فوزية البكر 

حامت تساؤلات المواطنين وتعليقاتهم الموجودة على الشبكة العنكبوتية بعد حادثة الياسمين التي جرت في مدينة الرياض يوم 7-1-2017 والتي تمكن خلالها رجال أمننا ذوي الخبرة المتراكمة في مواجهة الإرهاب من قتل الإرهابيين وحماية أنفسهم والمصلين في المساجد المجاورة من أي أذى لذا امتلأت مواقع التعليقات بأدعية أن يحمي الله هذا الوطن مع الإشادة بالدور الفريد الذي يقوم به رجال أمننا البواسل لكن الأسئلة الأكثر أهمية كانت كالآتي:

من أين أتي هؤلاء الإرهابيون القتلة؟ من وراءهم؟ من يحميهم ويمولهم بالأسلحة ويؤمّن لهم احتياجاتهم اللوجستية من سيارات وتنقلات وبيوت؟ إن الذي أوجدهم في منطقة تعتبر مركزا معيشيا لطبقة وسطى من سكان المدينة وتتمتع بالخدمات والتمشيط الأمني طوال الوقت أي أنها منطقة مستقرة تحيطها عدد من الشوارع المزدحمة ليل نهار يمكن أن يوجدهم في أي منطقة أخرى، إذ قد يكونون حول منزلك أو منزلي، جارك أو جاري.. الخ، فما الذي علينا تعلمه من الإشارات الهامة التي تنبهنا لهم والتي بلا شك أصبحت مألوفة لدى رجال أمننا خلال صراعهم الطويل مع هؤلاء الإرهابيين؟ هل هي سيارات معينة؟ هل هي أشكال خارجية أو سمات على المظهر العام أو الملبس؟ كيف ننتبه لمن يمكن أن يدعمهم ويسهل مهماتهم؟ كم هي أعدادهم بالتقريب؟ومن يغذيهم فكريا وماليا؟ كيف يمكن لنا مثلا اختراق تجمعاتهم العائلية للتأثير على أحبابهم للإسراع في الإبلاغ عنهم قبل تورطهم في قتل أحد أو المشاركة في عمل إرهابي.

لكن ورغم أهمية كل هذه الأسئلة لحمايتنا إلا أن السؤال الرئيس في ظني هو: من يغذيهم فكريا؟ من الذي يشحنهم ضد مجتمعهم ليتحول صغار بسطاء لا يعرفون من العلاقة مع الخالق العظيم غير الخوف والتربص ومن يلهب علاقاتهم المضطربة بالناس من حولهم والمجتمع ككل لينظروا له بعين الخطيئة التي تصل بهم إلى تحليل قتل النفس والناس معا رغم {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة.

الدراسات حول ظاهرة الإرهاب وكيف يتحول الإنسان إلى الفكر المتطرف كثيرة جدا إلا أنها لم تستطع أن تحدد سمات عامة جامعة تميز الإرهابيين، فقد يكون أحدهم غنيا جدا كأسامة بن لادن وقد يكون فقيرا وبسيطا مثل مئات من هؤلاء الصغار الذين فجروا أنفسهم دون تفكر لكن الملاحظ أن الكثير من الأسباب السياسية والاجتماعية والدينية قد تؤدي بعضها أو مجتمعة إلى حالات للتطرف والإرهاب فمحدودية الأنشطة الإنسانية والاجتماعية والسياسية في الوسط الذي يعيش فيه الشباب يولد فراغا كبيرا يسهل استقطابهم عبر شغلهم بقيم ومفاهيم كبرى يبحثون عنها في هذه المراحل الغضّة من نموهم النفسي والاجتماعي وقد يجدونها توهما في بعض التجمعات الإرهابية بما يفقدهم حياتهم ويمزق أسرهم كما أن الشعور بالعزلة والاغتراب عن المحيط العام للبلاد والذي قد يتولد بفعل الفروقات الاجتماعية العميقة قد يولد غضبا وشعورا بالظلم مما يجعل الشاب فريسة سهلة.

ضعف محيط الأسرة أو تدهوره أو ميل الأسرة بمحيطها العام من مسجد ومدرسة ومجتمع إلى تفسيرات مفرطة في التزمت مع اختلاط التفسيرات الدينية والاجتماعية والقبلية لكثير من المفاهيم والممارسات اليومية والاجتماعية قد يؤدي إلى التطرف والتشدد والانحراف ثم الإرهاب.

نحن أمة تعيش بوجوه متعددة وبتفسيرات متناقضة أحيانا لسبل عيشنا وحياتنا نتيجة للتناقضات الفكرية الهائلة بين ما يقدم من تعاليم دينية واجتماعية في المدرسة والبيت والمستوى الرسمي وبين متغيرات العصر الحاضر التي أفرزت تفسيرات جديدة لسبل الحياة وأدوار الشباب ذكورا وإناثا ولهذا فما يفرضه العالم من احتياجات قد يحرمه معلم أو جد أو قريب ونموذج الحياة الذي عاشته الأجيال السابقة لم تعد متوافقة مع احتياجات ومتطلبات العصر فأي نموذج يتبع الشباب وما هو المقبول وما هو الصحيح دينيا واجتماعيا؟ هل الشباب السعوديون الخمسة والشابات الذين قتلهم الإرهابيون في المقهى الليلي في إسطنبول والمصابون التسعة خاطئون في عيون هذا المجتمع أم أن الحقيقية أن الملايين من الآباء يسافرون كل عام لأن أبناءهم يرغبون في الذهاب إلى المقاهي والمطاعم الليلية؟ متى سنخلع هذا الرداء الكاذب؟ متى سنكون نحن لا ما يريدون هم أن نكون؟ متى نملك الشجاعة لنحمي أبناءنا من التطرف والمخدرات والعوالم السرية؟