غير المصريون أسماء بعض الأطباق الرائجة في رمضان، فصارت الكنافة Baby hair، والقطائف Cute lips، وبلح الشام Cute fingers. ثمة من تقبل ذلك، وثمة من رفضه.

يحيى صقر من القاهرة: في هذا العام، يستقبل المصريون رمضان الكريم بمظاهر احتفالية مختلفة كثيرًا عن غيرهم من الشعوب. فإظهار المشاعر والفرحة وإعداد الولائم والحلويات سمة غالبة على الشعب المصري، إلا أنه وللعام الثاني على التوالي تظهر قائمة مأكولات رمضان الشعبية محملة بمصطلحات غريبة عن عالمنا العربي، بدأت في الانتشار بين أوساط الشباب والطبقات الراقية.

أصبحت مائدة الرحمن نوعًا من التكافل الشعبي الشهير(Iftar court)، فيما تغير اسم الكنافة لتصبح بين ليلة وضحاها (Baby hair)، وتتحول صديقتها الرمضانية القطائف إلى (Cute lips)، وبلح الشام إلى (Cute fingers).

 

 

"مش شعبي"

أثار هذا الأمر جدلًا واسعًا وموجة من السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث أبدى ناشطو فايسبوك اعتراضهم على تحويل مأكولات من التراث إلى سلعة تحمل اسمًا أجنبيًا لا يُلائم أجواء رمضان الشعبية ولا عادات المصريين وتقاليدهم، خصوصًا أن العام الماضي شهد موجة شبيهة مع تداول مصطلح (Green soup) لوصف الملوخية الخضراء، ومصطلح (Yukki fish) للدلالة على الفسيخ، و(Egyptian pasta) للدلالة على الكشري.

انهالت التعليقات الساخرة على هذه الأسماء الجديدة والتقليعات التى وصفوها بالدخيلة على مجتمعهم الشرقي، رافضين ما أسموه "الكتالوج الجديد لرمضان المش شعبي".

 

 

تقبل بعض مدوني صفحات و"غروبات" الطهي هذا الأمر، ونشرواوصفات لإعداد baby hair بالصور، فيما علق الدكتور هانى الناظر، استاذ الجلدية بالمركز القومي للبحوث، على الظاهرة ساخرًا: "نبعد شوية عن الجد، وبمناسبة أن الكنافة أصبح اسمها Baby hair (شعر الطفل) أنا أحذر السيدات من استخدام زيت چونسون للأطفال في إعداد الكنافة". الأمر ذاته أثار اندهاش مدوني صفحات العناية بالشعر على فايسبوك حيث علقت أحدهم قائلة: "حبوا شعركم ياجماعة شعركم بقى كنافة".

جيل اليومين دول

بعيدًا عن السوشيال ميديا، جالت "إيلاف"في الأسواق الشعبية لترصد كيف استقبل المصريون المسميات الجديدة.

ففي سوق باب الشعرية بمنطقة وسط القاهرة، تجمع عشرات السيدات لشراء الكنافة والقطائف الطازجة لاعدادها بالمنزل. 

 

 

السيدة زينب محمود (56 سنة) تقول مستنكرة: "طول عمرنا نعرف أن اسمها كنافة لكن ماسمعناش الاسماء الغريبة ديإلا من الفايسبوك وجيل اليومين دول إلى مش عاجبه حاجة تفضل على حالها".

يقاطعها البائع الحج سلامة ضاحكًا: "كل سنة تطلع تقليعة جديدة لكن انها توصل للكنافة ده إليمش مقبول أبدًا... زمان كانت الناس بتقول كنافة شعر يمكن اخدوا الاسم من هنا لكن ايه علاقة البيبى بالكنافة!؟". 

يعلق أحمد العشريني مساعد بائع القطائف: "إيه المشكلة، إننا نجاري العصر والموضة طالما هنبيع ونكسب، سواء اسمها قطايف أو cute lips، مش هتفرق كثير".

 

 

تخلينا عن هويتنا

تقول الدكتورة سوسن فايد، استاذ علم النفس في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، لـ" إيلاف" إن ظهور ما يسمى "كتالوج رمضان ما هو الا انعكاس واضح للمناخ الذي توقف عن دعم اللغة العربية، والذي تخلى عن هويتنا المصرية والشرقية، فإقحام مفردات أجنبية دخيلة على مأكولات وعادات ارتبطت بأذهاننا منذ عشرات السنين تارة بكلمات غربية وتارة أخرى بما يسمى فرانكو-آراب دليل على عدم وعي المتلقين لتلك الاختراقات من الشباب الصغير".

 

 

حذرت فايد من تسلل العولمة إلى ثقافتنا وحضارتنا العربية والشرقية، "وطمس كل ما هو أصيل لإبعادنا عن هويتنا من طريق أجندة تبدأ بالتأثير في اللغة العربية التي لم يستطع الاحتلال أن يؤثر فيها، وبدأت دعاوى التحرر وترك الانتماء إلى الثقافة الأصلية سواء بظواهر موسمية تُسقط على اللغة، أم بالعمل على إبراز عقدة (الخواجة) على الرغم من أن الشرق أصل الحضارة باعتراف المستشرقين أنفسهم، لكن الجهل بالتاريخ يسهل عملية الاختراق الثقافي ومحو الذاكرة التاريخية وفقدان الإحساس بالوطن والانتماء".

واستنكرت وفاء المستكاوي، الخبيرة الاجتماعية والنفسية، تلك الظاهرة، وقالت لـ "إيلاف": "تبدو غريبة على مجتمعنا، فقدسية رمضان تمنعنا من أن يكون له كتالوج، فهو شهر له طقوسه الروحاينة الدينية، ومثل تلك العادات الغريبة التي تظهر تفقدنا الاحساس بالشهر الكريم، وتبعدنا عن عالمنا وثقافتنا العربية الأصيلة".