنا سالفًا، وتمثّلت في تبريره جميع ممارسات الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية وتبجيل دورها في نشر التعليم وتحسين واقع مستعمراتها، وحروب الولايات المتحدة ضدّ الإرهاب عبر غزوها أفغانستان والعراق، وحق إسرائيل في إنشاء دولة لها في فلسطين، وهي جميعها تنزع الحياد الذي يجب أن يتسم به شغل الباحث".

يشير الكاتب سمير مرقص إلى أنه على الرغم مقولاته كانت محل سخرية فإنها شكلت رؤى وسياسات النخبة الحاكمة. يقول في ختام مقال له نشر في "المصري اليوم": "وبالرغم من أن مقولاته كانت محل ازدراء، وسخرية، ورفض، بحسب واشنطن بوست.. فإنها شكلت رؤى وسياسات النخبة الحاكمة فى الغرب حيال الإقليم، لأنها تتيح على الدوام التدخل المباشر فى شؤونه.. رحل لويس إلا أن مدرسته حاضرة وعلينا متابعة أجيالها الجديدة...".