سليم نصار

علّق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على اتفاق المصالحة بين «فتح» و «حماس»، بالقول إن بلاده لن تعترف به... ولن توافق عليه. ولكنه زاد على هذا الموقف السلبي إعلان تعاونه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في حال تمكن من استبدال وزراء إسماعيل هنية بوزراء مدنيين تابعين لسلطته، وعمل على تشغيل المعابر الحدودية.

وكانت «حماس» قد سيطرت على قطاع غزة منتصف سنة 2007، بعد أن طردت عناصر «فتح» الموالين للرئيس عباس إثر اشتباكات دامية استخدمت فيها «حماس» أقصى أساليب العنف والانتقام.

تؤكد المعلومات أن زعماء إسرائيل، بمن فيهم ارييل شارون، أجمعوا على العمل بنصيحة شيمون بيريز بضرورة الانسحاب من غزة كونها تمثل في نظره «قنبلة بشرية موقوتة» يصعب التنبؤ بموعد انفجارها. وقد توقعت إسرائيل هذا الانفجار، إثر وصول عدد سكان القطاع الى مليوني نسمة. وهو يمثل أعلى نسبة سكان في رقعة لا تزيد مساحتها على 365 كيلومتراً مربعاً. ومن أجل تسريع هذا الانفجار، فرضت إسرائيل منذ عشر سنوات على غزة حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً. ولكن المقاومة التي أظهرها السكان كذّبت كل توقعات الانهيار والاستسلام.

وقد عبّر عن هذا الموقف الصلب إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، في احتفال نظمته وزارة الأوقاف في غزة. وفي كلمته، اتهم هنية قادة «فتح» بترسيخ الانقسام السياسي، إضافة الى تجاهل أزمة الكهرباء ورواتب الموظفين. وفي تلك المناسبة، هاجم عضو المكتب السياسي محمود الزهار الرئيس عباس، واتهمه بالعمل ضد المصالحة الفلسطينية.

وردّ على هذه الاتهامات عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، بالاعتراض على طريقة حكم غزة من جانب «حماس» التي يعتبر أنها خطفت القطاع واستولت على الحكم بقوة السلاح.

موضوع السلاح، في رأي «فتح»، محصور بأجهزة الأمن الداخلي، ومسألة استخدامه مشروطة بقرار وطني. وفي رأي أبو مازن، فإن سلاح المقاومة يجب أن يصبح سلاحاً موحداً، يخضع استعماله لقرار الفريقين، «حماس» و «فتح».

ولكن هذه النظرية غير قابلة للتطبيق، إذا كانت السلطة الفلسطينية في رام الله تسعى الى أن تكون بديلاً لـ «حماس» في قطاع غزة. خصوصاً إذا حاول أبو مازن إبعاد القادة المرتبطين بـ «كتائب القسّام» مثل محمود الزهار ويحيى السنوار وسواهما.

ويرى المراقبون أن هذا الموضوع سيكون حجر عثرة في طريق الاندماج الكامل، على اعتبار أن «فتح» تؤمن بأن الديبلوماسية هي الطريق الأفضل لإحياء مفاوضات السلام، بينما يعتقد قادة «حماس» أن الثورة المسلحة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها وزارة المستوطنات. وهي وزارة قضمت حتى الآن أكثر من ربع الضفة الغربية.

بين المشاكل التي ظلت عالقة بانتظار حل يشمل الفصائل كافة، كانت مشكلة سلاح «كتائب القسّام» التابعة لحركة «حماس». وكل ما طلبه المشرفون على اتفاق المصالحة من «القسّاميين» النزول تحت الأرض والابتعاد من المظاهر المسلحة في الشارع الفلسطيني.

ومعلوم أن «كتائب القسّام» حظيت بمعاملة استثنائية، كونها تطوعت للدفاع عن فلسطين، وهي في الأصل تنتمي الى سورية.

وفي كتاب المذكرات الذي صدر سنة 1972 عن «دار النهار للنشر» لمؤلفه اميل الغوري، فصل كامل عن «أعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الجهاد الفلسطيني.»

وقد عرِفت بحركة «القسّاميين» نسبة الى اسم رئيسها ومؤسسها الشيخ عزالدين القسّام. وهو يتحدر من عائلة سورية سكنت في قرية صغيرة قرب اللاذقية. ولكن أفعاله الكبيرة ضد الحكم الفرنسي جعلت من قريته نموذجاً لمقاومة الانتداب. ويؤكد أنصاره أن المضايقات اليومية التي تعرض لها على امتداد ثلاث سنوات، دفعته للانتقال الى فلسطين، والى مدينة حيفا بالذات.

وكان من الطبيعي أن يزور الشيخ عزالدين إثر انتقاله المجاهد الأكبر الحاج أمين الحسيني، الذي وفّر له العناية والرعاية وعيّنه مدرساً وواعظاً في «جامع الاستقلال» في حيفا. ومن المؤكد أن هذه المهمة المعنية بإرشاد المواطنين قد فتحت أمام الشيخ القسّام كل الأبواب المفضية الى قادة الحركة الوطنية وزعماء المؤسسات الإسلامية في القضاء الشمالي من فلسطين.

وبعد مرور فترة قصيرة، ذاع صيت هذا المدرس والواعظ، الأمر الذي أثار مخاوف الإنكليز وقلقهم. ولما تشكل الحزب العربي الفلسطيني في ربيع سنة 1935، كان القسّام أحد أعضائه البارزين. ثم انتخبه مؤتمر الحزب ممثلاً في لجنته التنفيذية مع صديقيه حكمت النملة والمحامي فؤاد عطاالله.

وظل الشيخ عزالدين عرضة للمراقبة، الى حين أعلن الثورة ضد الحكم البريطاني. وقد اختار ذكرى وعد بلفور ليعلن الجهاد من أحراش يعبد. وعلى الفور، طوقته القوات البريطانية بأعداد تفوق أعداد حملته. وبعد مقاومة عنيفة استمرت بضعة أيام، استشهد عزالدين القسّام. ولكن استشهاده لم يثبط عزيمة أنصاره الذين انضموا الى ثورة فلسطين (نيسان - ابريل 1936).

على أثر حدوث نكبة 1948 وإعلان قيام دولة إسرائيل، ظلت فرقة القسّام تنتظر ظهور حركة فلسطينية جديدة تدعو الى تحقيق الأهداف الوطنية التي قاتل من أجلها زعيمها عزالدين القسّام. وقد وجدت تلك الأهداف في ميثاق حركة «حماس» التي أسسها الشيخ أحمد ياسين في 6 كانون الأول (ديسمبر) 1987، بالاشتراك مع ابراهيم اليازوري ومحمد شمعة (غزة) وعبدالفتاح دخان (المنطقة الوسطى) وعبدالعزيز الرنتيسي (خان يونس) وعيسى النشار (رفح) وصلاح شحادة (منطقة الشمال).

ومع ظهور البيان التأسيسي، تبيّن أن «حماس» كانت تعتبر نفسها امتداداً لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. ولكن عملها في فلسطين كان تحت اسم «المرابطون على أرض الإسراء»... و «حركة الكفاح الإسلامي.»

وبخلاف سياسة «فتح»، فإن «حماس» تعتبر أن صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي «صراع وجود لا صراع حدود.» وهي ترى إسرائيل جزءاً من مشروع استعماري صهيوني يهدف الى تمزيق العالم العربي وتفكيك وحدته. كذلك تعتقد «حماس» أن مسيرة السلام بين العرب وإسرائيل، التي انطلقت رسمياً في مؤتمر مدريد سنة 1991، هي مسيرة مضللة ومخادعة. ومن هذا المنظور، انتقدت بشدة تغيير ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وحذف العبارات الداعية الى القضاء على دولة إسرائيل. وقالت في بيانها آنذاك إن إسرائيل هي الملزمة أولاً بالاعتراف بحق الفلسطينيين بأرضهم وحق العودة.

وترى حركة «حماس» أن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم إلا بالجهاد في سبيل الله. وقد جاء في ميثاقها أنه: «يوم يغتصب الأعداء بعض أرض المسلمين، فالجهاد يصبح فريضة على كل مسلم.»

ويستدَل من مراجعة سجل المحادثات بين ممثلي الحركتين، أن الخلاف بينهما كاد ينسف مشروع المصالحة لو لم يتدخل جهاز الاستخبارات المصرية بغرض استئناف الحوار. وكانت المشكلة الطارئة، التي كادت تعطل الجلسات، إصرار وفد فتح على اعتبار أبو مازن صاحب الحق الحصري في حل مشكلة 42 ألف موظف عينتهم «حماس» إثر طرد النفوذ «الفتحاوي».

ولكن ممثل السلطة المصرية أرجأ البت في هذا الموضوع الى 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، بحيث تتمثل كل الفصائل في الاتفاق على الحل عبر مؤتمر آخر يكون بمثابة تكملة لاتفاق الوفاق الوطني الفلسطيني سنة 2011.

يومها وقع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، في مكتب جامعة الدول العربية في القاهرة، اتفاق الوفاق الوطني الفلسطيني. وحملت تلك الوثيقة في حينه تواقيع ممثلي كل الفصائل بما في ذلك: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير العربية، والاتحاد الديموقراطي الفلسطيني، وحزب الشعب، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة)، إضافة الى حركتي «فتح» و «حماس».

تعتقد الأوساط السياسية في القاهرة أن تحرر «حماس» من رعاية قطر، قد يسمح لها بهامش واسع من المناورة، خصوصاً إذا استطاع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إقناع نتانياهو بأن الوقت قد أزف لإحياء مفاوضات السلام... وأن البديل لن يكون بعيداً من حرب واسعة تنسف كل طرق التفاوض!