عيسى الحليان

في أبلغ وصف قرأته عن قناة الجزيرة ما قالته «الواشنطون بوست» قبل بضع سنوات، وهو أن «الجزيرة دولة عاصمتها قطر» ومثلما ضبط العرب مؤشرات أجهزة المذياع على راديو الـــBBC طوال نصف قرن بحثاً عن الحقيقة الغائبة،

وألفت آذانهم صوت محمد الأزرق ومديحة المدفعي وهدى الرشيد، فقد أعاد التاريخ نفسه مع قناة الجزيرة حقبة انتشار الفضائيات، ومن المفارقات أنها ولدت من رحم الـBBC أيضاً. ورغم كونها احتلت الشاشات العربية في تلك الحقبة المأزومة، وحققت انتشاراً غير مسبوق في ظل هيمنة الإعلام والتلفزيون الرسمي على مناخ الإعلام العربي آنذاك، إلا أنها رغم ذلك تعدت كل الخطوط الحمراء، وبالتالي بقي الخلاف حاداً حول هذه القناة، والجدل محتدماً حول برامجها الحوارية التي كانت تتأرجح بين الموضوعية والانحياز، وربما كان ذلك سبباً رئيسياً ومباشراً في لائحة الاتهام الطويلة التي ظلت توجه لها، لكن الانقسام العربي حولها ظل صفة ملازمة لها، ففيما كان البعض يرى بأنها أول محاولة حقيقية لوضع الإعلام العربي على قضبان الحرية، كان البعض الآخر يرى خلاف ذلك، ويتهمها بالديماغوجية والإثارة وإشاعة الفرقة والبلبلة بين العرب.

الذين كانوا يتابعون هذه القناة يدركون إنها إضافة إلى جملة طويلة من أدوات الإعلام العربي ظلت تهمز في قناة المملكة وتصفها بالانغلاق والتشدد طوال هذه الحقبة، وكان رأس الحربة في مثل هذه الاتهامات منع قيادة المرأة للسيارة، وهيئة الأمر بالمعروف وغيرها، وعندما بدأت المملكة في اتخاذ تدابير وخطوات إصلاحية ينادي بها المجتمع السعودي كقيادة المرأة للسيارة والاحتفال باليوم الوطني، انقلبت هذه القناة رأساً على عقب واستطاعت أن تغير جلدها خلال فترة قصيرة منقلبة على خطابها العام لتشن جملة من الحملات الإعلامية قوامها أن المملكة تخلت عن كذا وكذا، وهذا للأسف طرح مناقض لمشروع يفترض أنها قامت عليه طوال هذا الفترة هو إحداث التغيير في الوطن العربي إلى الأفضل كما جاء في خطابها العام، وهذا للأسف هو حال الإعلام العربي المأزوم، الذي تبدو فيه التبعية سابقة للحرفية والمهنية مهما حاول البعض إخفاء هذه الحقيقة المرة.