أحمد عبد الملك

تخرجُ علينا وسائل التواصل الاجتماعي يومياً ببعض الرؤى والاستنتاجات والتحذيرات، ربما كان بعضها من أفعال الاستخبارات، حول التحركات السياسية والاستخباراتية والعسكرية للدول المحيطة بالشرق الأوسط، والدول الكبرى، خصوصاً ما تعلَّق بتقسيم دول منطقة الشرق الأوسط على غرار ما جرى في اتفاقية «سايكس - بيكو» بعد الحرب العالمية الأولى. ويَذكر أحدُ التقارير (أو التسريبات) خططاً لتمكين الشيعة من بسط نفوذهم واستكمال سيطرتهم على العراق وسوريا واليمن، وعلى أهم المضايق والممرات المائية حول الجزيرة العربية، وكذلك ضلوع دول، مثل أميركا وروسيا وإيران وإسرائيل، في مضايقة أهل السُّنة والعمل على تهجيرهم، كي لا تأتي خمس سنوات إلا وجميع أهل السُّنة في سوريا قد تم تهجيرهم بالكامل!

وتزعم تلك الرؤى أو التقارير الاستخباراتية قيام أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا بمساعدة إيران على إسقاط دول الجزيرة العربية، وإقامة دويلات شيعية تابعة لطهران، مقابل صفقة تشمل تقاسم ثروات النفط والغاز بين تلك الدول. ويوازي ذلك إعداد خمسة ملايين مقاتل شيعي لاجتياح بلدان الخليج العربية، واستغلال موسمِ الحَج لزعزعة الأمن. وتذهب تلك الرؤى في وصف مخطط غريب يسمح لإيران بصُنع القنبلة النووية لضرب الخليج!

وتقوم مصادر أخرى بإثارة التحريض بين الشعبين السعودي والمصري، وتتحدث عن وجود «مخططات عالمية» لإيقاع مصر في دائرة الفوضى، مثلما حصل في سوريا، وضرب الاقتصاد المصري، ودق إسفين بين مصر والدول العربية الأخرى، وإطالة أمد الحرب في اليمن لاستنزاف دول الخليج العربية، ولتعكير الملاحة في باب المندب.. إلخ.

أشعر شخصياً من تلك الرؤى والتكهنات أنها استخباراتية وليست إعلامية تحليلية، وأنها قد تكون جزءاً من مخطط إعلامي يقوم به طرف ما لخلق حالة ذعر ويأسٍ بين المواطنين العرب، أو لاستثارة الإعلام والاستخبارات والزج بهما في «مستنقع» البحث والتنقيب والاحتراز والتوقع، وهذا مُكلف جداً من الناحية المادية واللوجستية.

ولأن العلاقات العربية - العربية ليست في أحسن حال، ولأن كلَّ بلد عربي لديه معضلاته التنموية والجغرافية والأمنية والسياسية، فإن تلك التقارير والرؤى تُفاقمُ مشكلات العالم العربي، وتُقيمُ جدراناً عالية من الشك والتوجس بين بلدانه المتجاورة. وهذا يساهم في إضعاف جهود التنمية وفي مفاقمة المشكلات المحلية، بجعل تلك البلدان في حالة استنفار دائمة.

بودي لو يخرج سياسي عربي يدحض هذه «التسريبات» المقلقة، أو يؤيدُ بعضها إن كان منطقياً، ويوضحُ للناس ما سيكون عليه الواقع العربي، أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً.. بعد عشر سنوات من الآن.

من حق المواطنين العرب أن يشعروا بالذعر، وأن يقوم الميسورون منهم بشراء بيوت خارج الأوطان، وقد زادت هذه الظاهرة خلال العامين السابقين. ومن حق المواطن العربي أن يتساءل: لمصلحة مَن يظل هذا الشقاق بين الدول العربية؟ ولماذا لم يُحسم موضوع سوريا واليمن حتى الآن؟ ولماذا دُمِّرت حلب ولم يستيقظ الضمير العالمي إلا بعد أن أصبحت أطلالاً؟! وهل هناك نفاق عالمي في معالجة معضلات الشرق الأوسط؟

من حق المواطن العربي أن يخاف على أسرته ومستقبله، في ظل تنامي التلويح بالقوة والجبروت، سواء من إيران أو إسرائيل أو حلفائهما؟!

موضوع المستقبل العربي يحتاج إلى وقفة، وإلى فتح ملفات لا يُحبِّذ كثيرون فتحَها اليوم، وإلى قراءة التقارير الغربية بصورة واقعية، وإلى قيام مراكز البحوث العلمية العربية ببحث مستقبل المنطقة بطرق جديدة، والمقارنة بين ما يأتي من «تسريبات» استخباراتية أجنبية (على هيئة بالونات اختبار) وبين قوة الجبهة الداخلية في البلدان العربية! وضمن ذلك ينبغي بحث موضوع العلاقات العربية - العربية، على الأقل لضمان جبهة واقية من أية انشطارات.

وأخيراً، لابد للإعلام في بعض الدول العربية من العودة إلى رُشده، وترك مشاهِدَ وكلماتِ التخوين والتهييج والسُّخرية بحق الدول العربية الأخرى، وأن يتحلى بحِكمةِ العقل ويساهمَ في لملمةِ الكلمة العربية، وأن يسمو فوق جراحات السياسة، ليُعين السياسيين والجماهير العربية على الاستهداء نحو غد أفضل للأمة العربية.