صالح الديواني

أشعر بسعادة غامرة، وأنا أتامل ردة فعل المجتمع على خلفية مقتل إرهابيين على يد رجال أمن مطلع هذا الأسبوع، وما مثله مقته الشديد للإرهاب والفكر المنحرف الضال، ومن يعتنقونه جملة وتفصيلا، وحجم التلاحم الكبير الذي ظهر بين أفراد المجتمع، واتفاقهم الكلي على نبذ كل ما يخل بأمن الوطن وسلامة ساكنيه.
فقد كانت ردة الفعل المعارضة للأفعال الإرهابية، هي أبرز ما لفت نظري كثيرا جدا، فالالتفاف حول القيادة، وتأكيد الأمن المجتمعي، وكراهية العنف، ورفض الغلو والتطرف والتخريب باسم الدين وغيره، ونبذ الخروج على فطرة الإنسان السوية السليمة، كلها أمور طبيعية جدا، لكن الاستثناء يأتي في نقطة الاتفاق على الرفض بنسبة ساحقة، الأمر الذي يُعبر فعلا عن توجه المجتمع نحو الغد ومستقبل الوطن وإنسانه، وأخلاقيات التعايش، والفكر الوسطي، بشكل قوي وكبير.
وهذا من وجهة نظري ملاحظ على فكر مجتمع بكامله، يحاول بعض المرتزقة وصمه بالإرهاب عبر تبني أفكار وأعمال تتلبس بالدين، من خلال إعلانه بثقة حالة الوعي الكبير بخطر وخبث وبلاء الأعمال والمفاهيم المغلوطة والمنحرفة، التي تعبث بمسيرة المجتمعات والحياة الإنسانية، وهذا الإعلان الجماعي مبهج فعلا، وأرى أنه مكسب كبير يحققه المجتمع، يعكس حقيقة الأرقام التي تتحدث عن ارتفاع معدلات الفئة العمرية الشابة، التي لم يتم تشويش أفكارها وأرواحها بعد، مسنودة بفكر ذوي الخبرة.
لقد ضرب البطل جبران عواجي ورفيقاه، فهد المجممي، ونادر الشراري، مثالا مهما وواضحا على قدرات التأهيل التي تلقوها، وجودة المنتج النهائي، وقوة مبدأ نبذ فكر الإرهاب والتصدي له بشجاعة، وبديهية الإخلاص للوطن قيادة وأرضا وشعبا، فما فعله أولئك الأبطال، لم يكن سوى تطبيق عملي، أراه درسا تاريخيا لمعنى الفداء، والبطولة، والواجب الأخلاقي، الذي لا بد أن يكون في مقدمة الأفعال الإنسانية قبل العسكرية على الدوام، وتجسيدا عميقا لمعنى حماة الدين والأرض والإنسان.
وقد أبهجني حجم ذلك المد الجماهيري الجارف المعارض للإرهاب، الذي انطلق على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر برامجه ووسائله المتنوعة، ذلك المد الذي أشار صراحة إلى ارتفاع معدلات التفكير في الحياة، أكثر من التفكير في الموت، والتفكير الإيجابي في كيفية الإعمار وبناء أمة متزنة، أكثر من البحث في كيفية تعطيل العقل وتوقيفه في زاوية الهدم واليأس والموت، في البحث عن التنوع، لا في فرض الفكرة الأحادية، في التوق والتطلع واستشراف المستقبل، لا في استحضار الماضوية المشوشة، في محاولة كسر التابوهات الفكرية الجاهزة، على مستويات الفكر الديني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، التي تم تشويهها، وتقديمها من وجهة نظر انتهازية لا تفكر سوى في ترويع الآمنين، واجتثاث روح الإبداع، ذلك الذي يُعد ركيزة أساسية لنهوض المجتمعات الإنسانية، التي ترى الحياة من باب المنجز البشري عبر التاريخ.
أشعر بسعادة غامرة، لأنني أعيش مع هذا المجتمع، لحظات إعلانه العيش في ساحات المستقبل، تلك الساحات التي تفكر في وطن مختلف، وحياة مختلفة للعلم والمعرفة والثقافة، لبناء مستقبل يعبر عنها، أعيش الزمن الذي شاءت الأقدار أن يُصنع جزء مهم منه في حي اسمه الياسمين. وسأفترض أن في ذلك بشارة على قدوم زمن الياسمين لهذه البلاد الطيبة، التي واجه أهلها الإرهاب بشجاعة، ليواجه حتفه منتحرا وسط حصار الياسمين.