محمد علي فرحات

غداً يتسلّم دونالد ترامب رئاسة أقوى دولة في العالم. إنه يوم مختلف للولايات المتحدة والصين وأوروبا والعالم العربي، قبل مناطق العالم الأخرى.

كان سهلاً رسم توقّعات لسياسة أي رئيس أميركي جديد، بالاستناد إلى سيرته الشخصية وأدائه في الحزب (الجمهوري أو الديموقراطي)، لكن الأمر مع ترامب يأخذ منحىً غامضاً، فالرجل رشّحه الحزب الجمهوري مرغماً، لأسباب مركّبة بين الفراغ الحزبي وجُرأة المرشّح المغامر القادم من عالم الأعمال.

لا تصحّ قراءة نهج ترامب في ضوء السياسات المعلنة والثابتة للحزب الجمهوري، ويحاذر المراقبون القراءة في ضوء تصريحاته المتناقضة في مسار الانتخابات المعقّد، فقد يفاجئهم بشخصية اكثر اتزاناً وبخريطة عمل تأخذ من الحزب الفائز والحزب المهزوم افضل ما فيهما، بحيث يمكن لترامب، إذا صح مثل هذه الخريطة، تأسيس وجهة ثالثة تحتاجها واشنطن بعدما ضعفت وتراخت الوجهتان الجمهورية والديموقراطية، وملّ الأميركيون من التعاقب البليد للحزبين على الرئاسة، هم الذين يقوم تراثهم الحيوي وحراكهم اليومي على المبادرة والتجديد، يصح ذلك في عالم الأعمال كما في عالم السياسة، ولا تناقض. هكذا ربما يبرهن رجل العقارات ورئيس الولايات المتحدة ورئيس العالم في آن واحد على اختراق تاريخي، على رغم المفارقة أن ترامب القليل الدراية في الشأن السياسي يخلف في البيت الأبيض أستاذاً ومنظّراً في السياسة هو البروفسور باراك أوباما.

ولكن، لا يستطيع أحد الرهان على وجهة ثالثة في السياسة الأميركية يطلقها ترامب، فأمام الرجل تحدّيات كبرى تُعرقل الانعطافة التي وعد بها بكلامه المتناثر في خطب وتصريحات وتغريدات. أول المشكّكين فلاديمير بوتين الذي توقّع حصول انقلاب على ترامب، والمقصود هو التخوُّف من عرقلة الكونغرس الانعطافة الترامبية، فالنواب والشيوخ يميلون غالباً إلى اعتبار الصين صديقة وروسيا عدوّة فيما يميل ترامب إلى العكس، وقد بدأ ملاعبة بكين في اهتمامه الزائد عن الحد بالوضع في بحر الصين، معبّراً عن ذلك باتصالات لا موجب لها برئاسة تايوان.

وتتهيّأ دول صديقة لواشنطن لمواجهة غموض ترامب ومفاجآته، فجارتها كندا استبدلت وزير خارجيتها ستيفان ديون بوزيرة خبيرة بالاقتصاد هي كريستيا فريلاند، لكونها أقدر على مخاطبة الإدارة الأميركية الجديدة في سياق ملابسات اقتصادية بين البلدين الجارَيْن، أبرزها الكلام على دخول وخروج حوالى 3 بلايين دولار يومياً من طرفَيْ الحدود البرية.

وإذا كانت هذه حال كندا فالأحوال الأوروبية تتراوح بين الترحيب الديبلوماسي بترامب والتحفُّظ عن آرائه المعادية للاتحاد الأوروبي ولحلف «الناتو» الذي تُعتبر واشنطن شريكاً رئيسياً فيه.

كان رؤساء أميركا يعتبرون أوروبا أمّهم العجوز التي أنقذوها في الحربين العالميتين فحفظوا حضارة يفخرون بالانتماء إليها، ولكن، مع ترامب، قد تتحول أوروبا إلى عجوز غريبة لا ضرورة للاهتمام بشأنها، وربما المطلوب محاسبتها كما يحاسب تاجر تاجراً آخر. تستعد أوروبا للعهد الأميركي الجديد من دون ان تدري حقاً وجهة الاستعداد وعناصره الضرورية.

أما العالم العربي الذي أخذ على باراك أوباما انسحابه من واجباته تجاه أمن المنطقة، فيسوده الشك بتغيير إيجابي في سياسات البيت الأبيض الجديدة. كل ما في الأمر كلام التاجر البدائي يعلنه ترامب ويكرر إعلانه، والخوف هو أن يأخذ الرئيس الجديد أميركا إلى مزيد من الضعف والانسحاب من واجباتها الدولية، فتبقى المنطقة العربية أسيرة فلاديمير بوتين الغني بالسلاح والفقير بالاقتصاد والسياسة.

نقول: الخوف؟

ربما يأتي ترامب بالمفاجآت السارة. من يدري؟