آن أبلباوم 

في حقيقة الأمر، «العولمة» أشبه بقصة خيالية ابتدعها المفكر السياسي والإعلامي الأميركي البارز، وصاحب مجموعة قنوات «برايتبارت» التلفزيونية، ستيفن بانون، وما لبثت أن تحولت إلى مادة يتناقلها مرتادو الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، الهواة والمحترفون، في شؤون السياسة والاقتصاد. وهي ضرب من الخيال يمكنه أن يساعد على جمع الناس متعددي الرؤى والمواقف.
لكن مناهضة العولمة، التي تعني بكلمة أخرى التمسك الأعمى بالوطنية أو الشعبوية وأحيانا الفاشية، أصبحت حقيقة قائمة على الأرض. وأعتقد أن هذه الحركة تسجل الآن تطورا متسارعا في درجة قوتها وغبائها معا. 

أنظر مثلا إلى ردات الفعل الصادرة عن مناهضي العولمة بعد الإعلان عن فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» القومي بنسبة 13% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الألمانية الأخيرة، وهي النسبة التي تجاوزت ما توقعه المحللون. وبالنسبة لمعظم الأوروبيين يُعد دعم 13% من الناخبين لحزب يدعو أحد الشركاء في تأسيسه إلى إعادة «إحياء أمجاد ألمانيا النازية»، أمراً غير مقبول ولا معقول. لكن هذا الحكم الأخير لا ينسجم مع موقف زعيمة حزب «الجبهة الوطنية الفرنسية»، مارين لوبين، التي سارعت إلى تهنئة حلفائها في «البديل من أجل ألمانيا» على نتائجه، رغم أنها تعلم حق العلم موقف النازيين ضد فرنسا أيام حكمهم قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.

وربما كان الأغرب من ذلك أن تأتي التهنئة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» من الأحزاب القومية اليمينية في بولندا، البلد الذي اجتاحه القوميون النازيون بكل قسوة خلال الحرب العالمية الثانية. أما في بريطانيا التي خاضت حربا مريرة ضد ألمانيا النازية خلال تلك الحرب، فلم نسمع إلا همسات ضعيفة ومتقطعة لتهنئة حزب البديل من أجل ألمانيا. 
ووراء هذه الإنجازات التي يحققها مناهضو العولمة عبر العالم، تقف بعض الأذرع الدعائية غير المرئية. وتماما مثلما كانت منظمة «الكومينتيرن» الدعوية الشيوعية تطلق حملاتها المغرضة عبر العالم بدعم من الاتحاد السوفيتي، فإن الائتلاف «اليميني البديل» غير الرسمي في دول الغرب، يقود حملاته الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي لصالح الحركة الشعبوية العالمية. 
وخلال الحملتين الانتخابيتين الأخيرتين في فرنسا وألمانيا، كثّف «اليمين العالمي البديل» من حملاته عبر تلك الوسائل لدعم مرشحيه، بالتزامن مع حملات «الرفاق الروس»، لدرجة أدت إلى اختلاط الأمور، ولم يعُد من السهل التفريق بين الخطابين لأنهما يستخدمان اللغة ذاتها. وقدم «اليمين العالمي البديل» مساعدة كبيرة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» حتى يغزو بأطروحاته القومية المضادة للعولمة موقع «تويتر». 

ويبقى من الصعب الحُكم على النتائج. لكن في بعض الحملات الانتخابية التي تنظم في دول الغرب، يمكن لنسبة 2% فقط من أصوات الناخبين أن تصنع فارقا ضخما، وأن يكون لها تأثيرها الكبير على نشر الأطروحات التي ينشط الشعبويون والقوميون ومناهضو العولمة في طرحها.

*

* محللة سياسية أميركية – (الواشنطن بوست) - الأميركية