يبدو أن جاريد كوشنر يعيش في عالم الخيال، فمعالجته لمشكلة الشرق الأوسط تزيدها تعقيدًا ولا تحلها، ففرضياته التي يبني عليها خطته خاطئة، ما يجعل من هذه الخطة مجموعة أوهام، أو أضغاث أحلام.

إيلاف من واشنطن: قال جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصهره ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، في أول مقابلة مع صحيفة فلسطينية، إن آفاق السلام ما زالت حية على الرغم من كل المظاهر التي توحي بعكس ذلك. وأكد أن إدارة ترمب ستعلن خطتها للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. 

لا يطبق

إزاء مخاطر العنف المتصاعد والوضع الانساني المزري في غزة، والأثمان الباهظة لبقاء هذه الأوضاع، كان مفهومًا أن يرغب كوشنر في التقدم إلى الأمام على الرغم من المصاعب والعقبات كلها.

لكن مجلة "أتلانتك" قالت إنه كشف في هذه المقابلة أنه يعيش في عالم الخيال، وأن معالجته للمشكلة تزيدها تعقيدًا بدلًا من أن تؤدي إلى حلها. حتى إن فرضياته التي يبني عليها خطته خاطئة، حيث يتساءل المرء إن كان هدفه حقًا الشروع بمفاوضات جادة أم إرضاء قاعدة ترمب بالاستعداد لتوجيه اللوم إلى الجانب الفلسطيني على الفشل المقبل. 

تمضي المجلة قائلة إن أول خيالات كوشنر هي الفكرة القائلة إن رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقاء فريق ترمب بعد الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل يمكن تجاوزه بعرض الخطة على الشعب الفلسطيني مباشرة.

ولاحظت المجلة أن موقف القيادة الفلسطينية ليس ناجمًا عن تشدد تجاه اسرائيل، بل عن الخوف من أنها لن تستطيع بيع المزيد من التنازلات للفلسطينيين الغاضبين على التوسع الاستيطاني ومصادرة أراضيهم والقيود المتزايدة على حركتهم. وأشارت المجلة إلى أن 57 في المئة من الفلسطينيين يقولون الآن إن حل الدولتين لم يعد قابلًا للتطبيق.

الأقل قدرة

ثاني خيالات كوشنر هو اعتقاده أن إدارة ترمب في موقع يجعل احتمالات نجاحها في تحقيق السلام أفضل من جميع سابقاتها اللواتي فشلت في ذلك. وتلاحظ مجلة "أتلانتيك" أن ترمب لم يتمكن حتى الآن من توقيع أي اتفاقية دولية مهمة، وسياسته تضعه في موقع الأقل قدرة على تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

ففي حين أن الإدارات الأميركية جميعها كانت أقرب إلى إسرائيل منها إلى الفلسطينيين، لكنها في الأقل حاولت أن تؤدي دور الوسيط النزيه، وكانت تعتبر شريكًا ضروريًا بنظر الفلسطينيين. أما ترمب فتخلى حتى عن التظاهر بالموضوعية، وأعطى إسرائيل جائزة من أثمن الجوائز في المفاوضات هي الاعتراف بالقدس عاصمةً لها من دون أي مقابل. 

ثالث خيالات كوشنر يتلخص في أن دول الخليج ومصر والأردن ستعينه في مسعاه بتأييد سياسات ومواقف أميركية يرفضها الفلسطينيون والأغلبية الساحقة لشعوب هذه البلدان نفسها، خصوصًا الموقف من قضية القدس، حيث إن أي تراجع فيه يمكن أن تستغله دول مثل إيران وقطر وتركيا.

قضايا أساسية

رابع خيالات كوشنر هو أن في الإمكان رشوة الفلسطينيين بالمساعدات الاقتصادية للتعويض عن الخسائر السياسية. تبقى الحدود والسيادة والأمن والمستوطنات والاحتلال واللاجئين والقدس هي القضايا الأساسية، وما من قائد فلسطيني يستطيع البقاء بوعود المكاسب الاقتصادية وحدها من دون حل عادل لهذه القضايا تحديدًا.

آخر خيالات كوشنر التي تشير اليها "أتلانتيك" هو أن الإسرائيليين بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يقبلوا أبدًا باتفاق ضروري ليكون قبول الفلسطينيين أو العرب ممكنًا، بل أن نتنياهو توقف خلال السنوات القليلة الماضية حتى عن الحديث عن الدولتيين. 

في الختام، تقول "أتلانتيك" إن كوشنر يعرف ذلك كلهن بالتأكيد، متسائلة: أهو ساذج؟ أم يضمر شيئًا آخر؟ وإلا لماذا يريد المضي قدمًا بخطة لها مثل هذه الاحتمالات الضئيلة في النجاح؟