إيلاف من نيويورك: كتب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب ونظيره، كيم جونغ اون فصلا مهما في التاريخ الحديث في سنغافورة التي استضافت اول لقاء بين رئيسي الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.

وأوحت الدقائق الأولى من لقاء الزعيمين بأن الأمور تسير بشكل إيجابي، وعزز الرئيس الأميركي الأجواء التفاؤلية بعد إعلانه بأن المفاوضات بين الجانبين تحقق تقدماً أسرع من المتوقع.

المستحيل اصبح ممكنا

واعتقد كثيرون ان اول قمة أميركية-كورية شمالية لن تبصر النور في الفترة الحالية، وجاء اعلان ترمب الغاءها بوقت سابق ليؤكد كلامهم، قبل ان يتم تثبيتها مرة أخرى وبموعدها الأساسي، ليصبح ممكنا ما كان مستحيلا وبعيد المنال.

ومنذ تسلم ترمب رئاسة الولايات المتحدة وصل التوتر في العلاقة مع بيونغ يانغ الى اعلى مستوياته بعيد التجارب الصاروخية التي قام بها كيم جونغ اون، ودخوله بحروب كلامية مع نظيره الأميركي.

مفاجآت ترمب

وأدت الأجواء المتشجنة الى استبعاد فرضية فتح قنوات تواصل بين البلدين، ولم يكن اشد المتفائلين يتوقع لقاء الرئيسين لكن ترمب الذي فاجأ العالم بفوزه بالانتخابات عام 2016، أخرج مفاجاة أخرى عام 2018 وبالتعاون مع كيم جونغ اون.

الأسباب؟

وكثرت التساؤلات حول الأسباب التي ستدفع بكوريا الشمالية الى الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية والبحث في التخلي عن سلاحها النووي، وإقامة علاقات ودية مع جيرانها وواشنطن، والدول الغربية بعد اكثر من ستين عاما من القطيعة.

الدعم الخارجي

وطوال السنوات الماضية، أقفلت بيونغ يانغ على شعبها بظل قطع أي تواصل مع الخارج، واستندت دوليا الى الصين وبدرجة اقل روسيا لمواجهة الولايات المتحدة، ولعبت على ورقة التلويح بصواريخها وترسانتها النووية لارباك جيرانها والمحافظة على توازن قوى يتيح لنظامها الاستمرار.

الخطوات الاميركية

وصل ترمب الى البيت الأبيض، وبعد اشهر فرضت ادارته اقسى رزمة عقوبات على كوريا الشمالية التي بدأت تعاني اقتصاديا، وعززت وزارة الدفاع الأميركية من تواجد قواتها على مقربة من البلاد، واستنفرت كوريا الجنوبية عسكريا عبر ابرام صفقات تسليحية مع واشنطن لتحديث قدراتها الدفاعية.

ردة فعل الحلفاء

المعاناة الاقتصادية تفاقمت اكثر مع ردة الفعل الباردة لبكين وموسكو، فالصين التي تغزو العالم ببضائعها وتحاول فتح اسواقا تجارية في كل مكان انطلاقا من آسيا وافريقيا ووصولا الى اميركا الجنوبية لا تريد ان يقودها كيم جونغ اون الى مواجهة مع واشنطن من شأنها فرملة اندفاعتها الاقتصادية على أقل تقدير.

روسيا من جهتها ركبت موجة المجتمع الدولي بعد فرض عقوبات جديدة مع ورود معلومات تشير الى قيامها بترحيل العمال الكوريين الشماليين الذين يعملون في اقاصي شرقها، وذلك لقطع التمويل عن بيونغ يانغ امتثالا للقرارات الدولية التي جاءت عقب التجارب الباليستية.

حراك بسيط ولكن مهم

وبالتزامن مع فقدان الدعم الذي لطالما استندت عليه بيونغ يانغ، بدأت المخاوف من إمكانية نشوء اهتزازات من الداخل بسبب عوامل جديدة دخلت على الخط، فإضافة الى الازمة الاقتصادية الخانقة، تسلل المبشرون الى الداخل الكوري بعدما عملوا لفترة طويلة على الحدود الصينية-الكورية، وبظل المعاناة الاقتصادية قام المبشرون بتقديم مساعدات مالية وعينية الى المواطنين بغية استمالتهم، واستفادوا أيضا من كوريين شماليين كانوا خارج البلاد وتحولوا الى المسيحية ثم عادوا لينقلوا تجربتهم، شأنهم شأن العمال الذين تعرفوا على ما يجري في العالم، قبل ان يعودوا ادراجهم الى بلادهم المنقطعة عن الخارج.

وسط هذه الظروف الصعبة، وانكفاء الحلفاء، نضجت فكرة التواصل مع واشنطن بترغيب صيني يضمن حماية نظام بيونغ يانغ، ومنع اسقاطه خارجيا، وتدفق المساعدات الاقتصادية، ويتم التوصل الى اتفاق مع واشنطن مشابه للاتفاق الكوبي-الأميركي ولكن بشروط ترمبية هذه المرة.