إبراهيم درويش

كتب روبرت فيسك الصحافي البريطاني المعروف في صحيفة lsquo;إندبندنتrsquo; معلقا على وفاة lsquo;انتحارrsquo; الطبيب البريطاني عباس خان قبل أربعة أيام من اطلاق سراحه من أحد سجون دمشق قائلا إنه يثير التساؤلات ليس فقط حول الظروف الغامضة لوفاته بل وحول قدرة الرئيس بشار الأسد على السيطرة على الأجهزة الأمنية، فمن المعروف أن الرئيس السوري نفسه كان يريد إطلاق سراح الطبيب البريطاني الذي اعتقل العام الماضي على حاجز عسكري بعدما دخل سوريا من تركيا لمساعدة الجرحى السوريين. وبحسب الصحافي فقد كان النائب العمالي السابق جورج غالاوي يحضر نفسه للسفر لاستلام السجين والعودة به للندن، بعدما اتصل به مسؤول سوري بارز.

لا يمكن تفسيره

وكان رد غالاوي على الأخبار بأن وفاته lsquo;لا يمكن تفسيرهاrsquo;، وكان غالاوي قد حجز تذكرة السفر عندما تلقى الأخبار من عائلة الطبيب ونائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد نفسه. ويقول النائب البريطاني lsquo;حتى الآن لم يقدم أحد لي أي تفسير مقبول، وفكرة قيام شخص بشنق نفسه قبل أربعة أيام من الإفراج عنه لا يمكن تصديقها. وأضاف أن lsquo;الحكومة السورية تعرف موقفي من الحرب الدائرة والتدخل الأمريكي، وقام مسؤول سوري بالإتصال بي نيابة عن الرئيس وطلب الحضور لدمشق قبل أعياد الميلاد وتسلم عباس، ونطالب بتفسيرrsquo;.
وفي الوقت الذي شجبت الحكومة البريطانية وفاة خان وطالبت الحكومة السورية بتقديم توضيحات. لكن المشكلة تلخص أزمة الرئيس الأسد وأنه لم يعد قادرا على التحكم بأجهزته الأمنية.
ويرى الكاتب أن خان المولود في لندن لا يعتبر من الناحية السياسية مهما، حيث اعتقل قبل عام، عندما كان يعالج الأطفال والنساء في مناطق المعارضة شمال سوريا. ونقل من سجن عدرا إلى سجن كفرسوسة، وهو المعتقل الذي يجلب إليه السجناء للتحقيق معهم عند اعتقالهم وقبل الإفراج عنهم.

مأساة

ويقول فيسك lsquo;إن مأساة مثل هذه، وهي وفاة سجين بريطاني طلب الرئيس شخصيا الإفراج عنه ووجد ميتا بدلا من ذلك في زنازين الأمن تحتاج لتوضيح كامل ليس من الحكومة السورية ولكن من الرئيس الأسد نفسهrsquo;.
مشيرا إلى أن هذا الأخير طالما زعم أنه يحكم ويسيطر على سوريا، على الرغم من عدم ارتياح البعض من قراره التخلي عن الترسانة الكيماوية، لكن لم يكن أحد لديه الجرأة على lsquo;كسر كلمتهrsquo;. مما يقترح أن هناك البعض في داخل المؤسسة الحاكمة في دمشق ممن يرغب في lsquo;تحدي سلطة رئيسهمrsquo;.
ويرى الكاتب أن الأسد كان راغبا في تقديم lsquo;خطوة تصالحية مع الغرب من خلال الإفراج عن خان، لكن هناك ما يشير لوجود عناصر داخل نظامه ممن يرغبون في إفشال أية محاولة تصالحية مع الغرب الذي كان يخطط لتدمير النظام السوري قبل عدة أشهرrsquo;. ويضيف فيسك أن مقداد تحدث عن قيام الحرس بالذهاب لزنزانة خان لإرسال فطوره له في الساعة السابعة صباحا، وعندما ذهبوا إليه في التاسعة كي يخرجوه للتريض وجدوه معلقا من بيجامته.
ونقلت عائلة خان عن زوجة أحد المعتقلين في عدرا، كان مع عباس أن الأمن الوطني نقله من السجن كي يحقق معه في بعض الموضوعات قبل إطلاق سراحه. وتعرض خان عند اعتقاله لتعذيب شديد كما أخبر عائلته لكنه لقي فيما بعد معاملة جيدة.
ومع ذلك lsquo;فمن الصعوبة بمكان تفسير اعتقاله، فقد خاض جدالا مع المقاتلين في الشمال حول كيفية توزيع المواد الطبية التي أحضرها معه، حيث طلبوا بيعها فيما أصر هو على توزيعها بالمجان على من يحتاجهاrsquo;.

كفاح أم

ويختم فيسك تقريره بالقول إن شقيق خان أفروز سافر لبيروت كي يلتقي والدته هناك، مشيرا إلى ما تحدث عنه أفروز الإسبوع الماضي من مخاوف على صحة شقيقه العقلية، خاصة أن اعتقاله بدون سبب أو محاكمة أثر على وضعه النفسي كما شرحت العائلة لاحقا.
وكان أفروز يحاول الضغط على السلطات السورية تقديم موعد إطلاق سراحه. وتشعر العائلة في أحاديثها الخاصة بعدم استعداد السلطات البريطانية القيام بأي جهد حقيقي او لفتة جدية نيابة عن عباس خان والضغط باتجاه إطلاق سراحه. وكانت والدة خان، فاطمة قد قضت أسابيع في دمشق تناشد السلطات إطلاق سراح إبنها وقامت بتوكيل محام للدفاع عنه. ويكتب فيسك في تعليق آخر عن جهود فاطمة خان قائلا lsquo;لقد التقيتها أول مرة في السفارة السورية ببيروت بداية هذ العام، وكانت تناشد المسؤولين فيها منحها وابنتها سارة تأشيرة لزيارة دمشق، وأخبرتني سارة بقصة شقيقها، ولادته في لندن وزواجه وأطفاله وكيف حركه تعاطفه مع معاناة المدنيين السوريين للعمل في المناطق التابعة للمقاتلين، وفي العام الماضي اجتاز الحدود من تركيا حاملا معه المساعدات الطبيةrsquo;.
ويقول إن عباس كان يتمشى في شارع اعتقد انه آمن ليقبض عليه الجيش، هل كانوا يعرفون أنه قادم؟ يتساءل فيسك، مضيفا كيف ألقي عليه القبض؟ وانقطعت أخباره عن العائلة ومع ذلك كانت متأكدة بأنه لا يزال على قيد الحياة.
ويقول فيسك إنه سافر لدمشق وطرح موضوع اختفاء عباس أمام عدد من المسؤولين السوريين، وrsquo;وكانوا متعاطفين معه، وكانوا يريدون المساعدة، وقلت إن كان هناك إمكانية للتأكد من أنه لا يزال على قيد الحياة وإن كان موجودا في سجن أمني أم لا؟ وأرغب بزيارته لكي يكون بمقدوري إخبار أهله أنه لم يقتلrsquo;.
وrsquo;أخبرت بعد أسابيع من أن lsquo;أمن الدولةrsquo; يتعامل مع الموضوع، وأن قضية عباس في يد المسؤولين السوريين، وافترضت قيام الحكومة السورية بالتعامل مباشرة مع الحكومة البريطانيةrsquo;.
ويقول فيسك إنه قرر الخروج من الموضوع لعلمه بحصول والدته فاطمة على تأشيرة لزيارة دمشق كي تقابل ابنها وتتأكد من نقله إلى سجن أفضل ولتوكيل محام للدفاع عنه أمام محكمة في دمشق.
وزارت والدته في دمشق العديد من الوزارات والمسؤولين وسفارات التشيك وروسيا. وجددت السلطات اقامتها أكثر من مرة مما يعني أن ابنها كان في أمان والسؤال هو متى سيعود إلى بلده؟

موافقة الرئيس

ويقول الكاتب إن زيارة فاطمة لابنها لم تكن لتحدث لولا تدخل من الرئيس نفسه، خاصة أن الأسد لم يكن يريد تأثر وضع بلاده دوليا بعد قرار الدول الغربية التخلي عن ضرب النظام عسكريا، وموافقة الحكومة السورية على تدمير ترسانتها الكيماوية. وتوقفت الدعوات الأمريكية الداعية لتنحي الأسد عن السلطة.
ولم يعد كيري يكرر تشبيهاته الاسد لهتلر أو أنه أسوأ من هتلر، ولم يعد لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي يقول إن الأسد lsquo;لا يستحق البقاء على وجه البسيطةrsquo;.
ويختم فيسك تعليقه بالتذكير برد فعل الحكومة السورية على وفاة عباس مقارنا إياها برد فعل الأسد عام 2005 عندما سمع بمقتل رفيق الحريري، حيث تبين فيما بعد أن عناصر كانت تريد التخلص الحريري لأنه كان يخطط مع الفرنسيين لتدمير قوة سوريا في لبنان. ولكن عباس غير الحريري، فهذا الرجل الجريء lsquo;الرجل الذي كانت حياته مهمة للأسد أكثر من حياة أي اجنبي في سوريا وجد ميتا في سجن أمني للدولة، وعشية تسليمه لنائب بريطاني تثق به عائلة الأسد، هل هناك أحد يعمل على ضرب خطط الأسد لتحسين العلاقات بين بريطانيا وأمريكا؟rsquo;.
ويقول lsquo;في الأيام القادمة سنعرف الكثير، فالرجل الذي كانت عائلته تنتظر حضوره انتهى مشنوقا في زنزانته، والسؤال هو من قتله؟rsquo;.

وفاة جهادي

واهتمت الصحف البريطانية بمقتل جهادي بريطاني في شمال سوريا، ظهر في الشهر الماضي عبر lsquo;سكايبrsquo; وتحدث مع مراسل lsquo;نيوز نايتrsquo; وهو افتكار جمان (23 عاما) حيث تحدث عن رؤيته الجهادية.
ووصفته صحيفة lsquo;ديلي تلغرافrsquo; بـ lsquo;الجهادي النجمrsquo; لنصائحه التي قدمها للشباب من أجل اللحقاق به والقتال في سوريا. وقتل جمان المعروف بأبو عبد الرحمن أثناء مشاركته في هجوم شنته الدولة الإسلامية في العراق والشام على مخازن للسلاح.
وأعلنت الدولة عن مقتل جهادي بريطاني آخر لقبه أبو القعقاع أيضا. جاء هذا في وقت أظهرت فيه دراسة للمركز الدولي لدراسات التطرف في جامعة كينغز عن زيادة نسبية في عدد المقاتلين الأجانب.
وقدرت الدراسة العدد بحوالي 11 ألف مقاتل من 70 دولة. وقالت الدراسة إن العدد من الدول الأوروبية قد تضاعف منذ العام الماضي ليصبح 1900 من بينهم 366 بريطانيا، فيما زاد عدد القادمين من فرنسا وبلجيكا أربعة أضعاف. ويأتي التزايد في نسبة القادمين من الخارج في ظل هجرة نسبية للمقاتلين من الجماعات السورية المقاتلة التي لم تعد تجد المال ولا السلاح الكافي للجماعات المتشددة ذات التمويل والتسليح الكافي.

بدون سلاح

ففي تقرير لصحيفة lsquo;كريستيان ساينس مونيتورrsquo; جاء فيه أن الدعم المالي والعسكري للجيش السوري الحر قد نضب في الأشهر الأخيرة وذلك نقلا عن قيادي ميداني اسمه أحمد الحريري من درعا، التقته في مدينة إربد شمال الأردن.
ويقول إن هذا الوضع أثر على معنويات المقاتلين الذين بدأوا بالتحول نحو الجماعات المرتبطة بالقاعدة. ويقود الحريري قوة من 450 مقاتلا، وبدأ عدد منهم يتركه بحثا عن تسليح وأموال أفضل لدى الجماعات الأخرى.
وفاقم قرار الولايات المتحدة وبريطانيا الإسبوع الماضي تعليق الدعم غير الفتاك للجيش الحر من أزمة الأخير. ويقول الحريري lsquo; في بداية الثورة كان لدينا الملايينrsquo;، وكانوا يحصلون على تبرعات من السوريين في المهجر lsquo;من إخواننا السوريين في الكويت كنا نحصل على 80- 100 ألف دولار أمريكي كل شهر أو شهرينrsquo;.
ولكن الوضع تغير الآن فالمقاتلون معه يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم ويعتمد على تبرعات من شقيقه وهو رجل أعمال لتزويد جماعته بالطعام والسجائر وبطاقات الهواتف. ومع تزايد القتال في درعا يقول إن مقاتليه أخذوا إجازة عن القتال بسبب عدم وجود ما يكفي لإطعامهم، وكانت مجموعته قد عقدت تحالفا غير مريح مع جماعات مرتبطة بالقاعدة .
وقرأ الحريري رسالة هاتفية من نائبه في درعا:rsquo;اعطيت معظم المقاتلين إجازة وطلبت منهم البحث عن عمل بسبب نقص المواد الغذائيةrsquo;. ويقول إن بعض المقاتلين يفكرون بالإنضمام لكتيبة lsquo;أحرار الشامrsquo;. ويصف الحريري الفصيل بأن هذه lsquo;عروض جيدةrsquo; فهم يعدون بتقديم العربات والرواتب الجيدة، ولديهم اسلحة ثقيلة وصواريخ مضادة للطائرات، ويعطون المقاتل 150 دولارا في الشهر وهذا مبلغ كبيرrsquo;.
دور الأردن

وتحدثت الصحيفة عن الدور الذي يلعبه الأردن ولكن بهدوء في تنسيق المساعدات الغربية للمقاتلين من أسلحة وذخائر. ويتم نقل المقاتلين الجرحى في الجبهات إلى المراكز الطبية في الأردن للعلاج.
ويسافر قادة الجيش الحر للأردن للقاء المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، والأوروبيين والعرب. وكجزء من جهود مساعدة المقاتلين تدير الإستخبارات الأمريكية برنامجا لتدريب المقاتلين في جنوب الأردن.
وتشير الصحيفة إلى أن السعودية ودول الخليج الأخرى تدعم جماعات إسلامية بالمال والسلاح الجيد، وتنقل عن مسؤول عربي أن lsquo;السعودية لا ترى في دعمها قتالا لتغيير النظام بل تقاتل إيرانrsquo; ولكن على الساحة السورية. ويقول مسؤولون في الجيش الحر إن الدعم لهم توقف تقريبا حيث يتم التركيز على مؤتمر جنيف-2، ويقول الحريري lsquo;منذ أربعة اشهر لم نتلق أسلحة، وإذا طلبنا قهوة أعطونا ماءrsquo;، و lsquo;تراجع كل شيء، السلاح والذخيرة والطعامrsquo;.
وتم إضعاف الجيش الحر، بزرع بذور الإنقسام فيه ومن خلال اغتيال قادته، واستقالة بعضهم ورحيل آخرين للمهجر. وتقول مسؤولة في موقع للإنترنت عن سوريا إن عددا من أعضاء الجيش الحر تركوا صفوفه بسبب عدم توفر المصادر اللازمة لهم وانضموا لجبهة النصرة ذات العتاد الجيد او لشعورهم بالحاجة للحماية من الجماعات الأخرى المرتبطة بالقاعدة مثل lsquo;الدولةrsquo;، مشيرة إلى أن الجبهة هي lsquo;اقل الشرينrsquo;. ويقول الحريري إن من ينضمون للجبهة يتم تدريبهم في معسكرات تابعة لها في اللجة جنوب سوريا حيث يتلقون تعاليم سلفية.