جمال زهران

انتهى ماراثون انتخابات المدير العام لمنظمة اليونسكو فى باريس يوم الجمعة 13-أكتوبر 2017م، بانتخاب مرشحة فرنسا السيدة (أودرى أزولاي) من مواليد 1972م، (أى 45 عامًا)، بعد أن تغلبت على مرشح قطر (الدويلة) بفارق صوتين فقط (30 ـ 28)، ومن قبل بساعات كانت قد تغلبت على مصر على المركز الثانى بعد تساوى أصواتهما فى الجولة الرابعة (18) صوتًا لكل منهما (31) صوتا لفرنسا، مقابل (25) صوتًا لمصر وبطلان صوتين. وقد استغرقت الانتخابات (6) جولات، بينما كان الأصل (5) جولات فقط وذلك بسبب تساوى دولتين (مصر ـ فرنسا) فى المركز الثانى بالجولة الرابعة. وهذه هى المرة الثانية خلال (8) سنوات، تنافس مصر على هذا المنصب. ففى عام 2009م ترشح وزير الثقافة آنذاك (فاروق حسني) وكانت فرصته أكبر، حيث كان متفوقًا فى الجولة الأولى (25) صوتًا، وكاد يصل للمنصب من الجولة الأولى. إلا أن أمريكا وإسرائيل، بذلا جهودهما كالعادة لإحباط المحاولة المصرية لشغل هذا المنصب الذى يكرس حال نجاح المحاولة، فكرة العمق الحضارى والثقافى لمصر، وقد يكون تحفيزًا لمصر على الانطلاق فيما بعد.

الولايات المتحدة قررت الانسحاب عشية الجولة الرابعة، فى إشارة منها إلى تقويض الجهود المصرية، والدعم الخفى لقطر، بينما الاتفاق النهائى أن يكون المقعد من نصيب فرنسا، وبتمويل قطري، بعد أن تم غسل مساحة كبيرة من سمعة قطر الإرهابية عبر الترشح لهذا المنصب الرفيع والحصول على أعلى الأصوات من الجولة الأولى حتى الجولة قبل الأخيرة (الرابعة)، لتدخل جولة الحسم فى مواجهة فرنسا التى تم حسم المقعد لها قبل أن تبدأ الجولات، وتوارت مصر للمركز الثالث، كما حدث من قبل. والسؤال: أين إذن الدول الكبرى المناهضة للإرهاب؟! وأين الدعم الغربى لدول التحالف الرباعى العربى ضد قطر الإرهابية؟! وأين دول التحالف العربى من المرشح المصرى فى مواجهة قطر؟! كلها أسئلة مشروعة يجب أن نواجهها، لنتعلم الدرس مستقبلاً إذا أردنا طرح مرشح ثالث بعد أربع سنوات من الآن أو ثمان حال استمرت السيدة الفائزة مرشحة فرنسا (أودرى أزولاي)، كما هو معتاد.

فقد كانت الولايات المتحدة أكبر الداعمين ماليًا للمنظمة وبنسبة تتجاوز 25% من ميزانيتها، إلا أن انسحابها فى هذا التوقيت القاتل، كان إشارة بتحول التمويل مستقبلا إلى قطر، شرط الدعم الخفى لغسل سمعة قطر الإرهابية، وتلك هى الصفقة السياسية لمن لا يريد أن يفهم. ولذلك فإنه رغم الإقبال المصرى على دعم العلاقات مع أمريكا وإسرائيل، والحديث عن صفقات سياسية فى هذا الشأن، فإن أمريكا وإسرائيل معًا، لا يستريحان لصعود مصري، أو دور قيادى لمصر، أو شغل أى منصب دولى مثل اليونسكو، ولذلك لابد من مراجعة خطابات تفسير الفشل، بأنه بسبب «الرشاوي» القطرية لعدد من الدول الأعضاء، لأن هذا لم يكن مفاجأة، وكان يستلزم الاستعداد له ببدائل قوية. كما أن من خطابات التفسير، أن مصر كانت واثقة من (17) صوتا إفريقيا، هبط إلى ما دون النصف، وكذلك الترشيح العربى وعددهم (7) ربما لم تحظ مصر بصوت واحد من خلال متابعتي!! أما الموقف الجرىء الذى يجب الالتفات له من أعرق دول العالم حضارة وثقافة وتتوازى مع تاريخ مصر فى هذا الشأن، فكان الموقف الصينى الذى انسحب المرشح الصينى قبل الجولة الرابعة وأعلن أن ذلك لمصلحة مصر، فارتفع نصيب مصر من (13) دولة داعمة فى الجولة الثالثة إلى (18) دولة فى الجولة الرابعة. فكما هو واضح فإن الشرق داعم لنا وحريص علينا، ولا يحصل منا إلا على الفتات فى العلاقات والاهتمام، وقد يخشون منا مستقبلاً نتيجة التوجس من مواقفنا، علينا أن نعيد ترتيب علاقاتنا مرة أخرى مع الآخرين. ولنبدأ كما سبق أن كتبت ودعوت إلى الاهتمام بالدائرة العربية ثم الإفريقية، ثم الإسلامية، فى إطار مواقف واضحة تساعد فى إقامة علاقات على أسس موضوعية .