علي نون

لكثيرين أن ينتظروا «أولى» خطوات دونالد ترامب كرئيس لأكبر دولة في العالم، بعد أن استمعوا طويلاً إلى مواقفه خلال حملته الانتخابية المتعبة والمضنية!

لكن القول المأثور، البسيط والمركب في الوقت نفسه، يفيد بأن الرسالة تقرأ من عناوينها، وإذا كانت مواقف ترامب غير كافية لإقناع من هو في قاعة الانتظار اليوم فماذا عن التعيينات التي أجراها في المواقع الأساسية لإدارته؟

صحيح أن التناقض كان (ولا يزال) سمة لبعض مواقفه الخارجية ولرؤيته لدور أميركا المجهض على يد سلفه باراك أوباما.. لكن ذلك لا يعود له مكان، طالما أن الموقف الإيجابي (مثلاً) من روسيا أُلحق بتعيين وزير خارجية «صديق» لزعيمها فلاديمير بوتين! والموقف السلبي (مثلاً!) من إيران ونهجها وسيرتها وسياساتها وتوجهاتها و»الاتفاق النووي» معها أُلحق بتعيين وزير للدفاع يعتبر دولة «الولي الفقيه» أخطر تهديد للأمن والسلم الدوليين، والمرتع الأول للإرهاب في العالم. ومعه وإلى جانبه مستشار الأمن القومي (الذي لا يحتاج بالمناسبة للتصديق عليه من قبل الكونغرس) لا يبتعد خطوة واحدة عن آراء زميله في «البنتاغون» حيالها!

أي أن ترامب، العشوائي، المتناقض، الصعب المراس، الفجّ والفظ والمُنفر والاستفزازي.. إلخ، أظهر ويُظهر من خلال أولى «خطواته» التنفيذية المتعلقة بالتعيينات في إدارته، أنه شخص جدي! ومنظّم! ومنهجي! ومخطط! والأخطر، أو الأهم من ذلك، أنه قدم ما يكفي من دلائل على نيّته ترجمة أقواله إلى أفعال! حتى وإن كانت تلك الأفعال (حُكماً!) دون مستوى الفظاظة المقاربة للوقاحة التامة في مواقفه.

بمعنى آخر، هو قال ما لم يقله رئيس أميركي سابق عن حلف الـ«ناتو» وعن كونه صار إطاراً عفا عليه الزمن! لكن ذلك لا يعني أنه سينسحب منه أو سيقضي عليه! بل الواضح أنه يُمارس «أعلى» درجات الضغط من أجل الحصول على «أدنى» المكاسب لبلاده! تماماً مثل التاجر الشاطر بحيث إنه يريد على ما قاله بنفسه، تخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الولايات المتحدة في الحلف والتي تقارب السبعين في المئة من موازنته في مقابل رفع نسبة مساهمة الأعضاء الأوروبيين أكثر مما عليه!

والقضيتان الأخريان اللتان تهمان العرب والمسلمين تتصلان بإيران من جهة وبسوريا من جهة ثانية. وفي هذا تصحّ المراهنة على أنه سيعتمد إزاء الوضع السوري سياسة لن تسرّ خاطر إيران ولا تابعها بشار الأسد أياً تكن الأحوال! في حين لا يبدو أنه سينسف «الاتفاق النووي» لكنه يعطي ما يكفي من إشارات إلى أنه سينسف سياسة أوباما «المتساهلة» مع أداء إيران الخارجي.. ومع أذرعها الممتدة إلى خارج حدودها. والواضح أن الإيرانيين «يصدقونه»! ولا «ينتظرون» مع غيرهم خطواته الفعلية لمعرفة توجهاته! ولذلك يظهرون الكثير من التوتر (مع الروس في سوريا وفي موضوع الاتفاق النووي) لكنهم باشروا إعطاء مؤشرات إلى نمط مختلف عن المألوف في سياستهم إزاء المملكة العربية السعودية مثلاً! وكلام أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني ثم وزير الخارجية محمد جواد ظريف (من دافوس) يدل على ذلك مبدئياً، خصوصاً وأن الاثنين «اكتشفا» أخيراً «فضائل» التوافق مع المملكة بعد أن جرّبت بلادهما كل شيء تقريباً للمس بها والتطاول عليها وعلى دورها وعلى كونها أساس العرب والإسلام في هذه الدنيا! وبعد أن تأكدا تماماً أنها ليست لقمة سائغة ولا «تفصيلاً» في التاريخ والجغرافيا! بل تعرف تماماً كيف تصون بلادها وديارها وكيف تحمي مصالحها ومصالح العرب والمسلمين في الإجمال وأينما تطلّب الأمر ذلك!

ترامب ليس أحجية وإنما كتاب مفتوح، وليس من الحصافة في شيء ادعاء عدم القدرة على القراءة! والجلوس في قاعة الانتظار لرؤية ماذا سيفعل!

علي نون 

شؤون لبنانية